يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على استيطان إسرائيل في القدس وبقية مناطق الضفة الغربية من ناحية عملية واقعية، ما يفرغ أي محادثات للسلام من مضمونها، ويقضي عملياً على فرص حل الدولتين الذي ينص على تمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم المتصلة والمترابطة جغرافياً في الضفة الغربية، بحيث تكون عاصمتها القدس الشرقية. وفي نظرة سريعة إلى التشكيل العام للائتلاف نلاحظ أن طابعه العام هو التطرف، إذ إنه يضم حزب المستوطنين «البيت اليهودي» الذي لبى نتنياهو جميع مطالبه بالحصول على ثلاث وزارات، إضافة إلى منصب نائب وزير الأمن. واضطر نتنياهو للخضوع لطلبات شركائه في الائتلاف، ما سيقلل من سلطاته وسيجعله خاضعاً لابتزازاتهم في مرّات مقبلة، كما خضع لابتزازهم هذه المرّة حين استلم زعيم حزب «البيت اليهودي»، نفتالي بينيت، المعروف بمواقفه العنصرية المتشددة، منصب وزير التربية والتعليم. ومعروف من سنوات أن سياسات اليمين الإسرائيلي مبنية على تكريس التهميش، حتى بين الإسرائيليين أنفسهم، والإقصاء للثقافة العربية والإسلامية بين الفلسطينيين. كما تضم الحكومة الجديدة حزب «شاس» الديني المعروف بعنصريته تجاه الفلسطينيين، ونشر سموم ثقافة الكراهية والتعصب ضد الفلسطينيين، إذ حصل على وزارتي الأديان والاقتصاد، ثم حزب «يهودوت هاتوراه»، الذي حصل على وزارة الصحة ورئاسة اللجنة المالية في الكنيست، وهو لا يقل تطرفاً عن الأحزاب الأخرى المشاركة في الائتلاف الجديد. واعتبر زعيم المعارضة العمالية، يتسحاق هرتسوغ، منح حقيبة القضاء لحزب «البيت اليهودي» الذي يهدد سلطة القانون مثالاً «على استخفاف نتنياهو بالإسرائيليين وبالديمقراطية خدمة لأهدافه السياسية الضيقة». غير أن نقد هرتسوغ الشديد لخصمه نتنياهو الذي خطف منه النصر بتأجيج مشاعر الخوف من الفلسطينيين والإسلام، وبتحدّي الإدارة الأميركية في قضية التفاوض مع إيران، لا ينفي إمكانية اتفاقهما لاحقاً، بانضمام هرتسوغ إلى الحكومة التي وصفها بأن «لا حكم ولا مسؤولية لها ولا استقرار». كما يثير تشكيل نتنياهو ائتلافه تأملات حول إسرائيل ومستقبلها ونظامها السياسي الانتخابيّ لهذه «الواحة الديمقراطية» التي قدمت للعالم صورة لحقيقتها بلا تجميل أو مكياج من تطرف تحركات عنصرية وأيديولوجيات متصارعة وحروب لا تنتهي لإفناء الآخر وتهميشه. وبعد فوز حزب «الليكود» بقيادة نتنياهو في الانتخابات الأخيرة ب30 مقعداً من مجموع 120 في الكنيست، فإن مهمته لتشكيل ائتلاف جديد كانت صعبة ومعقدة للغاية، إذ يتعين عليه إرضاء كل حزب يرغب في ضمه إلى حكومته، وعليه أن يشكل غالبية عبر تحالفات حزبية من أجل تشكيل الحكومة. وبعد أن توقفت مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين صدرت عن نتنياهو وبعض كبار مساعديه تصريحات ومواقف تقول إن هذه المفاوضات «ماتت وانتهت إلى غير رجعة»، ما يرسم صورة قاتمة لمستقبل أي تعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولا يخفي كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، تشاؤمه، ويقول: «إن الحكومة الجديدة لنتنياهو لا تضع السلام على جدول أعمالها، وان رئيسها يقود محاولات دفن حل الدولتين». وحينما هنأ الرئيس الأميركي، باراك أوباما، نتنياهو بالفوز أشار إلى الاستمرار في عملية السلام مع الفلسطينيين، لكن الأحزاب الخمسة المشاركة في الحكومة الجديدة تتخذ مواقف أبعد كثيراً عن المطلب الفلسطيني الأساس بانسحاب إسرائيل إلى حدود 1967. ويقول الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إنه يشعر بالقلق الشديد بشأن الإعلانات الأخيرة لخطط بناء 400 من البيوت الجديدة في المستوطنات القائمة في القدس الشرقية (المحتلة)، في حين يتفق كي مون والفلسطينيون والعرب، وحتى الأميركيون والأوروبيون وبقية العالم، على أن المستوطنات «غير شرعية» ومخالفة للقانون الدولي، وتعرض عملية السلام للخطر. وقبيل إجراء الانتخابات، قال نفتالي بينيت، زعيم حزب البيت اليهودي، إنه يرفض حل الدولتين ويقترح ضم مناطق الضفة الغربية التي توجد فيها المستوطنات الإسرائيلية، بينما قال بان كي مون عقب إعلان نتنياهو عن اتفاق تشكيل الائتلاف إنه سيحقق ويمحّص في ما إذا كانت هناك فرص وخيارات واقعية تسمح بالعودة إلى مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. ورداً على ما تردد عن اعتزام نتنياهو ضمه إلى الحكومة في وقت قريب، قال يتسحاق هيرتسوغ، زعيم حزب العمال، إنه «لا نية أو توجه لديّ لكي أصبح إطاراً خامساً لتحسين حركة عربة نتنياهو»، وأنه يفضل تكريس جهوده لبناء معارضة قوية تنتزع من الليكود وشركائه مقاعدهم في المستقبل. وبعد أن اتهم نتنياهو بالمناورة والتضليل، قال هيرتسوغ إنه وكثيراً من الإسرائيليين يتساءلون بقدر كبير من الشكوك عما إذا كانت الحكومة الجديدة قادرة على مواجهة الضغوط الدولية. من جانبه، قال عريقات إن نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة أثبتت للجميع أنه يتعين على المجتمع الدولي التمييز الواضح بين ضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومفاوضات السلام، وأنه يعتقد بأنه لا يمكن إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلا من خلال عملية دولية تضع إطاراً عاماً للحل تتبعه محادثات حول تحقيق الحل وترجمته على أرض الواقع. وعلى هذا الأساس فإننا ندعو المجتمع الدولي إلى العمل على حماية حل الدولتين من الاختفاء والاندثار، وذلك من خلال اعتراف الدول بحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة وغير القابلة للتصرف.