حل شهر مارس وبدأ مؤشر سنوات عجاف بجهة مراكش يرخي بظلاله، مع شح التساقطات المطرية وانقطاعها، مذكرا بجفاف السماء والأرض في ثمانينيات القرن الماضي، حين أوقفت السماء الغيث بمملكة تحكمها الأمطار. يوما بعد يوم تتبخر آمال الفلاحين في سقوط أمطار تنقذ الموسم الفلاحي الحالي، الذي يسير نحو الجفاف وتكرار سيناريوهات سنوات عجاف خبرها المغرب، ودفعت المرحوم الحسن الثاني إلى منع المغاربة ثلاث مرات من نحر الأضاحي. توقفت التساقطات المطرية خلال فصل شتاء الموسم الفلاحي الحالي، وأراضي صغار الفلاحين في حاجة إلى ماء يرويها، ما يطرح علامات استفهام حول الخطط الإستراتيجية للجهات المسؤولة، ومعاناة الفلاح الصغير الذي ينتظر أن يشكل نواة تأسيس طبقة وسطى فلاحية. بإقليم مراكش، وعلى بعد أمتار من المدينة الحمراء، تنتشر جماعات قروية كانت إلى عهد قريب تشكل قفة الإقليم، لكنها تحولت بفعل الجفاف إلى أراض عارية، ما يهدد برحيل قبائلها، ويفرض التسريع بإنجاز منشآت فنية على أب الوديان تانسيفت. فما حظ وادي تانسيفت من البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي يسعى إلى المساهمة في توفير الظروف الملائمة للتنمية المحلية؟. معاناة مع الجفاف مصطفى بنحكوم، فلاح ورئيس جمعية السقي الحسينة 2 السويهلة، قال في تصريح لهسبريس: "نعاني من ظاهرة الجفاف، ما انعكس سلبا على حقول الزيتون الذي يشكل مصدر عيشنا". "كانت شجرة الزيتون مباركة بوفرة إنتاجها (15 طنا في الهكتار)، وتوفير فرص شغل لليد العاملة بالدواوير التي تنتشر بجماعة السويهلة التي تعاني من الهشاشة والإقصاء الاجتماعي، أما اليوم فهي لا تتجاوز طنا للهكتار الواحد، والفرشة المائية أصبحت ضعيفة"، يضيف الفلاح ذاته، الذي أوضح أن "المنطقة مهددة أكثر من أي وقت مضى لأنها تعاني من ندرة الماء الصالح للشرب أيضا". صالح سميح، فلاح آخر يرأس جمعية السقي سيدي احساين أيت إيمور، ضم صوته لعبد السلام قائلا: "عمق آبار السقي أضحى 120 مترا بسبب جفاف مس سطح وباطن الأرض"، وتابع سائلا رب العالمين أن ينزل الغيث وألا يجعلنا من القانطين. "مديرية الفلاحة بجهة مراكش وفرت لنا أحدث آليات السقي، لكن غياب التساقطات المطرية سبب لنا خسائر كبيرة؛ فالأشجار يبست والأراضي عطشت، وبعض الحقول المغروسة زيتونا ومشمشا أصبحت عارية"، يقول سميح، مضيفا: "حتى ماء الشرب يشكل معضلة، وليس لنا سوى التفكير في الرحيل عن هذه الأراضي التي تشكل جزءا منا، ويؤلمنا وجعها بسبب شح المياه السطحية والجوفية"، وزاد: "هربت مياه الآبار حتى بلغت 120 مترا، ولا يسمح لنا بتعميق الحفر". أما الفلاح مصطفى بنحكوم، رئيس جمعية السقي الحسينة 2 السويهلة، فقال مشيرا إلى شبكة السواقي الإسمنتية: "تآكلت وهرمت وتساقطت بسبب عدم صيانتها، زد على ذلك أن ما تحمله من مياه يضيع معظمها في وقت نحن في أمس الحاجة إلى قطرة ماء". وطالب مصطفى بنحكوم بحلول "منها إصلاح السواقي أو تبديلها بأخرى، والبحث عن حل جذري لمشكل توفير ماء الشرب والسقي"، وواصل مقترحا "إنشاء أحواض مائية، أو بحيرة اصطناعية، بالقرب من وادي تانسيفت دائم الجريان، لتخزين ملايين الأمتار المكعبة لفائدة سقي المغروسات". غرفة الفلاحة تترافع الحبيب بن الطالب، رئيس الغرفة الفلاحية لجهة مراكش، قال في تصريح لهسبريس: "مياه وادي تانسيفت تضيع في البحر، ما يفرض إنشاء سد في القريب العاجل"، مضيفا: "حاليا يجب تحويل مياهه وتخزينها لتوفير مياه السقي لفائدة الفلاحين بجماعات السويهلة ولوداية وسيد الزوين". "هذا الحل المؤقت سيساهم في تطعيم الفرشة المائية، ويوفر ماء السقي صيفا وخلال لحظات الجفاف، ويحمي من انجراف التربة"، يضيف بنطالب، مؤكدا "استعداد الغرفة للمساهمة في إخراج هذا المشروع إلى الوجود في حدود ما يسمح به القانون ومواكبته"، وأوضح لهسبريس أن "اجتماعا رسميا عقد بحضور الحوض المائي ومديرية الفلاحة وممثلين عن الفلاحين المتضررين وغرفة الفلاحة وولاية جهة مراكش، لمناقشة أحواض التخزين، وأرسل إلى الجهة المختصة للبحث عن تصور وفق الإمكانيات التي تمسح بها القوانين". وشدد بن الطالب على أن "الجفاف الذي يهدد جهة مراكش أضحى يفرض بقوة الاعتماد على الحلول التي تتأقلم مع التغيرات المناخية، باعتماد غرس الأشجار المثمرة والتقليل من الزراعات المستهلكة للماء". مديرية الفلاحة توضح وردا على وضعية القنوات، قال مصدر من المديرية الجهوية للفلاحة، طلب من هسبريس عدم كشف هويته: "قنوات الرأي التقليدية تقع مسؤولية تسييرها وصيانتها على عاتق الجمعيات، وينحصر تدخل الإدارة حسب الاعتمادات المتوفرة". وبخصوص دعم مياه السقي، أوضح المصدر ذاته أن الوزارة تدعم صغار الفلاحين (خمس هكتارات) بإعانات تصل إلى حدود 100%، وضيعات ما فوق خمس هكتارات ب80%، مشيرا إلى أن "صندوق التنمية الفلاحية يوفر آليات اقتصاد الماء، لكن ما باليد حيلة بسبب شح التساقطات المطرية"، وتابع موضحا: "وفرة ماء السقي لها علاقة بالسدود التي تعاني من التغيرات المناخية"، وزاد أن "منطقة السويهلة وغيرها من الجماعات المجاورة تنتشر بها مغروسات الزيتون والمشمش التي تشكو من قلة المياه". وأكد المسؤول ذاته أن "إدارة الفلاحة على مستوى الإقليم والجهة مهووسة بالتفكير في طرق تعبئة كل قطرة ماء، وبالتحسيس بأهمية الحفاظ عليها، لذا تجد طاقمها يقدم كل الخدمات التي يمكن أن تشجع على اعتماد تقنيات اقتصاد الماء". وأورد المصدر نفسه أن "جهة مراكش أسفي وماسة سوس درعة في حاجة إلى تعبئة جميع الإمكانيات المائية السطحية المتوفرة، ما يفرض إنجاز منشآت فنية من جميع الأصناف للحفاظ على الاستثمار الحالي والمستقبلي، والفرشة المائية". قرار مركزي مصطفى الأطرش، مدير التجهيز بإقليم مراكش، قال لهسبريس: "مسألة السد قرار مركزي لا دخل لنا فيه اتخاذه، لأن المصالح المركزية هي التي تضع خططا إستراتيجية بخصوص هذه المنشآت الفنية، ضمن قاعدة الأولويات". الترخيص مهمتنا وأوضح مصدر من الحوض المائي، في لقاء مع هسبريس، أن "الفرشة المائية سبق تنبيه الفلاحين إلى ضرورة الحفاظ عليها بترشيد مياه السقي، لكن لا حياة لمن تنادي"، مشيرا إلى أن "هذه الإدارة تنحصر مهمتها في الترخيص لاستغلال المياه"، وتابع: "اليوم نكتوي جميعا بما فعله السفهاء منا، لأن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، فالإسراف وتبذير ماء الشرب والسقي، وغياب ثقافة الاقتصاد في التعامل مع هذه المادة الحيوية، درس يجب استيعابه، حتى إذا أنعم الله علينا بماء السماء حافظنا على هذه الثروة". نماذج وتجارب لمواجهة الجفاف أبدع العقل البشري حلولا متنوعة يمكن اللجوء إليها، مثل تحلية مياه البحر التي خاضها المغرب بجهة ماسة سوس درعة، رغم تكلفتها الغالية. وقال الحبيب بنطالب: "هناك حل آخر، فالتربة تخزن الماء وتنقيه إذا أكثرنا من المغروسات المثمرة، التي تساعد على الصمود في وجه الجفاف، لأن المحاصيل يمكنها امتصاص هذه المياه"، مضيفا: "تخزين مياه الأمطار حل آخر يمكن اعتماده". وهناك تجارب ناجحة تهم الاحتفاظ بالمياه بطرق عديدة، منها تجميع الجارية منها، وتحسين تغلغل المطر في التربة، وإدارة الأرض والمياه والمحاصيل عبر نقاط تجمع مياه الأمطار، لزيادة تخزين الماء في التربة، والأراضي الرطبة، والمياه الجوفية، وهي تقنية نجحت في كل من كينيا وتنزانيا.