في ظل التوتر غير المعلن الذي تعرفه العلاقات المغربية الفرنسية منذ أسابيع، ظهرت بوادر توتر دبلوماسي معلن، هذه المرة، بين المغرب وإسبانيا، بعد مصادقة لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين في الخارج بمجلس النواب، يوم الاثنين الماضي، بالإجماع، على مشروعي قانونين يهدفان إلى بسط الولاية القانونية للمملكة على كافة مجالاتها البحرية. إذ دخلت كل الأحزاب السياسية الإسبانية على خط هذا التوتر، بما فيها الحزب الاشتراكي الحاكم، والذي أصدر بيانا شديد اللهجة، أقحم فيه أيضا الثغور المحتلة، مع التركيز على سبتة ومليلية. ورغم أن القرار المغربي استراتيجي وسيادي، إلا أنه يبدو أن الإسبان متوجسون من حق المغرب، على غرار إسبانيا نفسها، في توسيع مناطق مجاله البحرية في الجرف القاري قبالة سواحل الأقاليم الجنوبية المغربية. فأعين الإسبان منصبة منذ سنة 2017 على ما يسمى “الكنز الأطلنتي”، وهو عبارة عن جبل بركاني يسمى “المدار” ويعرف ب”تروبيك”، يقع قبالة السواحل الجنوبية للمملكة، لكن خارج المنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة المغربية ” ZEE” (يقع على بعد 450 كيلومترا من ZEE المغربية)، كما يقع جنوب غرب جزر الكناري، لكن خارج المنطقة الاقتصادية الإسبانية (على بعد 463 كيلومترا من ZEE الإسبانية)، أيضا، وخارج المنطقة الاقتصادية الخالصة لموريتانيا؛ الشيء الذي يجعل استغلال الثروات المعدنية التي يتوفر عليها هذه الجبل/ الكنز، المكتشف سنة 2017، مرتبطا بمدى التوصل إلى اتفاق بين الرباطومدريد، بالدرجة الأولى، ومع موريتانيا بالدرجة الثانية. وتشير التقارير الغربية إلى أن هذا الجبل الكنز يتوفر على أطنان كبيرة من المعادن من بينها الذهب، ومعدن التيليريوم الذي تحتاج إليه الشركات التكنولوجية العالمية لإنتاج الألواح الشمسية والهواتف فائقة الذكاء، والصناعات الإلكترونية المتطورة. هذا الجبل أصبح محط أنظار شركات التنقيب الكبرى من بريطانيا وألمانيا وفرنسا والصين والهند وأمريكا وكوريا الجنوبية. وتمتد المياه الإقليمية المغربية من الشاطئ إلى 22.2 كيلومترا قبالة سواحل الكناري، فيما تبدأ مياه المنطقة الاقتصادية الخالصة من المياه الإقليمية (22.2 كلم) إلى عمق 370 كيلومترا قبالة الكناري، حيث لدى المغرب حق استغلال الثروات البحرية وفق التشريعات الوطنية؛ فيما المياه الدولية تتمثل في تلك المنطقة العازلة بين المنطقتين الاقتصاديتين الخالصتين للمغرب والكناري، أو البعيدة عنهما، وهي التي تحتاج إلى التوصل إلى اتفاق بخصوصها بين مدريدوالرباط وتقول المادة 33 من الفصل السادس في ميثاق الأممالمتحدة: “1- يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء عن طريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجؤوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها. 2- يدعو مجلس الأمن أطراف النزاع إلى أن يسووا ما بينهم من النزاع بتلك الطرق إذا رأى ضرورة ذلك”. ورغم تأكيد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، على أن القرار السيادي المغربي “لا يعني عدم انفتاح المغرب على حل أي نزاع حول التحديد الدقيق لمجالاته البحرية مع الجارتين إسبانيا وموريتانيا في إطار الحوار البناء والشراكة الإيجابية”، إلا أن رد الحزب الحاكم بإسبانيا كان مفاجئا، إذ أعرب عن قلقه إزاء القرار المغربي. الكاتب المكلف بالعلاقات الدولية بالحزب الاشتراكي، هيكتور غوميش، أوضح أن “تحديد المياه المغربية المتجاورة مع جزر الكناري وسبتة ومليلية وأي تراب إسباني آخر يجب أن يتم في إطار اتفاق متبادل بين البلدين وفي امتثال تام للقانون الدولي”، وتابع أن موقف الحزب الحاكم بهذا الخصوص سيكون “صارما وبدون تنازلات”. ويقول هيكتور غوميث في البيان الذي نشره الحزب الاشتراكي في موقعه الرسمي إن “المبادرات الأحادية مثل هذه (يقصد المغربية) تساهم فقط في خلق قلق وضجيج غير ضروريين حول قضية يجب معالجتها، إلى حدود الساعة، عبر الحوار الذي يجمع إسبانيا مع المغرب”. واستطرد الحزب الاشتراكي الذي تحول منذ يونيو 2018 إلى المدافع الأول عن المغرب بإسبانيا والاتحاد الأوروبي قائلا: “في الحزب الاشتراكي، ندافع، وهذا الذي يجب أن يكون، عن التعاون بين الدول من أجل التوصل إلى نقط التقاء من أجل اتفاق متبادل في إطار احترام اتفاقيات البحار التابعة للأمم المتحدة، والتي تتوف على آليات يمكن استخدامها لحل هذه القضايا في حالة عدم التوصل إلى اتفاق”. من جهته، أعرب الحزب الشعبي الإسباني بجزر الكناري عن “قلقه” حيال ما سماه المبادرة المغربية لحل قضية الحدود البحرية بطريقة أحادية، داعيا حكومة الكناري إلى “السهر على الدفاع عن الحقوق الدولية لكي لا يمس أي ميل”. فيما خرج رئيس حكومة الكناري، آنخيل فيكتور طوريس، مرة أخرى، إلى الصحافة قائلا إنه التقى رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانتشيز، ووزيرة الدفاع، مارغاريتا روبيل، والتي تشغل مؤقتا منصب وزيرة الخارجية بعد التحاق جوزيف بوريل بمنصب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، وأخبرته مارغاريتا روبيل أنها تواصلت مع السفارة المغربية بإسبانيا ومع الحكومة المغربية، حيث أبلغتهما أن “إسبانيا لن تقبل أي قرار أحادي قد يمس حدودها”.