لم ينتهِ الصّراع المغربي الإسباني حول ترسيمِ الحدود البحرية المتاخمة لجزر الكناري بعقدِ اللّقاءات الدّبلوماسية وتبادل "عبارات الطّمأنة" لتجاوز "أزمة الأطلسي"؛ بل إنّ معركة أشدُّ تعقيداً تنتظرُ الرّباط خلال الأشهر القادمة لحماية سيادتها البحرية، خاصة على مستوى المياه المحاذية لأرخبيل الكناري. ويتمحورُ الصّراع بين مدريد والرباط حول منطقة محاذية للجبل البركاني "تروبيك"، التي تبعدُ عن سواحل الأقاليم الجنوبية بمئات الكيلومترات، وهي منطقة تخفِي احتياطيًا كبيرًا من المعادن والغازات من قبيل الكوبالت والتيلوريوم والأتربة النادرة التي تشكل مفتاحًا لتطوير تقنيات جديدة. ويبدو أنّ المغرب كان على دراية، بعد سلسلة من الدّراسات العلمية والتّقنية التي انطلقت منذ سنة 2013 لدراسة مشروع ترسيم الحدود البحرية من كل جوانبه، بوجود هذا الكنز الخفي وسط المحيط الأطلسي، وهو ما حذا به إلى تقديم طلب للأمم المتحدة لبسطِ سيادته البحرية قبالة سواحلِ الصّحراء. وتعتبر إسبانيا أن الجزر البركانية الواقعة قبالة سواحل الجنوب المغربي امتداد جيولوجي لجزر الكناري، وبالتالي هي جزء من الجرف القاري الإسباني؛ وحاولت سنة 2014، بعد سلسة من الدّراسات البحرية، السّيطرة على المنطقة البركانية التي تقعُ على بعد حوالي 269 ميلًا جنوب جزيرة إل هييرو. ولهذا السّبب، تتوجَّسُ اسبانيا من خطوة المغرب، لعلمها المسبق بوجود الجبل البركاني الذي توجد بباطنه ثروة معدنية هائلة. ووصل الحدّ إلى تلويح "مدريد" بسلك الخطوات القانونية لمنع بسط سيطرة المغرب على الجزيرة البركانية. ويتّجهُ المغرب إلى التشبث بحقّه السّيادي في ضمّ الجزيرة البركانية إلى مجاله البحري من خلال إصدار قانون يعلن السّيادة الكاملة على بعد 350 ميلاً بحريًا قبالة ساحل الصحراء. ويعتزمُ المغرب أيضًا مدَّ جُرفه القارّي حتى 350 ميلًا؛ وهو امتدادٌ سياديٌّ سيمكِّنُه من استغلال الموارد الطبيعية المتواجد في قاع البحر، وهو طموح يصطدم أيضًا مع توسيع الجرف القاري الإسباني إلى الجنوب الغربي من جزر الكناري، بحيث تطالبُ مدريد منذ 2014 بتوسعة نفوذها البحري. ويتّجه الوضع إلى مزيد من التّصعيد ما بين مدريد والرباط، لأنّ الأمر يتعلّق بمنطقة جيو-إستراتيجية حسّاسة تتوفّر على معادن هائلة، واحتياطات غاز كفيلة بتحقيق الاكتفاء الذّاتي المغربي في هذا المجال. وفي حالَ ما توجّه الوضع إلى مزيد من التّصعيد فإنّ الطرفين سيجلسان إلى طاولة المفاوضات برعاية الأممالمتحدة، إذ إنّ المادة 33 من الميثاق الأممي تنصّ على أنه "يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن تلتمس حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة أو التحقيق أو الوساطة أو التوفيق أو التحكيم أو التسوية القضائية".