يقول المثل الشعبي الجزائري "همّ يُضحك وهمّ يُبكي"، وهو يلخص تماما ثقافة الجزائريين الذين يمكنهم أن يحولوا كل شيء إلى فكاهة، بما فيه المآسي التي شهدها البلد خلال تاريخه. منذ أبصرت الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة النور في 22 فبراير 2019، ظهرت فكاهة سياسية مبتكرة، تجمع بين التلاعب بالكلمات والمراجع التاريخية والثقافات السياسية والتاريخية والشعبية، حتى اكتسب الحراك لقب "ثورة الابتسامة". وأوضحت يمينة رحو، باحثة في مركز الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران، أن الجزائريين يستخدمون منذ فترة طويلة "الفكاهة كسلاح للتعبير عن كل ما هو ممنوع أو خاضع للرقابة وما لا يقال والمحرم". ويعتمد الحراك في ابتكاراته على إرث تاريخي طويل. ففي منتصف القرن العشرين، انتقد الممثلون الجزائريون والشعراء مثل رشيد قسنطيني، وأحمد عياد المعروف ب"رويشيد"، ومحمد التوري، الاحتلال الفرنسي (1830-1962)، ولكن أيضًا سلوكيات بعض مواطنيهم كما روى بشير ضحاك، مؤلف كتاب "الجزائريون والضحك والسياسة من 1962 إلى يومنا هذا"، الذي جمع فيه النكات السياسية. وكتب يقول: "حتى وإن لم يكن بإمكاننا القول إن هناك فكاهة سياسية جزائرية قبل حرب التحرير"، فإن كتاب الأغاني كانوا يُخفون الانتقادات الشرسة في المسرحيات أو "الأغاني الفكاهية التي تبدو ساذجة". وأضاف أنه خلال حرب التحرير (1954-1962)، كان المعتقلون يحكون النكات لرفاقهم لتحمل ظروف السجن، كما كان يفعل المغني الشعبي محمد الباجي الذي سُجن في الجزائر العاصمة و"كان معروفًا دائمًا أن لديه مزحة على المحامي أو الدركي أو عميد السجناء". الفساد بعد الاستقلال في عام 1962، أصبح حزب جبهة التحرير الوطني، والدولة، وقادتها، وموظفوها غير الأكفاء، وإصلاحاتها السخيفة في بعض الأحيان، وبيروقراطيتها القاهرة، أهدافا للسخرية، وخصوصا لدى سكان المدن، على الرغم من الرقابة والسيطرة الكبيرة التي مارسها الرئيس الأسبق هواري بومدين على المجتمع خلال فتره حكمه (1965-1978) الاستبدادي والاشتراكي. وفي بعض المقاهي في وسط العاصمة، كان يتنافس بعض الزبائن في مسابقات مُزاح سياسي، تعتمد على قصص المسؤولين المطلعين على أسرار السلطة. وفي كتاب الشريط المرسوم "زينة وبوزيد"، وتحت غطاء سرد الحياة اليومية للشخصيتين الجزائريتين غير المتزوجتين، يصف رسام الكاريكاتير سليم ويسخر من المجتمع الجزائري، من خلال الحديث عن الظلم الاجتماعي والفساد والبيروقراطية والمحتالين من جميع المشارب والإسلاميين ... وخلال "العشرية السوداء" المأساوية للحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي (200 ألف قتيل) بين الدولة والمسلحين الإسلاميين، طوّر الجزائريون روح الكوميديا المظلمة والفكاهة السوداء لدرء الخوف من المذابح المرعبة، كما ذكر ضحاك. وإذا كان الدين الإسلامي قد نجا من لدغات الساخرين، فإن تطرف الإسلاميين ومحاولتهم فرض سلطة أخلاقية سرعان ما جعلا منهم أهدافًا للسخرية. وجاء الحراك فجأة ليتناقض مع كل من وصفوا المجتمع الجزائري-وخصوصا شبابه-بأنه غير مسيّس ولا يهتم بالشأن العام. واعتبرت يمينة رحو أنه "بالنسبة للجزائريين، تعمل الفكاهة على تحطيم الصورة التي التصقت بهم" في نظر الخارج منذ الحرب الأهلية، بوصفهم "شعبا عنيفا، متعصبا وكسولا". في الحمض النووي وأضافت الباحثة ذاتها أن الحراك السلمي يستخدم "فكاهة تجريدية مليئة بالأمل تعزز طابعه السلمي"، مستمدة من "دروس الماضي القريب". وسخر المتظاهرون في شوارع المدن الجزائرية الكبرى على مدار العام الماضي من "الدمية" (الرئيس السابق) عبد العزيز بوتفليقة، المشلول وفاقد القدرة على الكلام عندما ترشح لولاية خامسة قبل أن يضطر إلى الاستقالة في 2 أبريل. ثم سخروا من الرجل القوي في الدولة بعد رحيل بوتفليقة، الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش، والآن الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، المنتخب في 12 ديسمبر في انتخابات رئاسية بنسبة امتناع قياسية (60 ٪). وأوضح ضحاك أن "شباب الحراك يستمد إلهامه وخياله من لغات مختلفة، من العربية العامية إلى الأمازيغية، ومن العربية الفصحى إلى الفرنسية، ومن الإنجليزية إلى قلب الكلمات". وفي رأي فائزة عظيمي (21 عاما)، طالبة في البيولوجيا، فإن الهزل في كل شيء "موجود في الحمض النووي للشعب الجزائري"، مضيفة لفرانس برس خلال تظاهرة بالجزائر أن "السخرية سلاح سلمي فتاك ضد هذه السلطة يخرجه الحراك كل أسبوع". من جهتها، قالت بختة لالاهم، أستاذة متقاعدة، إنه بالنسبة للشعب الجزائري "الذي عانى الكثير من المآسي، فإن الضحك هو تذكير بأننا نجونا مما هو أسوأ". *أ.ف.ب