يرى مراقبون أن القادة الجزائريين الذين خاضوا حرب الاستقلال من فرنسا وما زالوا يحكمون سيواصلون معارضتهم لأي تغيير. بينما هناك من يرى أن الحرب الأهلية ضد الجماعات الإسلامية في التسعينات أنهكت الجزائريين، وجعلتهم يتوجّسون من التغيير. لم يوجّه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (76 عامًا) الذي تولى مقاليد الرئاسة قبل 14 عامًا، كلمة إلى شعبه منذ ما يربو على عام، وهو حبيس كرسي متحرك منذ إصابته بجلطة في إبريل الماضي. خلال هذه الفترة لم يلتق إلا ثلاث مرات مع ضيوف أجانب. وما عدا حلقة ضيقة من المقرّبين، لا أحد يعرف إن كان بوتفليقة لم يزل قادرًا على النطق أصلًا. ورغم وضعه هذا، يصرّ حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم على دعم ترشيح بوتفليقة لولاية رابعة في انتخابات إبريل المقبل، على أمل الحفاظ على الاستقرار في منطقة مضطربة. وكان من المقرر أن يتوجّه وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الجزائر يوم الأحد، قبل أن يؤجّل الزيارة بسبب محادثات جنيف حول برنامج إيران النووي. وأفادت مصادر أن كيري كان يعتزم الضغط على الجزائر للقيام بدور أكبر في المنطقة. إنغلاق إقليمي وقال الكاتب إحسان القاضي من صحيفة «مغرب أمرجنت» الاقتصادية الجزائرية «إن على الجزائر أن تكون لاعبًا أكبر في هذه المنطقة من العالم، ولكنها لا تقوم بدورها، وهي ما زالت بلدًا مغلقًا». ويرى مراقبون وجزائريون متذمرون أن جيل القادة الذين خاضوا حرب الاستقلال من فرنسا عام 1962 وما زالوا يحكمون الجزائر بعد نصف قرن، سيواصلون معارضتهم لأي تغيير. وهناك من يرى أن الحرب الأهلية ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة في التسعينات أنهكت الجزائريين عمومًا، وجعلتهم يتوجّسون من التغيير. لكن شلل الحكومة هو المظهر الأبرز لأزمة الجزائر وتطيّر القيادة من الانتقال السياسي. ويكتنف الغموض وضع الحكم ومن يمسك مقاليد السلطة في الجزائر، حتى إن دبلوماسيين غربيين وصحافيين باتوا يشبِّهون الوضع بمعاناة المراقبين مع ما يحدث وراء جدران الكرملين في زمن الاتحاد السوفيتي السابق. وبحسب هؤلاء، فإن مجموعة من قادة الجيش والأجهزة الأمنية والمستشارين، بينهم سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس، يحيطون به، ولا يُرقَّى إلا الموالون. والجزائرون عمومًا لا يتحدثون عن حكومة، بل يسمونها السلطة. ومنذ يناير عندما امتدت تداعيات الوضع في ليبيا ومالي مع صعود الإسلاميين إلى الجزائر باحتجاز رهائن في حقل عين ميناس جنوب البلاد كثفت «السلطة» إجراءاتها الأمنية على الحدود، فيما أبدت الولاياتالمتحدة اهتمامًا متزايدًا بالتعاون الأمني مع الجزائر لمواجهة نفوذ القاعدة في شمال أفريقيا. وقال وزير التنمية الصناعية وترقية الاستثمار الجزائري عمارة بن يونس «اتخذنا قرارًا بتعزيز حدودنا، وهو يكلفنا الكثير، لكنه مهم. فنحن محكوم علينا بأن نكون يقظين». البيروقراطية خنقت الاستثمارات لكن جزائريين يقولون إن يقظة السلطة في الداخل تركزت على معاداة الانفتاح السياسي والاقتصادي لتطويق الاحتقان الاجتماعي والاحتجاجات التي تُنظم بين حين وآخر. ورغم ثروة الجزائر النفطية، فإن الجزائريين يشكون من الغلاء وتفاقم الجريمة وانعدام الفرص. ويحذر الاقتصاديون من آثار الركود والبيروقراطية الخانقة، التي حوّلت الجزائر إلى واحد من أصعب بلدان العالم لمن يريد الاستثمار فيه. وفي هذا الوضع تتواتر الإضرابات والاحتجاجات المحلية في أنحاء البلاد. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن أستاذ السياسة الدولية والأمن الإقليمي في جامعة الجزائر رشيد تلمساني إن البطالة المحددة بنسبة 10 في المائة رسميًا أقرب في الواقع إلى 30 في المائة. وأضاف إن الشرطة سجلت 11 ألف حالة من أعمال الشغب أو التحركات الشعبية في عام 2011. ومنذ ذلك الوقت ازداد الوضع تفاقمًا. ولاحظ البروفيسور تلمساني أن هذه الاضطرابات «كانت سابقًا تحت السيطرة بهذا القدر أو ذاك، ولكنها تبلغ الآن حدًا لا يمكن معه السيطرة عليها». وحذر رئيس الحكومة السابق والمرشح الرئاسي أحمد بن بيتور من تململ الطبقات الوسطى أيضًا، قائلًا «لدينا 1.5 مليون طالب في الجامعات، وكل عام يدخل سوق العمل 300 ألف خريج. فهل نستطيع أن نوفر 300 ألف فرصة عمل؟». ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن بن بيتور تحذيره من أن الجزائر «تتجه نحو الانفجار». سلم أهلي هشّ وترى غالبية المراقبين أن نظام السلطة لن يغيّر نهجه بوجود بوتفليقة أو بغيابه. وفي هذا الشأن قال دبلوماسي غربي طلب عدم ذكر اسمه «إن البلد لا يديره رجل واحد، بل مجموعة أشخاص». لكن السؤال الأشد إلحاحًا في الجزائر اليوم هو إلى متى تستطيع القيادة أن تستمر في شراء السلام الأهلي من دون تغيير سياسي؟. فالحكومة ترد عادة على الاحتجاجات بالمنح وأموال الدعم وبرامج تشجيع الاستثمار ومساعدة المشاريع الصغيرة. وحين بدأ العاطلون ينظمون صفوفهم في جنوبالجزائر أخيرًا عرضت الحكومة على بعض الشبان الساخطين وظائف في قوات الشرطة. وتتعامل الحكومة بالأسلوب نفسه مع وسائل إعلام والمشهد السياسي من خلال السماح بالتعددية الحزبية في السياسة مع المناورة باستمالة بعض قوى المعارضة وإضعاف أخرى. في هذه الأثناء، قال البروفيسور تلمساني عن بوتفليقة «إن أحدًا لم يسمع صوته منذ أن ذهب إلى باريس في نيسان/إبريل»، حيث أمضى شهرين في أحد المستشفيات الفرنسية. عن «إيلاف»