مثل كرة الثلج التي تبدأ صغيرة وتكبر بالتدحرج، مازالت قضية مصرع الممرضة رضوى أولعلو في حادث انقلاب سيارة إسعاف تثير المزيد من التفاعلات وتبوح بأسرار عن واقع النقل الصحي بين المراكز الاستشفائية بالمغرب. وخلفت المأساة التي انضافت إلى سجلات وزارة الصحة في اليوم الوطني للسلامة الطرقية، ردود فعل وتساؤلات جوهرية بخصوص معضلة النقل الصحي التي مازالت تشكل نقطة سوداء تلطخ المنظومة الصحية بالمغرب، وهذا ما تؤكده الفواجع التي تشهدها الطرقات بين الفينة والأخرى. وتباينت ردود الفعل حيال هذه الواقعة بين من ذهب إلى الخوض في كون حالة المريضة لم تكن تحمل طابع الاستعجال الحاد، وبين من اعتبر إرسال مريضة انطلاقا من مستشفى آسا الزاك إلى المركز الاستشفائي الحسن الثاني بأكادير بدل المستشفى الجهوي بكليميم يضرب مبدأ الجهوية الذي تنادي به الحكومة. عبد النور البقالي، عضو المجلس الوطني للمنظمة الديمقراطية للصحة، وصف تقصير وزارة الصحة في توفير الشروط القانونية والتقنية والمهنية المناسبة للنقل الصحي ب"الجريمة كاملة الأركان" ضد حياة الأطر الصحية والمرضى، داعيا إلى العمل على فتح تحقيقات قضائية وإدارية موازية في القضية. واعتبر البقالي "آفة النقل الصحي بين المؤسسات الصحية والمراكز الاستشفائية من النقط الحالكة في المنظومة الصحية المهترئة التي مازالت تحصد أرواح أبرياء ذنبهم الوحيد أنهم تواجدوا في الزمان والمكان الخطأ وسط منظومة تدبر من طرف مسؤولين فاشلين وحكومة تعتبر صحة المواطن من آخر اهتماماتها"، وفق تعبيره وعدد عضو المجلس الوطني للمنظمة الديمقراطية للصحة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، اختلالات عملية توجيه المرضى بدء من عدم توفر المؤسسات الصحية على تقنيي الإسعاف خريجي معاهد وطنية للتكوين، إلى استعانة المندوبيات الإقليمية للصحة ببعض الأعوان الذين وصفهم ب"غير المؤهلين لا تقنيا ولا علميا ولا قانونيا لقيادة سيارات الإسعاف"، وذلك في إطار شراكات مع الجماعات الترابية. واستحضر البقالي غياب التكوين المستمر والمواكبة وتقاعس المسؤولين المحليين في توفير الصيانة والمراقبة الميكانيكية والتقنية الدورية لسيارات الإسعاف، بالإضافة إلى غياب ترسانة قانونية واضحة تؤطر عملية النقل الصحي وشروطها. واستغرب النقابي ذاته عدم تمكين سيارات الإسعاف من مجانية التنقل عبر الطرق السيارة، خاصة في ظل الحالة المزرية لشبكة الطرقات الوطنية، وطالب وزيرَ الصحة، خالد آيت الطالب، بالتدخل والتفاعل الايجابي لتدارك هذه الاختلالات الخطيرة، مناشدا الهيئات النقابية والحقوقية ونواب الأمة بالبرلمان "تخصيص حيز كاف من الاهتمام لردع هذه التجاوزات، وتقنين عملية النقل الصحي، تفاديا لهدر الأرواح والوقت"، على حد قوله. من جانبه، طرح بلال بعيري، الكاتب العام للجمعية المغربية لممرضي التخدير والإنعاش، جملة من التساؤلات من قبيل: "هل كانت حالة المريضة حقا مستعجلة ليتم نقلها من مستشفى آسا إلى مدينة أكادير في الرابعة صباحا؟ ما تكوين ومدى حرفية السائق؟ ما مدى قانونية إرسال ممرضة لم تكمل شهرها التاسع، بمعنى متدربة طبقا لقانون الوظيفة العمومية؟"، مضيفا أن هذه الأسئلة وغيرها حضرت بقوة عقب حادثة انقلاب سيارة إسعاف ضاحية مدينة تزنيت. وقال الإطار المهني والجمعوي ذاته، في تصريح لهسبريس، إن "هذه الحالة ليست الأولى من نوعها، بل سبقتها حالات أخرى، منها من لقي ربه ومنها من مازال يصارع ندوب وجراح تلك الحوادث المأساوية وحيدا"، معتبرا "عملية نقل المرضى تذكرة للموت"، مستحضرا في هذا السياق عددا من الحوادث التي راح ضحيتها ممرضون وقابلات، أمثال محمد أزيرار وإيمان أوبلوش والسعدية جيدور... وأكمل المتحدث ذاته قائلا: "لقد أصبح واضحا بالملموس أن القائمين على القطاع لا يعيرون اهتماما لا لسلامة المرضى ولا حتى للمهنيين، والدليل على هذا هو واقع ارتفاع ضحايا النقل غير الصحي"، داعيا إلى ضرورة العمل على تقنين هذه العملية وفق ضوابط وقوانين بعيدا عن منطق "سيفط معاه بناج"، وفق تعبيره.