القضايا الشائكة والحساسة والعالقة بين الرباطومدريد منذ قرون تعود إلى الواجهة من جديد مع مصادقة لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين فيالخارج بمجلس النواب، مساء الاثنين الماضي، بالإجماع، على قانونين يهدفان إلى بسط الولاية القانونية للمملكة على كافة مجالاتها البحرية. إذ تأكد أن التناغم والتعاون السياسيين والدبلوماسيين والأمنيين بين الحكومات المتعاقبة على السلطة، لا يمكن أن يشمل بعض القضايا الحساسة، مثل الحدود والمياه والأراضي المتنازع عليها؛ كما يجري اليوم بخصوص القرار الاستراتيجي والسيادي للمغرب بترسيم وتوسيع مجاله البحري في الأقاليم الجنوبية قبالة جزر الكناري، أو ما جرى في قضية جزيرة ليلى في يوليوز 2002، أو بعضالزيارات التي يقوم بها ملوك ورؤساء الحكومات الإسبانية إلى المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية. هذا ما كشفته مختلف ردود الفعل الإسبانية بعد تأكيد ناصر بوريطة، وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أن هناك مجموعة من المحددات وراء إعداد وعرضهذه المشاريع في هذه الظرفية بالذات، وهي محددات متداخلة ومتقاطعة، منها ما هو سياسي وقانوني واقتصادي وكذا إجرائي – تقني. وهو القرار الذي أثار الجدل بالجارة الشمالية، رغم قول بوريطة إن “القيام بهذا العمل التشريعي السيادي لا يعني عدم انفتاح المغرب على حل أي نزاع حول التحديد الدقيق لمجالاته البحرية مع الجارتين إسبانيا وموريتانيا، في إطار الحوار البناء والشراكة الإيجابية“. ورغم غياب رد رسمي من الحكومة الاشتراكية الإسبانية المؤقتة، إلا أن رئيس الحكومة المحلية لجزر الكناري، آنخيل فيكتور طوريس، تكلف بالرد رسميا، في إطار سياسة تبادل الأدوار بين الحكومة المركزية والمحلية. طوريس استغل تواجده، يوم أول أمس الثلاثاء بمدريد، من أجل التباحث مع الحكومة المركزية بمدريد حول القرار المغربي. وخلص إلى أنه تم“التوصل إلى التزام بين الحكومة الإسبانية وجزر الكناري“، من أجل “رفع الصوت عند الاقتضاء“، إذا ما قام المغرب ب“مس ميل واحد من المياه البحرية لجزر الكناري“. هذا الخطاب الشديد اللهجة أعقبه طلب بيدرو كيبيدو، النائب البرلماني عن جزر الكناري، من رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانتشيز، التحرك للرد ب“حزم” و“وضع المغرب في مكانه” في ظل “فعل عدواني أحادي غير عادي“، على حد قوله، وفق صحيفة “الإسبانيول“. وتابع البرلماني أن “المغرب اتخذ قرارا أحاديا يعرف أنه سيثير الجدل، لكن في العلاقات الدبلوماسية، تتمالأشياء بطريقة أخرى؛ أول شيء يتم القيام به هو التفاوض“. الحكومة الإسبانية اختارت الرد على المغرب عبر صحيفة “إلباييس“، التي تعتبر منذ يونيو 2018 الناطق غير الرسمي باسم قصر المونكلوا، إذ أكدت أن “الحكومة اختارت الحكمة في ظل أهمية الرباط في مراقبة الهجرة، لكن دون أن تخفي أنها تنتظر مفاوضات مع المغرب لتسوية هذه القضية“. وتقول الصحيفة إن “إسبانيا تفاعلت بنوع من الفتور أمس مع هذه الإجراءات المغربية“. وزارة الخارجية الإسبانية قالت إنها تجهل “تفاصيل محتوى ومدى” المشاريع التي صادق عليها المغرب، رغم أن لقاء جمع ناصر بوريطة وجوزيف بوريل، وزيرالخارجية الإسبانية السابق، نهاية الشهر المنصرم بمدريد، قبل أن ينتقل في فاتح دجنبر الجاري لشغل منصب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي. ليبقى التساؤل هو هل تطرق بوريطةخلال لقائه بجوزيف بوريل وبيدرو سانتشيز نهاية الشهر المنصرم إلى قضية ترسيم الحدود أم لا؟ مصادر من الخارجية الإسبانية أوضحت أن ل“إلباييس” قائلة: “يشمل الحوار بينإسبانيا والمغرب، طبعا، القضايا المرتبطة بتحديد المياه الإسبانية والمغربية، والتي لازالت عالقة“. القرار السيادي المغربي هذا تحاول بعض الأطراف اليمينية والقومية استغلاله لضرب الحكومة الاشتراكية المؤقتة المنغمسة في التفاوض مع اليسار الجمهوري الكتالوني من أجل الحصول على دعمه لتشكيل الحكومة. إذ طالب خوسي ميغيل باراغان، الناطق الرسمي بمجموعة البرلمانية القومية الكنارية من الحكومة المركزية، بعقد اجتماع استثنائي لبرلمان الكناري، لتدارس الإجراءات التي يمكن اتخاذها حيال القرار المغربي. النائب البرلماني عن المجموعة نفسها، مانويل غارسيا راموس، وصف القرار المغربي ب“المقلق“، وحاول أن يصور الحكومة المركزية الإسبانية كما لو أنها “أسيرة” للمغرب، لا لشيء إلا لأنه يرى أن القرار “يضر بمصالح جزر الكناري. فيما عادت صحيفة “إلإسبانيول” لتحيي بعض الأحكام المسبقة حول المغرب قائلة: “يستغل المغرب دوما الضعف الإسباني من أجل توجيه ضربة. قام بذلك خلال احتضار الديكتاتور، فرانكو“، في إشارة إلى المسيرة الخضراء سنة 1675، وتابعت: “وأعاد ذلك (هذا الاثنين) مستغلا وجود حكومة تصريف الأعمال…”. وفي الوقت الذي رحب فيه البرلمانيون المغاربة بقرار المغرب بسط سيادته على مجالاته البحرية من السعيدية إلى الكويرة؛ تقدم فيرناندو، ممثل تحالف جزر الكناري في مجلس الشيوخ الإسباني، يوم أول أمس الثلاثاء، بسؤال كتابي للغرفة، يطلب من خلاله وزارة الخارجية الإسبانية أن تخرج بتوضيحات بخصوص موقفها من القرار المغربي. وطالب مدريد بالكشف عن المجال البحري الذي يشمله القرار المغربي قبالة سواحل جزر الكناري. لكن بوريطة كان أكد أمام النواب البرلمانيين أن الأمر لا يفرض سياسة الأمر الواقع على دول الجوار بهذاالتشريع السيادي، بل سيحدد 12 ميلا من المياه الإقليمية، و200 ميل من المنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة، و350 ميلا من الجرف القاري. علما أن توسيع المجال داخل المياه الدولية يتطلب التقدم بطلب معزز بوثائق ودراسات وتقارير إلى الهيئة المختصة داخل الأممالمتحدة بموجب الاتفاقيات الأممية الموقعة سنة 1958. ومن أجل تبسيط الأمور، تمتد المياه الإقليمية المغربية من الشاطئ إلى 22.2 كيلومترا قبالة سواحل الكناري، فيما تبدأ مياه المنطقة الاقتصادية الخالصة من المياه الإقليمية (22.2 كلم) إلى عمق 370.4 كيلومتر قبالة الكناري، حيث لدى المغرب استغلال الثروات البحرية وفق التشريعات الوطنية؛ فيما المياه الدولية تتمثل في تلك المنطقة العازلة بين المنطقتين الاقتصاديين الخالصتين للمغرب والكناري، وهي التي تحتاج إلى التوصل إلى اتفاق بخصوصها بين مدريدوالرباط، كما تنص على ذلك قوانين الأممالمتحدة، إذ أنها هذه الأخيرة تعطي الأولوية للحوار بين الأطراف المعنية، وحتى في حالة تواصل الطرفين على اتفاق، فإن دراسته من قبل خبراء الأممالمتحدة والموافقة عليه، يحتاج إلى سنوات. وفي حالة تعذرالتوصل إلى اتفاق بالتراضي، فإن الحل الأخير يكون التوجه إلى المحكمة الدولية التي تفصل في مثل هكذا نزاعات.