الانتخابات الإسرائيلية التي جرت يوم الثاني من مارس الجاري حيث فاز بنيامين نتنياهو وحزبه الليكود على منافسه بيني غيتس وحزبه أبيض أزرق أثارت كثيراً من القضايا التي تتجاوز مسألة انتخابات روتينية في دولة ديمقراطية، قضايا متعددة منها ما يتعلق بنشأة الدولة وطبيعة النظام السياسي والنظام الانتخابي والتركيبة المجتمعية والعقيدة التي تحكم الدولة، أيضاً خصوصية ذات صلة بتأثير نتائج الانتخابات على العلاقات الخارجية للدولة وتأثرها بهذه العلاقات وخصوصاً ما يتعلق بالشعب الفلسطيني وقضية الصراع في المنطقة. دون الخوض في التفاصيل الجزئية للخارطة الحزبية الانتخابية أو الانتقاص من أهمية الممارسة الديمقراطية داخل إسرائيل، فإن فهم وتفسير نتائج الانتخابات يتطلب الإلمام الدقيق بالنظام السياسي الإسرائيلي بعيداً عن الصورة والرواية التي تسعى إسرائيل لترويجها عن نفسها بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط أو محاولة توظيف ديمقراطيتها الداخلية للتغطية على حقيقتها الاستعمارية، فنحن لسنا أمام دولة عادية ونظام سياسي عادي كبقية دول وأنظمة العالم بل دولة ونظام تأسس خارج سياق الزمان والمكان ويشكل ظاهرة غير مسبوقة إلا ما كان زمن النظام العنصري في جنوب أفريقيا . تتميز دولة إسرائيل ونظامها السياسي بما يلي: 1- نظام سياسي اصطنع شعباً من شتات أو لمَمِّ من كل بقاع الأرض بزعم أنهم الشعب اليهودي، ويسعى لتحويل الديانة اليهودية إلى قومية، وإخضاع الدين للدولة. 2- إنها دولة ونظام سياسي صنعتهما الأيدولوجيا الصهيونية وعصابات مسلحة مرتبطة ومؤمنة بها، وتوازنات ومصالح دولية. 3- إنه نظام سياسي محكوم بأيدولوجيا دينية تؤمن بأن اليهود شعب الله المختار، ولأنهم كذلك فإنهم يتصرفون باستعلاء مع شعوب الأرض وخصوصاً مع الشعب الفلسطيني، ويعتبرون أن ما ينطبق على بقية شعوب الأرض لا ينطبق عليهم، ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم، وعلى هذا الأساس لا يعترفون بالشرعية الدولية وقراراتها. 4- إنه نظام سياسي لدولة تستعمر أرض شعب آخر وهو الشعب الفلسطيني بالإضافة إلى أراضي دول عربية أخرى، وبذلك تكون الدولة الاستعمارية الوحيدة المتبقية في العالم . 5- إنه نظام ديمقراطي بالنسبة للمواطنين اليهود وهي ديمقراطية من حيث احترام القانون والتداول على السلطة وتكافؤ الفرص والشفافية ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين مهما علت مراتبهم ،ولكنه في نفس الوقت يمارس العنصرية تجاه غير اليهود بالرغم من أن 18% من ساكني إسرائيل من غير اليهود. 6- نظام يجمع بين متناقضات: إسرائيل كدولة ديمقراطية ويهودية وعنصرية !،دولة ديمقراطية واستعمارية في نفس الوقت !،دولة ديمقراطية وعسكرة المجتمع !. أما بالنسبة للانتخابات ونتائجها: لم تكن نتائج الجولة الأخيرة من الانتخابات التي تجري للمرة الثالثة خلال عام واحد وأعطت أغلبية الأصوات لنتنياهو وحزب الليكود مفاجئة لكل من يتابع التحولات داخل المجتمع الإسرائيلي وتطور العلاقات بين واشنطن وتل أبيب في عهد ترامب والمتغيرات الإقليمية والدولية حيث اليمين والأصولية والشعوبية تتمدد في كل بقاع الأرض. انطلاقاً من هذا التأسيس لحقيقة إسرائيل ونظامها السياسي يمكننا قراءة نتائج الانتخابات وتداعياتها، وفي هذا السياق نسجل الهوامش التالية: 1- انحصار التنافس في الانتخابات على نتنياهو وغنتس وكلاهما من اليمين الصهيوني نتاج طبيعي لتحول الغالبية العظمى من المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف الديني واليمين السياسي، وهي ظاهرة ليست مقتصرة على المجتمع الإسرائيلي بل تمتد لكل دول العالم تقريباً كما سبق الإشارة. 2- الفرق بين الحزبين يقتصر على التنافس على السلطة، بينما مواقفهم تجاه الصراع مع الفلسطينيين متوافقة استراتيجياً وتختلف نسبياً على مستوى التكتيك والمناورة، وهذا ما ظهر من خلال تصريحات غنتس خلال الحملة الانتخابية وما قبلها بأنه يؤيد صفقة القرن وضم المستوطنات ولن يتحالف مع القائمة المشتركة لعرب الداخل. 3- بروز بوادر انشقاق بين عرب الداخل حيث دعت تيارات وجماعات إلى مقاطعة الانتخابات وهي: الحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح، حزب الوفاء والإصلاح، حركة أبناء البلد، حركة كفاح. وهذه المقاطعة التي تقودها الجماعات الإسلامية تؤثر سلباً على القائمة المشتركة وتنسجم مع توجهات اليمين الصهيوني والموقف الأمريكي والإخوان المسلمين، وكلهم يؤيدون فوز نتنياهو. 4- ضعف تأثير قوى اليسار في إسرائيل، وصعود القائمة المشتركة العربية لا يمكنه ملء فراغ غياب يسار يهودي مؤمن بالسلام وبالحقوق السياسية للفلسطينيين 5- نتنياهو سيحكم لأربع سنوات قادمة مما سيمكنه من تنفيذ خطة خارطة الطريق، حتى وإن تم تقديمه للمحاكمة لاحقاً بتهمة الفساد فهذا الإجراء لن يتم إلا بعد ضمه لغور الأردن ومستوطنات الضفة، وسيكون من الصعب على من يخلفه أن يتراجع عن هذا الإجراء. 6- فوز نتنياهو سيجعل الموقف الرسمي الفلسطيني أكثر صعوبة والخيارات محدودة، وقد تضطر السلطة للبحث عن قنوات للتواصل مع نتنياهو والإدارة الأمريكية والتعامل الحذر أو غير المُعلن مع صفقة ترامب. 7- يمكن القول بأن حركة حماس مستريحة لفوز نتنياهو لأنه صرح أكثر من مرة أنه لا يسعى لإنهاء سلطة حماس في غزة لأن بقائها هناك يضمن استمرار الانقسام الفلسطيني، ومن المتوقع أن تؤدي عودة نتنياهو إلى تكريس الانقسام ومزيد من الانفتاح على حركة حماس. 8- ستتسارع وتيرة التطبيع العربي مع إسرائيل، وفي المقابل ستُصَعِد إسرائيل من عدوانها على سوريا والتدخل في صراعات المنطقة. 9- ستتعزز العلاقات الأمريكية الإسرائيلية وستصل لدرجة غير مسبوقة من التعاون خصوصاً إن فاز ترامب في الانتخابات القادمة. 10- ستنتكس المراهنة الفلسطينية على الشرعية الدولية ومحكمة الجنايات الدولية في ظل حكم الثنائي نتنياهو وترامب. [email protected]