درجت عادة الكتاب والأدباء والشعراء أن يدبجوا كتبهم بإهداء لذويهم أو أصدقائهم أو أساتذتهم أو قرائهم، حيث يحرصون وهم يدفعون بها إلى المطابع على بث ومضات صغيرة في مبناها عميقة في معناها في الصفحة الأولى، تحمل في طياتها رسائل حب وعرفان وأشياء أخرى. وحين يكون المرء في تظاهرة مثل المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدارالبيضاء، الذي اختتمت فعالياته أمس الأحد، حيث كانت تعرض آلاف الكتب والإصدارات من مختلف التخصصات الفكرية والأجناس الأدبية، فإن زيارته تتحول، إن شاء ذلك، إلى رحلة ماتعة فقط من خلال قراءة هذه الإهداءات التي تكون أول ما يطالعه وهو يفتح طي الكتب المعروضة للزائرين. وقال الكاتب والشاعر المغربي صلاح بوسريف، في تصريح صحافي، على هامش المعرض، إنه غالبا ما يسطر الكتاب إهداءات لأمهاتهم وآبائهم اعترافا منهم بالتضحيات التي قدموها من أجلهم طيلة فترة حياتهم. وأضاف بوسريف، الذي ألف العديد من الكتب والدواوين الشعرية، أن الإهداءات يمكن أن تكون موجهة أيضا إلى الزوجات باعتبارهن "شريكات في القلق" الذي يعيشه الكاتب، مؤكدا أنه نفسه دبج إهداءات لزوجته في عدد من كتبه، تقديرا لمساندتها وصبرها وهي تعيش معه "جحيم القلق والفكر"، لاسيما أن التفرغ للتأليف يكون على حساب الوقت الذي يجب أن يخصص في الأصل للأسرة والأبناء. وعلى ذكر الإهداءات الموجهة للأبناء فقد قدم الباحث محمد التهامي الحراق كتابه الجديد "في الجمالية العرفانية..من أجل أفق إنسي روحاني في الإسلام"، الذي وقعه على هامش فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب، بإهداء لبناته الثلاث جاء فيه "إلى الثلاث اللواتي حببن إلي..مرادفات الجمال..ونشقات روحي في أعالي الحيرة.. سناء. نظام. ربى". سيدة الولاياتالمتحدة الأولى السابقة، ميشيل أوباما، أهدت بدورها كتابها "وأصبحت" الذي كان معروضا في المعرض، إلى ابنتيها.. تقول فيه: "إلى منابع الحب في حياتي.. ماليا وساشا.. زهرتاي الغاليتان وسبب وجودي". وفي نموذج للاحتفاء بمن بذلوا تضحيات في حياة الكاتب، يطالع زائر المعرض ما خطه الروائي الفلسطيني الراحل جبرا إبراهيم جبرا، في مطلع روايته "البحث عن وليد مسعود"، من إهداء وجهه "إلى تلك التي رأت من الحياة ما رأت وبقيت على كبريائها تقاوم"، في إهداء بليغ يمكن سحبه على كل نساء فلسطين ممن سطرن ومازلن قصص كفاح يومي في مواجهة ما يلاقينه من معاناة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وحسب صلاح بوسريف فإن إهداءات الكتب يمكن أن تتوجه أيضا إلى كتاب ومفكرين قرأ لهم الكاتب وتأثر بهم وأناروا له الطريق. وكمثال على ذلك، يأتي كتاب "الهايكو المغربي.. السياق والحقل" لصاحبه عبد القادر الجموسي، الذي أهدى مؤلفه "إلى خيال الشاعر والمفكر عبد الكبير خطيبي". وإذا كان التعبير عن التقدير والعرفان والحب أكثر هدف تسعى الإهداءات التي تزين الصفحة الأولى من الكتب والمؤلفات إلى بلوغه، فإن هناك أغراضا أخرى من هذه الإهداءات، بما فيها عتاب "الأعداء والحساد". ويستحضر بوسريف في تصريحه واحدا من هذه الإهداءات "التي تنطوي على السخرية"، ويتعلق الأمر بالإهداء الذي دبج به الأديب المصري الراحل طه حسين كتابه "مع أبي العلاء (المعري) في سجنه"، والذي عاتب فيه من لا يجيدون سوى النقد ولا شيء غيره. وجاء إهداء طه حسين بصيغة مباشرة إلى هؤلاء المنتقدين ممن لا ينتجون شيئا، حيث كتب لهم يقول: "إلى الذين لا يعملون شيئا ويضيرهم أن يعمل الناس". إهداء آخر من هذا النوع "الغريب" من الإهداءات يطالعه زائر المعرض على رواية "نباح" للروائي السعودي عبده خال، كتب فيه: "لكل أوغاد العالم.. لعنة". على أن إهداءات الكتب قد تتجاوز شكر الأقارب أو الأشخاص الذين يعاصرون الكاتب في حياته، إلى أعلام ومفكرين من الزمن القديم أثروا في حياة الكاتب، أو حققوا منجزا تفخر به الإنسانية وخلفوا وراءهم شيئا مما ينفع الناس. والذي صادف خلال زيارته لمعرض الكتاب بالدارالبيضاء رواية "طواسين الغزالي" للكاتب المغربي عبد الإله بن عرفة، لا بد أن يكون قد قرأ الإهداء البليغ الذي سطره الرجل في الصفحة الأولى من الرواية، وهو الإهداء الذي وجهه لأبي حامد الغزالي (توفي سنة 505 هجرية)، ولمن ساروا على دربه من ذوي التجارب الروحية الخالصة. وجاء في هذا الإهداء: "إلى أبي حامد الغزالي الطوسي نساج الأرواح. وإلى كل من حذقته المعارف وهذبته المعاملات وأدبته المكاشفات. إلى من يولد مرتين، إلى كل آدم وكل حواء، أهدي هذا العمل الذي أرجو أن يكون نفسا من أنفاس بعث الروح القدس والحياة الحقيقية للإنسان". وإضافة إلى إهداءات الكتب الموجهة إلى الأسلاف والمعاصرين، هناك من اختار التوجه إلى المستقبل، من قبيل طبيب العيون والروائي المصري محمد العدوي، الذي أهدى روايته "الرئيس" التي تحكي سيرة ابن سينا "إلى الذين سيعيدون للعالم بهاءه الذي خلقه الله عليه". *و.م.ع