انتشرت خلال اليومين الأخيرين مقاطعُ فيديو على الشبكات الاجتماعية تُظهر وقوف أعوان السلطة ولجان المراقبة، في إطار عمليات مراقبة الأسعار، على زيادات كبيرة في أسعار المواد الغذائية التي تباع بالتقسيط للمواطنين في محلات البقالة بعدد من المدن المغربية. وفي الوقت الذي توجّه فيه أصابع الاتهام إلى أصحاب متاجر بيع المواد الغذائية بالتقسيط، وتحميلهم مسؤولية الزيادات غير المبررة في أسعار بعض المواد، خاصة القطاني، فإن هؤلاء من جهتهم يبرّئون أنفسهم ويحمّلون المسؤولية لتجار الجملة. وسارع المكتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين بالرباط إلى دعوة السلطات ولجان مراقبة الأسعار إلى الاطلاع على أحوال السوق لمعرفة مستوى الأسعار من منبعها، أي من سوق الجملة، ومقارنتها بالأسعار التي تباع بها في المحلات التجارية الصغرى. وقالت النقابة المذكورة في بلاغ لها، توصلت به هسبريس، إن نشر الفيديوهات الموثِّقة لعمليات مراقبة الأسعار "يؤدي إلى تغليط الرأي العام، لأنها تأخذ رأي طرف واحد فقط، وهو رأي السلطة، ما يجعل المتلقي يفهم أن التاجر هو السبب في تذبذب الأسعار"، وأن هذا الوضع، يضيف المصدر، "سيتسبب في تجييش المواطنين ضد التجار الصغار". وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أوضح عيسى أوشوط، الكاتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين بالرباط، أن مشكل غلاء أسعار القطاني راجع إلى الزيادة التي طالتها في "الرحبة" وعند البائعين بالجملة، بعد الإقبال الكبير للمواطنين على اقتنائها قبيْل وغداة إعلان السلطات فرض حالة الطوارئ الصحية. وأوضح أن هذا الإقبال الكبير أدى إلى نقص هذه المواد في السوق، ما أفضى بشكل أوتوماتيكي إلى الزيادة في أسعارها، لكنّ التجار الصغار وحدهم حُمّلوا مسؤولية هذه الزيادة، باعتبارهم آخر نقطة لتصريف السلع إلى المواطنين، رغم أنّ هامش ربحهم لم يعرف أي زيادة. "أكثر من هذا، نحن في المكتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين بالرباط دعونا التجار الصغار إلى التخلّي عن هامش الربح أو تخفيضه إلى أدنى حد إذا استطاعوا، كمساهمة منا في التخفيف عن المواطنين في هذه الظرفية"، يقول أوشوط، مشيرا إلى أن انتشار فيديوهات عمليات مراقبة الأسعار "جيّش المواطنين على التجار الصغار". وذهب المتحدث ذاته إلى القول إن هناك "تمييزا" ضد التجار الصغار، لأنهم وحدهم الذين يتعرضون للمساءلة والمراقبة من طرف السلطات تحت عدسات كاميرات الهواتف التي تنقل كل شيء إلى المواطن، في حين إن تجار الجملة المسؤولين بالدرجة الأولى عن ارتفاع الأسعار لا يخضعون للمراقبة. ولجأ عدد من التجار الصغار إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن "حيرتهم" إزاء التعاطي مع غلاء بعض المواد الغذائية في سوق الجملة، معتبرين أنهم يوجدون بين مطرقة البيع بسعر مناسب، امتثالا لأوامر السلطات، وبين غلاء اقتنائها من الأصل. في هذا الصدد، كتب فوزي الماحي، صاحب متجر لبيع المواد الغذائية في قرية گيگو نواحي بولمان، بعد أن استعرض الأسعار المرتفعة للقطاني في سوق الجملة، يقول: "هناك خياران، إما أن يقتني التاجر هذه المواد ويبيعها بهامش ربح معقول، بين درهم ودرهمين، أو لا يقتنيها أصلا ويريح نفسه". وعبّر الماحي عن امتعاضه من الأسئلة التي تنهال على التجار الصغار من قبل المواطنين حول أسباب غلاء بعض المواد الغذائية، وتحميلهم مسؤولية هذا الغلاء، قائلا: "ما يمكنش لي جا يشري يفتح معاه (التاجر) محاضرة ديال غالي هادشي لواه سلعة غلات...". ويواجه التجار الصغار إشكالا إجرائيا أثناء عمليات مراقبة الأسعار، يتمثل في عدم التوفر على فواتير اقتناء السلع من تجار الجملة أو الموزعين، من أجل مقارنة سعر الشراء بسعر البيع للمواطنين؛ إذ يكتفون بتسليمهم ورقة تدوّن عليها أسعار البيع. ويتخوّف التجار الصغار من أن يؤدّي استمرار ارتفاع الأسعار في سوق الجملة إلى تعرضهم لاعتداءات من طرف المستهلكين، باعتبارهم هم الذين يحتكون بهم يوميا. في هذا السياق، أورد الكاتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين بالرباط واقعة جرت لتاجر قدم لزبون علبة "الحار" بسعر 11 درهما، رغم أنه اشتراها ب9.80، لكن الزبون اعتبر أن البقال زاد في السعر واعتدى عليه لفظيا، وهدده بالاتصال بأعوان السلطة. وقال عيسى أوشوط: "التجار الصغار في الواجهة، معرضون لخطر الإصابة بفيروس كورونا، ومع ذلك يتم تحميلهم مسؤولية غلاء الأسعار رغم أنهم ليسوا مسؤولين عنها".