تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة والمورد البشري المتخصص "رفض التغيير" من الأعراض الأساسية للتوحد من العلامات الأساسية لأعراض التوحد رفض الطفل التوحدي ومقاومته للتغيير، فأي خرق لروتينه اليومي المنتظم يوقد فورة غضب تتخذ أشكالا وألوانا من السلوك: كالعنف على الذات (بأن يعض يديه أو يخبط رأسه..)، أو العنف على الآخرين، أو السلوك التخريبي للأشياء المحيطة به، أو الصراخ والعويل (=البكاء المستديم) أو التمرغ أرضا..، ويزداد هذا الاضطراب السلوكي حدة عند الأطفال التوحديين غير الكلاميين autistes non verbaux، أي الذين يعجزون عن الكلام. ويعتبر طارئ "الحجر الصحي" تغييرا مفاجئا يفطم الطفل التوحدي عن طقوس ألفها وتبرمج عليها طيلة أيام الأسبوع، ابتداء من إعداده وتجهيزه لمغادرة البيت صباحا، صوب المركز أو المؤسسة الحاضنة، وركوب النقل المدرسي وما يصحبها من أجواء ومناظر ومرافق يكنسها ببصره كل يوم، ومرورا بأنشطة وتمارين وفقرات استراحة ومطعم ومسبح داخل الفضاء الحاضن، وختاما بطقوس العودة إلى البيت ثم الاستقبال الوالدي. طارئ الحجر الصحي الطفل التوحدي، أكثر من أي طفل آخر، مطالبه تجاه والديه كثيرة على الدوام، تخفف من عبئها جمعيات شريكة تحتضنه في مراكز متخصصة أو في أقسام مدمجة أو في مسارات التربية الدامجة بمدرسة عمومية، غير أن توقف هذه المؤسسات عن الخدمات والرعاية للأطفال التوحديين، بموجب الحجر الصحي، يضع الأسرة وجها لوجه أمام صعوبات هذا الطفل، دون خيار آخر غير التكفل به ببرنامج عمل يطال الليل والنهار، في فضاء منزلي مغلق قد يجعل الوضع، عند الكثير من الحالات، خارج السيطرة. إن الهدف من هذا المقال مزدوج؛ أن نفهم أولا سلوك الطفل التوحدي في ظل المتغير الطارئ، الذي هو الحجر الصحي، وثانيا أن ندبر الحياة المنزلية اليومية باعتماد استراتيجيات وحلول واقعية. والمقصود هنا ب «استراتيجيات أسرية" أن والدي الطفل التوحدي يملكان من القدرات الذاتية والحدسية، التي ينبغي لهما اكتشافها وتطويرها، ما يؤهلهما لابتكار هذه الاستراتيجيات، نذكر من أهمها: 1- أن نتواصل مع الطفل التوحدي أن نتواصل مع الطفل التوحدي هذا هو الشيء الأهم، ولا يهم إن كان يتمتع بالقدرة على الكلام أم لا، فالمطلوب أن نجتهد في أن نفهم طريقته في الكينونة، وأن نتلمس خصوصيته، فهذا ما يحقق أمنه الداخلي: أن يكون مسموعا. التواصل عن طريق الصور pictogramme يساعده على أن يحدد الشيء الذي يريده وأن يشير إلى الشيء الذي لا يرغبه. وبعض الأطفال التوحديين لديهم القدرة على استيعاب وإدراك ظروف هذا الحجر الصحي ضد "كورونا"، يجب أن نشرح لهم أسبابه دون الإغراق في التفاصيل، ومن المفضل الاستعانة بالأدوات والطرائق المعتمدة لدى التعليم الأولي في التحسيس بهذا الفيروس وبطرق الاحتراز منه. على الأم والأب أن يحدثا طفلهما باكرا (في سنواته الأولى)، وعلى سبيل المثال أن تحدثه أمه وتغني له (أو تنشد له) وهي تقوم باستحمامه، وتخبره بكل ما تفعل له، وتسمي له أجزاء جسمه وإن كان لا يفهمها، فقد أكدت التجربة بأن الطفل التوحدي يحتاج وقتا كبيرا للاستماع قبل أن ينطق بكلماته الأولى. نفس الشيء عند مساعدته في ارتداء ملابسه أن نحدثه- مثلا: "الرجل تدخل في السروال" مما يساعد الطفل على اكتساب اللغة وعلى تطوير الإدراك والتوازن والحركة. ولابد من تمكينه من الاتصال والتواصل مع مربيته أو أستاذه عبر وسائل الاتصال الإلكترونية، ومع كل من كان يتبادل معه الاتصال والأنشطة والخرجات وخاصة عبر أداة appels vidéo حيث يمكن الاحتفاظ بقدر من التبادل des échanges مع الآخر. ونشجعه عند أي إصدار صوتي ينطق به، فالحروف "م" و"ب" مثلا تتطور عنده إلى مقاطع صوتية "ما" و"با" والمقاطع تتطور إلى النطق بكلمات "ماما" و"بابا"، والكلمات يركبها للنطق بجمل: "ماما نشرب" و "بابا نخرج". 2- أن نحول "الشاشة" إلى أداة لإنماء قدراته كثيرة هي الدراسات التي تتحدث عن الأضرار البالغة التي يسببها مثول الطفل، مندمجا بكل حواسه، أمام الشاشة بكل أصنافها: التلفاز أو اللوحة الإلكترونية أو الهاتف المحمول. غير أن بعض المدارس العلاجية الحديثة عملت على استثمار ارتباط الطفل التوحدي بالشاشة، وتحويلها إلى أداة لتمرير المهارات التربوية والكفايات البيداغوجية المطلوبة، وذلك من خلال؛ أولا: أن نقنن ونحدد زمن ومدة مثول الطفل التوحدي للمشاهدة أمام الشاشة، وثانيا أن نقوم بتحميل جملة من الأنشطة والمواد الهادفة من شبكة الأنترنت وتسجيلها، ثم نقوم بعرضها على أنظاره، منها أنشطة "السيناريوهات الاجتماعية " des scénarios sociaux المطلوب من الطفل التوحدي أن يتعلمها وأن يمثلها في سلوكه على سبيل التقليد والمحاكاة، وكذا أن نعرض على أنظاره ومسامعه بعض مشاهد النظافة الذاتية كالعناية بالأسنان وغسل اليدين، والأنشطة الاعتمادية كالأكل والنوم، وأيضا أنشطة التعلمات كالتلوين والتقطيع والتلصيق و فرز أشياء وألوان والقراءة والكتابة والحساب..، وذلك حسب مستوى نموه. 3- أن ندمجه في حياتنا المنزلية من موانع الإدماج الأسري والعائلي للطفل التوحدي عبارات: "لا تفعل"، "لا تقرب"، "لا تلمس"..، والتي تجعل البيئة المنزلية مصدر خوفه وقلقه، فلا بد من أن يتقبل الوالدان فكرة إشراكه اليومي في الحياة المنزلية، على أن هذا الإجراء مشروط بشيئين هامين: ألا يخافا من مشاركته المنزلية، وأن يقوما ببعض التعديلات الضرورية لتأمين أنشطته وخاصة داخل المطبخ. بالنسبة للطفل التوحدي الذي يعاني من اضطراب أو عسر الحركة لا بد من أن تقود حركة يده بيدك guidance physique، موجها حركته وأنت تقوم -مثلا- بتقشير البطاطس بالأداة المناسبة، وأن تناوله إياها ليضعها في الإناء المملوء ماء، وحتى ولو لم يفعل بالشكل الصحيح، تتبع حركته بالتفصيل فإن هذا الإنجاز هو خطوة هامة في حياته. وبنفس سيرورة هذا النشاط يمكن إشراكه في غسل الأواني، وفرز حبوب القطاني، وطي الملابس، وإحضار الوجبات على المائدة، وتقطيع الخبز، وسحب الأواني من مائدة الأكل، وترتيب الغرفة، ومساعدته في إعداد بعض الأكلات الخفيفة كأكلة البيض والطماطم باعتماد خطوات مصورة أو عروض للفيديو. قد تبدو هذه الأعمال لبعض الآباء بدون جدوى، ولكن سوف يكتشف الوالدان أن طفلهما يصير مسرورا ومبتهجا بتحقيقه إنجازا شخصيا. يجب أن نساعد الطفل التوحدي على اكتشاف عالمه اليومي بإعطائه بعض الاعتماد على الذات (الاستقلالية) وأن نمنحه الثقة في أن يفعل، وبما أنه ملاحظ بامتياز سوف يتعلم مهارات منزلية وحياتية كما يتعلم الآخرون، ولحظة النشوة والفرح التي تتقاسمها الأسرة معه هي جد إيجابية وهامة للجميع، وسوف يرغب هو في تكرارها والبحث عنها. 4-أن نتتبع أنشطته التعليمية بتنسيق وتشاور مع مربيته المتخصصة، أو أستاذ الفصل، يتتبع الطفل التوحدي داخل المنزل أنشطته التعليمية بانتظام، وهذا يتطلب توفير شروط: أولا: فضاء خاص أو زاوية من البيت، وثانيا: المدة الزمنية المحددة لكل نشاط أو تمرين، مع تجنب الاستطالة في الوقت المخصص لكل حصة، وثالثا: توفير أدوات العمل، والتي يستحسن أن تكون بسيطة من أوراق وأقلام ولصاق ومقص وأحجيات puzzles وأصداف وعقيق وخيوط، ومقررات مدرسية حسب مستوى كل طفل توحدي. إذا كان الطفل التوحدي في سنواته الأولى فإن اللعب هو الطريقة المثلى للقيام بالأنشطة والتمارين، أما مجالات نشاطاته التعليمية فهي وظيفية بالأساس: كأنشطة التربية الحركية الدقيقة motricité fine وأنشطة التنسيق بين اليد والعين coordination oculo-manuel والتربية الاعتمادية autonomie والتربية الفكرية cognition، والتواصل. ولا ينبغي أن نقدم للطفل التوحدي هذه التمارين والأنشطة في شكل دروس، فاللعب في سنواته المبكرة هو الطريقة المثلى للقيام بنشاط ما، والمطلوب أن نحول تلك التمارين والتداريب العلاجية إلى أشكال من اللعب، بحيث تلائم مستوى تطور هذا الطفل، وتساعده على التقدم خطوة إلى الأمام، ويجب أن تكون هذه التمارين والأنشطة سهلة بما يكفي للقيام بها وكذلك صعبة بما يكفي لتكون مثيرة لديه. وأن نجعل تعليمنا له ممتعا ومسليا، ولا نتدخل في مساعدته على إنجاز تمرين إلا بقدر حاجته الفعلية لهذه المساعدة، ونشجعه على إتمامه بنفسه. وإذا رفض نقوم بإبدال النشاط الذي اقترحناه عليه بنشاط أسهل منه أو قريبا منه، وأن نظهر اهتمامنا وسرورنا حينما ينجز النشاط ويبذل جهدا في إتمامه، وأن نبالغ في مدحه والتنويه به، ويستحسن أن تكون مكافأتنا له اجتماعية récompense sociale بأن نقول له أحسنت (برافو) أو "نطبطب" على كتفه وأن نقلل من المكافآت المادية كالحلوى وما يحب من المأكولات. 5- أن لا نضعه في وضعيات الفشل ومما يوقظ نوبات غضب الطفل التوحدي شعوره بالإحباط في إنجاز أعمال يصعب عليه إنجازها، فلا نرغمه على إنجاز نشاط ما، والأسلم أن نستفتح أنشطتنا معه بما يحب ويرغب من الأعمال، وبما يستطيع إنجازه، ثم نمر به تدريجيا إلى ما تتطلع إليه قدراته الناشئة ses émergences، مع اعتماد أسلوب المكافأة والتحفيز، ولا بأس من تكرار بعض الأنشطة الإلهائية activités occupationnels لتصريف الزمن – زمن الحجر الصحي الطارئ- من أجل إلهائه عن ممارسات غير مرغوب فيها، أقلها ضررا العزلة والحركات التكرارية. وشيء جميل أن نعرض عليه إنجازاته أمام أنظاره وأن نمدحه أمام الآخرين، وليس صوابا أن نتحدث عن صعوباته ومشاكله أمامه. وينبغي أن يكون هدف الأسرة هو مساعدة طفلها التوحدي على أن يبقى نشيطا وسعيدا ما أمكن. 6- قانون التركيز والإهمال أن نتجنب السطو على عالمه بالكامل، كأن نريد منه تحقيق تقدم في كل المجالات في نفس الوقت: أن يتوقف عن حركاته التكرارية، وأن يكف عن نوبات غضبه، وأن يوقف استعراضاته السلوكية، وألا يقاطع أمه وهي تتحدث على الهاتف، وأن يعتمد على ذاته في تناول الطعام وأن يقضي حاجته في المرحاض باستقلالية..، فليس صوابا أن نلغي كل شيء في حياته بالجملة. إذ لابد من تحديد أولويات مشاكله التي ينبغي معالجتها: نحن في هذه الظرفية من الحجر الصحي يفضل أن تعطى الأولوية لحاجياته البقائية (الحاجيات الفزيولوجية) في التغذية وفي النوم والاحتراز لسلامته الجسدية، ودون أن نتجاهل تلبية حاجته العاطفية وما تلعبه من دور في إحساسه بالأمن الداخلي وفي شعوره بأنه مقبول. أما ما يتعلق ببعض الاضطرابات السلوكية الحادة كعدم التحكم المنتظم في التبرز والتبول، وكذا إيذاء الذات، أو اضطراب النوم، فهناك برامج علاجية يمكن للوالدين اتباعها مع ضرورة الهدوء والتدرج والمرونة والتحمل لبطء النتائج. ولا يقوم الطفل التوحدي بسلوك غير مقبول إلا لأن هذا السلوك يجني من ورائه منفعة كجلب الانتباه أو الحصول على أغراضه. ومن الصعب محو أي سلوك غير مقبول دفعة واحدة، ولكن نعمل في المرحلة الأولى على التقليل منه. ومن الطرائق العلاجية المتبعة في ذلك أولا أن نلاحظ: متى وأين يحصل هذا السلوك؟ وأن نقوم برصد كل حيثيات ما قبل هذا السلوك (غير المقبول) وأثناءه وبعده، ثم نتذكر كيف كانت ردة فعلنا نحن. وثانيا أن نحلل المعطيات: نحاول أن نعرف ما يجنيه هذا الطفل ويكسبه من سلوكه هذا (إثارة انتباه أو الحصول على حاجة مادية)، وثالثا أن نقترح البديل أو العلاج: أن نستثمر وظيفة ذاك السلوك في تثبيت سلوك آخر بديل وإيجابي؛ ونكون قد عملنا على إطفاء السلوك القديم بفصله عن وظيفته التي هي إثارة الانتباه أو الحصول على ما يريد، ونعلمه أن ما يريد الحصول عليه من الاهتمام ومن أغراضه لن يتمكن منه إلا عن طريق السلوك المقبول. 7- التناوب الأسري الأم والأب يجب أن يخصصا وقتا للتكفل وللعمل مع ابنتهما أو ابنهما التوحدي، ولكن أيضا يجب عليهما أن يخصصا لنفسيهما وقتا للراحة، ولا يتأتى ذلك إلا بأسلوب "التناوب الأسري"، وبتبادل الأدوار على الحياة مع هذا الطفل، وبإشراك باقي أفراد الأسرة من أشقائه الذين سيتعلمون الشيء الكثير من مساعدتهم لأختهم أو أخيهم التوحدي؛ وعلى سبيل المثال أن يكون دور الواحد منهم في أن يساعده في تناول وجبة الطعام، و أن يكون دور الآخر في أن يساعده على تتبع برنامجه التعليمي ... وفي الختام نتمنى ألا يطول هذا الحجر المنزلي علينا ولا على أطفالنا، وأن تتسع دائرة النفع والمساعدة للأطفال التوحديين من طرف باقي المتدخلين الذين توفرهم لنا الجمعيات والمؤسسات المعنية. والله المستعان. *متخصص في التربية الخاصة