يحمّل المواطنون مسؤولية الارتفاع الصاروخي للمواد الاستهلاكية، خاصة الخضر وبعض المواد الغذائية، خلال الفترة التي يمر منها المغرب حاليا، إلى التجار، لكنّ المستهلك يتحمّل بدوره نصيبا من المسؤولية بسبب الإقبال الشديد على التبضع. القاعدة المنظمة لتعاملات السوق هي العرض والطلب، فكلما زاد الطلب على السلع قلّ العرض، ومن ثم ترتفع الأسعار، خاصة وأن قانون حرية الأسعار والمنافسة لم يحدد سقفا معينا للربح، وإن كانت السلطات تتدخل عندما يتم تجاوز الحدود المعقولة. الارتفاع الكبير لأسعار المواد الغذائية في المغرب بدأ مع تزايد عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد، حيث انتشرت على الشبكات الاجتماعية صور ومقاطع فيديو موثقة لاقتناء الناس لحاجيات أكثر من اللازم، وازدحام في الأسواق الكبرى، ما دفع إلى الإقبال بكثافة على الأسواق. ورغم أن الحكومة طمْأنت الرأي العام بوجود مؤونة كافية من المواد الغذائية، إلا أن فئات واسعة من المواطنين استمرت في اقتناء كميات زائدة من المواد الغذائية، لتنتقل "عدوى الشراء" من الطبقتين الغنية والمتوسطة اللتين كانتا تقتنيان حاجياتهما من الأسواق الكبرى إلى الطبقة الشعبية التي تتعامل مع محلات البقالة الصغيرة. الخوف السائد لدى المواطنين من فقدان المواد الغذائية في السوق أدى إلى عودة "ثقافة التخزين القديمة"، يقول الطيب آيت باه، عضو المكتب التنفيذي للمنظمة الوطنية للتجار الأحرار بالمغرب، مشيرا إلى أن إنفاق المواطنين على اقتناء المواد الغذائية خلال الأيام الأخيرة تضاعف بأربع إلى ستّ مرات مقارنة مع الأيام العادية. وشرعت الحكومة قبل ثلاثة أيام في التموين المباشر للمراكز التجارية الكبرى بحاجياتها من الخضر والفواكه والأسماك، دون الحاجة إلى المرور عبر أسواق الجملة، كإجراء استثنائي، فيما تعمل السلطات على احتواء التصاعد المستمر لغلاء الأسعار عبر تحديد هامش الربح. ويسود لدى التجار اطمئنان بتوفر ما يكفي من المواد الاستهلاكية، وبانتظام عملية التموين، حيث أكد الطيب آيت باه أنه فضلا عن الاحتياطي المتوفر لدى الشركات المصنّعة، هناك احتياطي من المواد الغذائية لدى التجار الكبار والصغار، علاوة على أطنان السلع المتوفرة لدى أصحاب الشاحنات والسيارات الموزّعين على محلات البقالة. ونبّه آيت باه إلى خطأ يقع فيه المغاربة، حين يقارنون ما يجري في بعض البلدان الأوروبية حيث تُفرغ المحلات التجارية الكبرى من البضائع، وبين المغرب، قائلا: "في أوروبا توجد محلات تجارية كبرى فقط، بينما في المغرب هناك محلات البقالة، وهناك محلات البيع بالجملة، المعروفة بالهري"، مشددا على أن تخوف بعض المواطنين من نفاد المواد الغذائية من السوق غير مبرَّر. في السياق ذاته، طمْأن المكتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين بالرباط المواطنين بأن أحوال سوق التجارة، وخاصة تجارة القرب، لم يسجل أي تغيير في علاقته مع الزبناء على مستوى نمط التزود، مؤكدا أن عملية التموين المرتبطة بالحركة التجارية عند التجار عادية، وأن جميع المواد والسلع متوفرة بما يراعي العرض والطلب. واعتبر الطيب آيت باه أنّ الإقبال على التبضع بشكل مفرط عامل أساسي في ارتفاع الأسعار، لافتا إلى أن الظرفية الحالية تزامنت مع الاستعداد لشهر رمضان، حيث تسهر السلطات دائما على توفير المؤونة الكافية، وبالتالي، يردف المتحدث، "على الناس أن يقتنوا حاجياتهم من السلع بشكل عادي كما كانوا يفعلون في الأيام العادية". وعلى الرغم من كل التطمينات الصادرة عن الحكومة بتوفر مؤونة كافية لتغطية الشهور القادمة ودعواتها المواطنين إلى عدم اقتناء أكثر من حاجياتهم العادية، إلا أن بعض المواطنين ما زالوا يتجاهلون هذه النداءات، ليس في المواد الغذائية فحسب، بل في سلع أخرى، مثل قنينات الغاز، حيث يلجأ البعض إلى اقتناء قنينات إضافية من أجل خزْن أكبر عدد في البيت. وبينما ما تزال الحكومة تعول على وعي المواطنين والتزامهم لتجاوز مسألة غلاء المواد الأساسية ذات الاستهلاك اليومي، قال الطيب آيت باه إن المادة الوحيدة التي سُجل فيها نقص هي القطاني، بسبب الإقبال الكبير عليها، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بسبب المضاربة في السوق، مشيرا إلى أن "الغلاء يأتي من المنبع، بينما التجار الصغار يطبقون هامش الربح العادي"، على حد تعبيره.