يطلُّ محمّد (58 سنة) بعيداً حيث تُلوح "سحب" دخان سفينةٍ تركية تمْضي بثباتٍ صوبَ وجهتها، يتنهّد قليلاً ثمّ يعود إلى حيثُ يجلسُ. يبدو غارقاً في تفكيره؛ فقد تركَ أبناءه في المغرب بينما هو عالق هنا في أحد الفنادق القريبة من الحيّ الشّعبي "أكساراي" وسطَ اسطنبول. يريدُ هذا المتقاعد، الذي قضى زهاء 30 سنة مستخدماً في الإدارة المغربية، أن يعود إلى وطنهِ؛ فالحياة بعيداً عن أبنائه وزوجتهِ بئيسة لا طعمَ لها. يصوّب هذا المغربي العالق إلى جانبِ مئات من المُواطنين أنظارهُ إلى كُتلِ الاسمنتِ الثّقيلة على القلبِ والصّدر وهي تحدُّ بَصرهُ المُتطلّع إلى عودةٍ قريبة. تحوَّلت باحات الفنادق التّركية التي يقْضي فيها المغاربة العالقون أيّامهم إلى ساحات للنّقاش والتّساؤل حول مصيرٍ مشترك يدورُ حول عودة "محتملة" إلى المغرب، فهنا سيّدة طاعنة في السّن اشتدَّ بها المرضُ وقد نفد دواؤها بالكامل ولم تعدْ تريدُ شيئاً غير "الشّهادة". بجانبها، سيّدة مغربية حامل لا تريدُ هي الأخرى أن يأتيها "المخاضُ" في تركيا. الخروج للتّسوّق أو اقتناء الأدوية أصبحَ شبيهاً بالمغامرة بالنّسبة لهؤلاء العالقين، واحتمالُ طردهم من الفنادق أصبح "وارداً" في ظلّ توجّه الحكومة التّركية إلى إعلان حالة الطوارئ بعد تسجيل 1500 إصابة مؤكّدة بفيروس كرورنا المستجد ووفاة 37. سيّدة مغربيّة عالقة هي الأخرى هنا في إسطنبول تحكي معاناتها لجريدة هسبريس الإلكترونية قائلة: "أنا موظفة في القطاع البنكي، قدمتُ إلى تركيا لغرض سياحي بمعيّة زوجي المصري. وبعد إلغاء الرّحلات الجّوية بسبب كورونا، توجّهنا إلى السّفارة المغربية ولم يقدّموا لنا أيّ مساعدة". وتتابعُ: "القنصلية تعملُ على تأمين مساكن للمغاربة العالقين هنا، وطلبوا منّا الاستفادة من الفندق مع باقي الناس إلا زوجي. كيف يعقل أن أذهب إلى فندق للمكوث فيه وزوجي لا يستفيد معي ويبقى في الشارع بمبرّر أنّه مصري وليس مغربيا". وتطلبُ المواطنة المغربية من مصالح السّفارة ضمان توصّلها بمبلغ مالي من البنك حتّى تستطيع ضمان قوتها هنا في اسطنبول، متسائلة: "هل سنتشرد في الشارع بعدما جئنا للسياحة لأسبوع؟ وهل سنتحمّلُ مسؤولية إلغاء الرحلات لوحدنا؟". وأوردت السّيدة المغربية أن "السّفارة تشترطُ الجنسية المغربية للاستفادة من خدمات السّكن". ويلتمسُ هؤلاء المغاربة العالقون في تركيا من الحكومة المغربية ترتيب عودتهم إلى الوطن في أقرب وقت ممكن، قبل إعلان السلطات التركية "حالة الطوارئ" في البلاد، خاصة أنّهم يعيشون متنقّلين بين الفنادق وبدون مأوى، وغالبيتهم لم يعد يتوفّر على المال الكافي لقضاء حوائجه. وقال أمين متحدثاً إلى جريدة هسبريس الإلكترونية: "نريد العودة إلى الوطن (...) مبغيتش نضيع هنا لفلوس، مبقاوش ليا، والوالدين مخلوعين علينا، بغينا نرجعو بحالنا"، مناشداً الملك محمدا السادس السماح لهم بالعودة إلى المغرب "لأن الوضع في تركيا صعب للغاية". ولم يتمكن عدد من المغاربة من العودة إلى ديارهم بسبب قرار السلطات إغلاق الحدود الجوية بشكل تام قبل أيام، ويطالبُون بإخضاعهم جميعاً للحجر الصحي وفقا للمعايير المعمول بها دولياً للتأكد من عدم إصابتهم بفيروس كورونا المستجد، حفاظاً على الصحة والسلامة العامة.