تتموقع كوريا الجنوبية في الرتبة السابعة عشرة ضمن قائمة البلدان التي انتشر فيها فيروس كورونا، بعدد حالات بلغ، إلى حدود الأحد، 10.237 حالة، ووفاة 183 من المصابين؛ لكن الحياة في هذه الدولة الآسيوية المتقدمة ما زالت تسير بوتيرة شبه طبيعية، إذ تفتح المقاهي أبوابها، بينما لجأت دول كثيرة إلى فرض الحجر الصحي وتقييد حركة تنقل الأشخاص. يرجع فضل نجاح سلطات سيول في تضييق دائرة انتشار فيروس "كورونا" المستجد إلى الاعتماد بالدرجة الأولى على التواصل المكثف مع المواطنين، والقيام بعدد اختبارات بلغ 200 اختبار في مدة وجيزة، عند ظهور الحالات الأولى، ووصل مجموع الاختبارات التي أجريت في كوريا، لحد الآن، إلى أزيد من 455 ألف اختبار. هذا العدد الهائل من الاختبارات "مكّن سلطات كوريا الجنوبية من معرفة الوضع الحقيقي لانتشار فيروس "كوفيد-19" في البلاد، ومن ثم وضع المقاربة الملائمة للسيطرة عليه"، يقول ياسين قزابري، وهو شاب مغربي يعمل مدير مشاريع بشركة عالمية في كوريا الجنوبية. وانطلقت الشرارة الأولى لانتشار فيروس "كورونا" في كوريا الجنوبية من تجمُّع كبير نظمته إحدى الطوائف المسيحية في مدينة ديغو، حيث قفز عدد الإصابات من أقل من أربعين إصابة إلى بضعة آلاف في ظرف وجيز، حيث اقتفت السلطات مسار العدوى، فاتضح لها أن مصدرها التجمّع الديني في مدينة ديغو. غداة ذلك أغلقت السلطات المدينة وفرضت حظر التجوال فيها، وباشرت عملية واسعة لفحص جميع أعضاء الطائفة الدينية التي نظمت النشاط الذي تفشى بسبب فيروس كورونا، حيث أجرت 200 ألف اختبار في مدة وجيزة. واعتبر ياسين قزابري أن التواصل المكثف والحثيث من طرف السلطات مع المواطنين يعدّ من بين الآليات التي مكّنت كوريا الجنوبية من محاصرة مدّ فيروس "كورونا"، إذ أسرعت الحكومة إلى وضع آليات تواصل متنوعة؛ منها خريطة تفاعلية يتم تحديثها على مدار الساعة، وتبيِّن أماكن وأوقات الإصابات المكتشفة وعددها، ما يمكّن المواطن من معرفة الأماكن التي يستحسن تجنبها. وترسل حكومة كوريا الجنوبية رسائل نصية إلى جميع الهواتف، تتضمن نصائح وتحذيرات ومعلومات وإرشادات، من قبيل طلب المواطنين أن يتوجهوا إلى المراكز الصحية قصد الخضوع للفحص، أو دعوة سكان حي معين بعدم الذهاب إلى مقرات العمل والبقاء في بيوتهم. في كوريا الجنوبية، لا يوجد إجراء عام يسري على كافة مناطق البلاد، كما هو الحال في عدد من بلدان العالم؛ بل يتم التعامل مع جائحة "كورنا"، بناء على المعطيات المحيّنة المتوفرة للحكومة، والتي على أساسها تُتخذ الإجراءات والتدابير الملائمة. ويؤكد ياسين قزابري أن التواصل الحثيث الذي تتبعه الحكومة يسمح للمواطنين بمعرفة الوضع الحقيقي للوباء، وبالتالي اتخاذ القرارات الصائبة في تحركاتهم اليومية. وموازاة مع الإجراءات التي تتخذها الحكومة، فإن "التزام مواطني كوريا الجنوبية وانضباطهم للتعليمات يعدّ بدوره سببا أساسيا في انتصار كوريا على الوباء"، يقول الشاب المغربي المقيم بالعاصمة سيول. وانحصرت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الكورية بعد تفشي فيروس "كورونا" في مدينة ديغو بشكل مفاجئ، في طلب من المواطنين بملازمة بيوتهم إلى حين فحص جل الحالات المشتبه فيها. وفي العاصمة سيول، طُلب في مرات قليلة من سكان حي محدد البقاء في بيوتهم، وتوصية عموم الناس بتحاشي الأماكن المزدحمة كالحفلات وغيرها، وتم إغلاق بعض النوادي الليلية وبعض صالات الرياضة بشكل مؤقت. وتوفر حكومة كوريا الجنوبية، بحسب إفادة ياسين قزابري، أدوات الوقاية من فيروس "كوفيد-19"، كالمعقمات، في كل مكان، وبشكل مجاني، مضيفا: "المعقّمات متوفرة مجانا في الإدارات والمطاعم والمتاحف ومحطات الميترو والمتاجر وفي كل مكان، كما أنها متوفرة بكثرة في أماكن البيع لمن يريد شراءها". أما الكمامات الواقية، فقال المتحدث إن كوريا الجنوبية حظرت تصديرها إلى الخارج، حيث كان جل الصادرات منها يتوجه إلى الصين، إلى حين ضمان وجود كمية كافية لجميع المواطنين، موضحا أن الكوريين حاليا يشترون الكمامات بواسطة البطاقة الوطنية، بعدد أفراد العائلة وبكمية تكفي لأسبوع، بينما تقدم للأجانب بالمجان.