صدمة في غابة دونابو بطنجة: قطع الأشجار يثير غضب المواطنين    إضراب عام في المغرب احتجاجًا على تدهور القدرة الشرائية وتجميد الحوار الاجتماعي    مداهمة مطعم ومجزرة بطنجة وحجز لحوم فاسدة    نبيلة منيب: مدونة الأسرة تحتاج إلى مراجعة جذرية تحقق العدالة والمساواة -فيديو-    المغرب واليمن نحو تعزيز التعاون الثنائي    ارتفاع تحويلات مغاربة العالم    توقيف سائق طاكسي بأكادير بتهمة ترويج القرقوبي    أكادير تحتفي بالسنة الأمازيغية الجديدة بتكريم مايسترو الرباب لحسن بلمودن    مهرجان قرطاج لفنون العرائس يعود بمشاركة 19 دولة وعروض مبتكرة    التساقطات المطرية الأخيرة تعيد الآمال للفلاحين وتعد بموسم فلاحي جيد    وهبي: العدالة الانتقالية تجربة وطنية أفضت إلى المصالحة بين المجتمع المغربي وتاريخه    الشبيبة التجمعية تشيد بمجهود الحكومة استعداداً للمونديال وفي "تصفية تركة حكومتي العشر سنوات العجاف"    الاتحاد المغربي للشغل ينظم إلى الداعين لخوض "الاضراب العام"    الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يمنح فوزي لقجع الجائزة التقديرية ل2024    النصيري يمنح الفوز لفنربخشة أمام ريزا سبور    مفتاح الوقاية من السرطان.. دراسة تؤكد أن الرياضة وحدها لا تكفي دون الحفاظ على وزن صحي!    المفوضية الأوروبية تحذر من "رد حازم" إذا استهدف ترامب منتجاتها برسوم جمركية "تعسفية وغير منصفة"    ابن تطوان "الدكتور رشيد البقالي" ينال إعجاب علماء كبار ويظفر بجائزة عالمية في مجال الفكر والأدب    التساقطات المطرية الأخيرة ترفع نسبة حقينة سدود المملكة إلى أزيد من 27%    الشرع: الرياض تريد دعم دمشق    بني ملال ينتزع التعادل مع بركان    صادرات قطاع الطيران ناهزت 26,45 مليار درهم سنة 2024    خبير صحي يحذر: إجراءات مواجهة "بوحمرون" في المغرب "ضرورية ولكنها غير كافية"    المغرب يتسلم رئاسة التحالف الإفريقي للعلوم والتكنولوجيا لتعزيز التنمية المستدامة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    بعد انضمامه للأهلي.. بنشرقي: اخترت نادي القرن لحصد الألقاب    فتح تحقيق جنائي بحقّ زوجة نتانياهو    أسعار المحروقات تشهد زيادة "طفيفة" للمرّة الثانية توالياً خلال شهر بالمغرب    العثور على مهاجر مغربي مقتول داخل سيارته بإيطاليا    تحولات "فن الحرب"    نشرة إنذارية (تحديث): تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء بعدد من أقاليم المملكة    المغاربة أكثر الجاليات اقتناء للمنازل في إسبانيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    الزوبير بوحوت يكتب: السياحة في المغرب بين الأرقام القياسية والتحديات الإستراتيجية    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    باب برد: تفكيك عصابة إجرامية متورطة في سرقة وكالة لتحويل الأموال    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الري المَوضعي .. مخطط إستراتيجي لاقتصاد الماء ورفع إنتاج الفلاحة
نشر في هسبريس يوم 21 - 03 - 2019

يُعدّ تناقص الموارد المائية من أكبر التحديات التي تواجه القطاع الفلاحي في البلدان التي تعتمد بدرجة أكبر على التساقطات المطرية لتوفير حاجياتها من مياه الريّ، مثل المغرب، خاصة في ظل التغيرات المناخية التي يعرفها العالم، والتي نجم عنها اضطراب التساقطات وشحّها، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ما أدّى إلى تراجع المياه الجوفية والسطحية على حد سواء.
الماء أولويّة
ثِقْل تحدّي تراجع الموارد المائية جعل وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات تضع اقتصاد الماء من الأولويات في السياسة المائية الجديدة بالمغرب، بهدف مواجهة الظروف الصعبة للموارد المائية، عبر وضع إستراتيجية لاقتصاد الماء وتثمينه في الفلاحة السقوية.
تصبو وزارة الفلاحة، من خلال إستراتيجيتها لاقتصاد وتثمين الماء، التي تندرج ضمن التدابير الأفقية لمخطط المغرب الأخضر، إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، أهمها تجهيز حوالي 50 في المائة من المساحة الإجمالية المهيّأة على الصعيد الوطني لتقنيات السقي الموضعي (السقي بالتنقيط)، على مساحة 550 ألف هكتار، في أفق سنة 2020.
وتتم عملية تجهيز المساحات الفلاحية المهيأة لتقنيات السقي الموضعي عبر التحويل الشامل للسقي الخارجي والسقي بالرش إلى السقي بالتنقيط. ويُمكّن هذا التدبير، حسب المعطيات المنشورة في الموقع الإلكتروني لوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، من تخفيف الإجهاد المائي الذي يُعتبر العقبة الأساسية أمام الرفع من الإنتاج الفلاحي.
وقبل وضع إستراتيجية اقتصادِ الماء وتثمينه في الفلاحة السقوية كان الفلاحون المغاربة يستخدمون السقي التقليدي، ويتم عبر السقي الخارجي المعروف لدى الفلاحين ب"الربطة" أو "المْصرف"، لكن هذا النوع من السقي يؤدي إلى ضياع نسبة كبيرة من المياه دون جدوى، علاوة على أنّه لا يساهم في زيادة الإنتاج الفلاحي، عكس السقي الموضعي، الذي يمكّن من اقتصاد نسبة جد مهمة من الماء، ويقوي الإنتاجية الفلاحية.
السقي الموضعي نعْمة
هسبريس انتقلت إلى منطقة فضالات، ضواحي المحمدية، وإلى العطاوية، نواحي قلعة السراغنة، والتقت عددا من الفلاحين المستفيدين من برنامج السقي الموضعي في إطار مخطط "المغرب الأخضر"، وأجمعوا في تصريحاتهم على أن السقي الموضعي مكّنهم من عدد من المكاسب؛ ففضلا عن مكْسب اقتصاد الماء وزيادة الإنتاج، ربحَ الفلاحون أيضا ساعات طويلة من الزمن كانوا يبدّدونها حين كانوا يسقون ضيعاتهم ب"الربطة"، كما وفّروا أموالا مهمة كانوا يصرفونها لكون السقي التقليدي يتطلب يدا عاملة أكثر.
يقول العباسي مبارك، وهو فلاح بمنطقة العطاوية: "يّام زْمان كْنّا كنسقيو بْالمْصرف، الما كيمشي فالمصرف مع الأرض، والنص ديالو كيضيع، وملّي ولّات الگوتْ أگُوتْ كنحمدو الله وكنشكروه، ريّحاتنا.. مْن قبل كان بنادم كيظل يسقي ويسقي وحتى حاجة ما كاينة، الماء كتشربو الأرض، ودبا ولّا كلشي مزيان".
ويعبّر العباسي مبارك عن ارتياحه لاستعمال تقنية الريّ الموضعي لريّ ضيعته الفلاحية التي يشرف عليها بنفسه، قائلا: "السقي بالتنقيط نعمة كبيرة من عند الله"، قبل أن يستعيد ذكريات ما قبل مخطط المغرب الأخضر، حين كان يقضي ليلة كاملة من أجل ريّ جزء صغير فقط من ضيعته الفلاحية المُمتدّة، بينما لم يعُد يكلّفه ريّ مساحة أكبر، حاليا، سوى مدة زمنية لا تتعدى ساعة ونصف الساعة فقط، بفضل تقنية السقي الموضعي.
يكتسي الريّ الموضعي، أو السقي بالتنقيط، كما يُعرف لدى الفلاحين، أهمية كبرى في المغرب، نظرا لمحدودية الموارد المائية التي تتوفر عليها المملكة، إذ إن نصيب الفرد السنوي من المياه المتجددة يبقى دون حدّ الفقر المائي المحدد دوليا في 1000 متر للفرد سنويا، حسب المعطيات الواردة ضمن "دليل الفلاح إلى الري الموضعي"، الذي أعدّ في إطار مشروع GEP/MOR/O33/SPA، والممول في إطار التعاون بين المغرب وإسبانيا ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة FAO.
ويشير الدليل، الذي أعده محمد مومن، الخبير في الري لدى منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، إلى أنّ القطاع الفلاحي سيواجه عجزا مائيا كبيرا في المستقبل بحكم ارتفاع الطلب على الغذاء والمنافسة على الموارد المائية وتوالي سنوات الجفاف، والاستهلاك المرتفع للماه الذي يُعزى إلى استحواذ تقنيات الري السطحي التقليدي ذات الكفاءة المنخفضة، كالري بالربطة السائدة في مناطق الريّ الكبير بالمغرب قبل اعتماد الريّ الموضعي.
يؤكّد العباسي مبارك، انطلاقا من تجربته الطويلة في مجال الفلاحة بمنطقة العطاوية، ما جاء في الدليل الذي أعدّه الخبير محمد مومن، بقوله: "كنّا كنباتو نسقيو الليل كامل والما ناقص، حيتْ النص ديالو كتشربو الأرض، وما كيستافد منّو النّبات والو"، مضيفا: "دبا الحمد لله مع الگُوت أگوت الما ما بقاش كيضيع، حيت الأرض كتاخد غير قياسها من الما، وهادي نعمة كبيرة".
فلاحون آخرون التقت بهم هسبريس، أكّدوا بدورهم أنّ تقنية الري الموضعي أثمرت نتائجَ جدَّ إيجابية في اقتصاد الماء. يقول الحسناوي الخياطي، فلاح يملك ضيعة في منطقة فضالات بجماعة الشلالات ضواحي المحمدية: "من قبل كنا كنسقيو غير بالساگية، وهاد النوع ديال السقي مكيْعطيش منتوج كثير، حيتْ الجّدر ديال النبات كيتسقى غير من الْتحت، من الفوق ما كيكونش عندو الماء، حيت الماء دغيا كيهبط لتحت الأرض، وكيضيع بزاف".
ويضيف الحسناوي الخياطي، الذي يعمل في مجال الفلاحة منذ ثلاثين عاما، في حديثه لهسبريس وسط ضيعته الفلاحية قائلا: "كانْ الهكتار كيهز فالسّْقية ديالو ما يْزيد عن 160 طن ديال الما فيامات الصيف، دبا مع الگوت أگوت كيهز غير سبعين ولا ثمانين طن. دبا كنربحو بين أربعين وخمسين في المائة ديال الماء بفضل السقي بالتنقيط".
منافعُ أخرى
لا يُمكّن السقي الموضعي فقط من تقليص المياه المستعمَلة في سقي الأراضي الفلاحية السقوية، بل له مزايا أخرى تعودُ بالنفع الكبير على الفلاحين، كما أكّد لنا الفلاحون الذين التقينا بهم؛ ذلك أنه يحسّن الإنتاجية الفلاحية، وبالتالي يزيد مداخيل الفلاح، كما يقلّص المصاريف التي تُنفَق في عملية الريّ والتسميد.
"منذ إطلاق مخطط المغرب الأخضر عرفت الفلاحة في المغرب تطورا كبيرا، سواء من حيث اقتصاد الماء، أو من حيث زيادة المردودية والإنتاج الفلاحي"، يقول حميد صبري، رئيس الجمعية المغربية لمنتجي الزيتون والاقتصاد في الماء، الموجود مقرها في منطقة العطاوية، مضيفا: "في الماضي كانت تكلفة السقي مرتفعة والإنتاج قليل، أما الآن فقد مكّن مخطط المغرب الأخضر الفلاحين من الاستفادة من أحدث التقنيات في مجال السقي بالتنقيط، الذي أثمر اقتصاد نسبة كبيرة من الماء".
وحسب إفادة حميد صبري فإنّ السقي الموضعي يمكّن من اقتصاد الماء بنسبة تتراوح ما بين خمسين وستّين في المائة، ولا تقتصر منافعُ السقي الموضعي على اقتصاد الماء فحسب، بل تمتدّ إلى زيادة الإنتاجية الفلاحية بنسبة جدّ مهمة، إذ تحصل النباتات والأشجار على حاجاتها من المياه، وعلى حاجاتها من الأسمدة أيضا، إذ يتمّ خلط الأسمدة مع الماء، ويتم "تلقيمها" إلى المزروعات عن طريق قنوات الري.
يوضّح رئيس الجمعية المغربية لمنتجي الزيتون والاقتصاد في الماء بالعطاوية: "السقي الموضعي يساهم بشكل فعال في اقتصاد الماء، وفي اقتصاد الأسمدة أيضا، إذ يتمّ تسميد الأرض عن طريق خلط الأسمدة بمياه الري، ما يجعل النبتة تستفيد من حاجاتها من الماء ومن الأسمدة التي تنفذ إلى جذورها، بينما في السابق كان الماء يُصرف بشكل عشوائي وكذلك الأسمدة، وكانت النبتة تأخذ أكثر من حاجاتها من هذين العنصرين، ما يؤدّي إلى اختناقها وتعرضها لعدد من الأمراض ومن ثمّ التلف".
من المشاكل الأخرى التي عالجها الري الموضعي مشكل ضعف خصوبة الأرض، إذ كانت الأرض تتضرّر كثيرا من السقي التقليدي. يوضح الحسناوي الخياطي هذا الأمر قائلا: "كنّا كنسقيوْ بالساگية ولكن ما صالحاش، كتضيّع الماء وكتطيّح حتى الأرض. لا خدمتي بالسّاگية الأرض كتموت دغيا، حيت كتعطي الماء كثير وكتردّ الأرض مْرجة".
حاليا لم يعُد الحسناوي الخياطي متخوفا من أن "تموت" أرض ضيعته الفلاحية، بفضل السقي بالتنقيط، ويعبّر عن اطمئنانه بالقول: "الگوت أگوت واخا تخدم بها خمسطاشر عام الأرض ما تموتش، حيتْ كتعطي للنبتة قْياسها من الماء من الفوق، والساگية كتسقي النبتة غير من لْتحت"، مشيرا إلى أنّ السقي الموضعي لم يمكّنه هو وزملاءَه الفلاحين من اقتصاد الماء فقط، بل أيضا من خفْض المصاريف، ويقول موضحا: "الساگية كانت كتدِّي بزاف د الوقت وفيها اليد العاملة بزاف، والگوت أگوت خدَّام واحد يْسقي لك ثلاثة دْ الهكتارات فالنهار، ماشي بحال الساگية يالله تسقي رْبع هكتار فالنهار".
المعلومات الواردة على لسان الحسناوي الخياطي، وعلى ألسنة الفلاحين الآخرين الذين التقت بهم هسبريس، يؤكّدها الخبير مومن محمد، في "دليل الفلاح إلى الري الموضعي"، إذ يقول إنّ من مميزات الري الموضعي الاقتصاد في استعمال المياه، بفضل عاملين أساسيين؛ الأول هو أنّ الماء يصل إلى جذور النبات بأقلّ تبخّر وأقلّ تسرّب إلى أعماق التربة، والعامل الثاني راجع إلى كون الماء يوزَّع حسب حاجات المزروعات اليومية بدَلا من تتبع دورة سقوية.
أما في ما يتعلق بالإنتاجية الفلاحية، فيؤكد الخبير مومن محمد، في الوثيقة سالفة الذكر، أنّ الري الموضعي يمكِّن من الحصول على إنتاجية عالية، مقدما عددا من الأرقام الدالة على ذلك، إذ بلغت إنتاجية البطاطس في الضيعات المستعمِلة للري الموضعي 90 طنا للهكتار، وبلغت إنتاجية "الدلاح" 80 طنا، والطماطم والبصل 120 طنا...
دور اقتصادي واجتماعي
يُصنَّف المغرب ضمن الدول التي تتوفر على أدنى معدّلات الموارد المائية في العالم. وتزداد حدّة شحّ الموارد المائية في البلاد مع توالي سنوات الجفاف، وعدم انتظام التساقطات المطرية، إذ تهطل الأمطار ما بين نهاية فصل الخريف وبداية فصل الربيع، بينما من ماي إلى شتنبر تسود درجات الحرارة المرتفعة والجفاف. وتتراوح التساقطات السنوية بين 1200 ملم في الريف و25 ملم في الأقاليم الجنوبية، الأمر الذي يعني وجود تباينات واسعة من منطقة إلى أخرى.
وحسب المعطيات التي حصلت عليها هسبريس من مديرية الأرصاد الجوية الوطنية، فإنّ التساقطات المطرية في المغرب لا تسير في منحى مستقر، فرغم أنّها سجّلت انخفاضا في المعدلات السنوية خلال العِقْد الأخير، فإنّ السّمة الغالبة عليها هي عدم الاستقرار، إذ تتأرجح بين الوفرة والقلّة، عكس فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، التي تميزّتْ بتساقطات منتظمة ووفيرة ومعدّلات سنوية مرتفعة. بينما تعرف درجات الحرارة تزايدا مطّردا خلال العقود الأخيرة على المستوى الفصلي والسنوي، ما يقلّص من كميات المياه السطحية المتوفرة نتيجة عملية التبخر.
ولتجاوز تحدّي تضاؤل الموارد المائية ومواجهة الظروف الصعبة المحدقة بها، والتي تزداد استفحالا مع التغيرات المناخية، وضعت وزارة الفلاحة إستراتيجية لاقتصاد الماء وتثمينه في الفلاحة السقوية، ترمي، وفق المعطيات التي نشرتها الوزارة، إلى تكريس تدبير الحفاظ على الموارد المائية المحدودة وضمان استدامتها، ومن ثم ضمان استمرارية الفلاحة السقوية وتقوية دورها الإستراتيجي في الأمن الغذائي للبلاد.
وحسب البنك الدولي، الذي يدعم برنامج الري الموضعي في المغرب، فإنّ الري يلعب دوراً اقتصادياً واجتماعيا أساسياً، فهو مصدرُ نصف إجمالي الناتج المحلي للقطاع الفلاحي بالمغرب، الذي يعاني من ندرة المياه، إذ يُسهم في تعزيز إنتاجية القطاع الفلاحي ورفع مستوى دخْل السكان في المناطق القروية، حيث يساهم في توليد نصف إجمالي الناتج المحلي الفلاحي و75% من الصادرات الفلاحية.
نهاية الريّ العشوائي
مشروع تمكين الفلاحين من استخدام تقنيات الري الأكثر فعالية وكفاءة، وخاصة الري الموضعي، الذي تدعمه وزارة الفلاحة بمعيّة شركائها، لاقى ترحيباً كبيرا من الفلاحين الذين أبدوا اهتماماً كبيراً بالحصول على المياه من مصادر أكثر انتظاماً، وهو أمر حيوي لزيادة الإنتاجية ومن ثم زيادة الدخل، حسب المعطيات التي نشرها البنك الدولي السنة الماضية.
الفلاحون الذين التقت بهم هسبريس في منطقة العطاوية بإقليم قلعة السراغنة، وبمنطقة فضالات بالمحمدية، أجمعوا على أنّ السقي بالتنقيط زادَ من الإنتاجية الفلاحية، بفضل وصول المياه والأسمدة إلى النباتات ومعها الموادّ الأولية التي تطعَّم بها الأرض، كالآزوت والبوتاسيوم والفسفور...
يقول محمد رخيلة، رئيس التعاونية الفلاحية زناتة: "عندما كنّا نسقي أراضينا الفلاحية بالسقي التقليدي، كانت تضيع كميات كبيرة من المياه، وتتعرض نسبة كبيرة من المزروعات للتلف، لأنها كانت تستقبل أكثر من حاجاتها من المياه أو بالعكس لا تحصل على حاجاتها منها، لأن السقي كان عشوائيا، كما أنها لا تحصل على حاجاتها من الأسمدة، والأرض لا تصلها الكميات المطلوبة من المواد المغذية، لأنها كانت تُلقى بطريقة غير منظمة، فكانت تتجمّع في أماكن دون أخرى، أو تعصف بها الرياح دون أن تستفيد منها الأرض، والآن تمّ وضع حد لهذه العشوائية بفضل نظام السقي الموضعي".
ويوضح محمد رخيلة في حديثه لهسبريس أن السقي الموضعي مكّن الفلاحين من ربْح جملة من المكاسب، إذ قلّص من مياه السقي المستعملة، ومن المصاريف التي تُنفَق على الكهرباء والغاز لسحب الماء من الآبار أو الصهاريج، ومكّن أيضا من خفْض مصاريف اليد العاملة، فتسميد الأرض لم يعد يتمّ بالطريقة التقليدية العشوائية، إذ كان العمال يحملون الأسمدة ويوزعونها على الأرض، بل تخلط بمياه السقي، ويتم "تلقيمها" إلى الأرض والنباتات عبر الأنابيب.
يبدو العباسي مبارك سعيدا وهو يخلط سمادا أبيضَ على حافة صهريج الماء داخل ضيعته وسط أزيز محركات ضخ المياه، قبل أن يصبّه في برميل كبير منه ينطلق ليصل إلى النباتات، ويقول مبتسما: "دبا ملي ولّا الگوت أگوت ولا كلشي مزيان الحمد لله".
تتكفل وزارة الفلاحة بدفع مصاريف تجهيز الضيعات الفلاحية بتجهيزات الري الموضعي، بنسبة مائة في المائة، بالنسبة للضيعات الفلاحية التي تقل مساحتها عن خمْس هكتارات؛ فيما يحصل الفلاحون الذين لديهم ضيعات تزيد مساحتها عن خمس هكتارات على تمويل يصل إلى ثمانين في المائة. ويَلزم الفلاحَ الراغبَ في الاستفادة من دعم برنامج السقي الموضعي أن يكون مالكا للأرض الفلاحية التي يستغلها، أو مكتريا لها لمدة خمس سنوات على الأقل.
وبينما يقترب مخطط المغرب الأخضر من نهايته، تكثف وزارة الفلاحة جهودها من أجل استكمال كل أهدافه، ومنها الري الموضعي. يقول حميد صبري في هذا الإطار: "وزارة الفلاحة اختصرت على الفلاحين كثيرا من الجهد في إقليم قلعة السراغنة، حيث تقوم بمشاريعَ جماعية لتجهيز الأراضي الفلاحية السقوية بأجهزة السقي الموضعي دفعة واحدة، كما هو الحال في منطقة زمران الشرقية وزمران الغربية، حيث تكلفت الوزارة بتجهيز جميع الأراضي الفلاحية السقوية التي تناهز مساحتها 2500 هكتار بتنقية السقي الموضعي".
وشدّد حميد صبري، رئيس الجمعية المغربية لمنتجي الزيتون والاقتصاد في الماء بالعطاوية، على أنّ الري الموضعي أضحى ضرورة مُلحّة بالنسبة للمغرب، من أجل الاقتصاد في الماء بشكل أكبر، بحكم تناقص التساقطات المطرية والتغيرات المناخية التي تزداد حدّة سنة بعد أخرى.
ويضيف حميد صبري: "مخطط المغرب الأخضر حقق أهدافا كبيرة، ولولاه ما كان الفلاحون ليحلموا بتجهيز ضيعاتهم الفلاحية بتقنية السقي الموضعي"، مضيفا: "أنصح الفلاحين الذين لم ينخرطوا بعد في تجهيز ضيعاتهم بالسقي الموضعي أن ينخرطوا في هذا المشروع، لأنهم يضيعون فقط وقتهم وجهدهم ومالهم في السقي التقليدي".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.