أصدر رئيس النيابة العامة، مؤخرا، منشورا جديدا موجها إلى المسؤولين القضائيين وسائر القضاة في جهاز النيابة العامة، يتعلق بحماية الحياة الخاصة للأفراد، وذلك تفاعلا منه مع الجدل الدائر حول منع التصوير في الفضاء العام وكان آخرها صدور تعليمات لعناصر الشرطة بتوقيف كل من يقوم بتصويرهم وحيازة آلياتهم، وكذا إصدار وزير الصحة تعليمات صارمة لمنع التصوير داخل المستشفيات العمومية. ويحدد منشور رئيس النيابة العامة الإطار القانوني المنظم لمنع تصوير الأفراد حماية للحياة الخاصة، المتمثل بالأساس في قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، من جهة وبعض المقتضيات المتفرقة بين قانون الصحافة، وقانون 08.09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، حيث أكد المنشور على أن منع التصوير يقتصر على الأماكن الخاصة. ولفت منشور رئيس النيابة العامة الانتباه إلى أن المنع يقتصر على المكان الخاص، موضحا أركان هذه الجريمة والتي تتمثل في؛ استعمال أي وسيلة من الوسائل تمكن من تثبيت الصور أو تسجيلها أو توزيعها، ويدخل في حكمها آلات التصوير الفوتوغرافية أو الهواتف أو الحواسيب، وعموما أي وسيلة تتيح إتيان تلك الأفعال، وكذا تواجد الشخص المعني بالصورة (الضحية) في مكان خاص، والذي يشمل كل مكان غير مفتوح في وجه العموم ولا يمكن ولوجه إلا بإذن أو موافقة من يشغله. ويدخل ضمن الحياة الخاصة، أيضا، “بث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته أو بث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة، من خلال بث أو توزيع شريط فيديو أو شريط صوتي دون موافقة صاحبه. كما يجرم النص القيام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة”. والملفت في منشور رئيس النيابة العامة أنه استعان بالاجتهاد القضائي المقارن الذي استقرّ على اعتبار “عملية التسجيل التي تكون الغاية منها تقديم دليل إلى القضاء أو الشرطة القضائية لا تقوم معها جريمة انتهاك الحياة الخاصة”، مشيرا في هذا السياق إلى أنه “سبق لمحكمة النقض الفرنسية أن اعتبرت جريمة تسجيل الأقوال الصادرة بشكل خاص غير متحققة رغم قيام المشتكى منه بتسجيل مكالمة هاتفية مع المشتكي”، مبرزا أن “القانون الجنائي الفرنسي يشترط في المادة 226-1 توفر قصد المساس بالحياة الخاصة، بينما لم يشترط المشرع المغربي صراحة هذا الشرط، مما يتطلب بلورة اجتهاد قضائي مغربي خاص”. وحث المنشور أعضاء النيابة العامة على مراعاة هذا الاجتهاد القضائي المقارن، ولو على سبيل الاستئناس لحماية المبلغين عن الفساد، ومراعاة المقتضيات القانونية التي تحمي الضحايا والمبلغين عن الجرائم والذين قد يلجؤون إلى حماية أنفسهم بمقتضى التسجيلات أو لإثبات الاعتداءات التي يتعرضون لها، كما هو الحال في جريمة الرشوة. وأوضح منشور رئيس النيابة العامة أن الهدف من المقتضيات القانونية الزجرية الجديدة يتجلى أساسا في حماية الحياة الخاصة للأفراد. وتشمل أوجه هذه الحماية منع التقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص، أو سري، دون موافقة أصحابها. فضلا عن منع تثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء وجوده في مكان خاص دون موافقته. يشار إلى أن المشرع نص على عدم إمكانية متابعة الراشي الذي يبلغ السلطات القضائية عن جريمة الرشوة إذا قام بذلك قبل تنفيذ الطلب المقدم إليه وكان الموظف هو الذي طلبها. هذا، وتصل العقوبات المقررة لانتهاك الحياة الخاصة للأفراد إلى ثلاث سنوات حبسا، بغض النظر عن جنس الفاعلين أو الضحايا، وكيفما كانت الوسائل المستعملة في الاعتداء كالهاتف أو آلات التسجيل السمعي البصري أو الأنظمة المعلوماتية أو أي أداة أخرى.