الدبلوماسية المغربية تضرب بقوة في إسبانيا وتعوض البرودة التي تعرفها العلاقات الثنائية بين الرباط وفرنسا في الأسابيع الأخيرة، إذ تحولت مدريد إلى حليف مهم واستراتيجي للمغرب أوروبيا ودوليا. ويبدو أن مدريدوالرباط أصبحتا تعتمدان نفس الاستراتيجية الدبلوماسية مؤخرا بالحفاظ على علاقات متوازنة مع أمريكا وروسيا. وفي الوقت الذي كانت كشفت فيه “أخبار اليوم” أن وزير الخارجية المغربي سَيُستقبلُ، يوم أول أمس الأربعاء بمدريد، من قبل وزير الخارجية الإسباني، جوسيب بوريل، اتضح أن الحكومة الإسبانية احتفت ببوريطة الذي استقبل، أيضا، من قبل رئيسها المؤقت، بيدرو سانتشيز، حيث تباحث في مجموعة من القضايا التي تهم البلدين. في هذا الصدد، كشف بلاغ للرئاسة الحكومة الإسبانية أن بيدرو سانتشيز اجتمع، يوم أول أمس الأربعاء بمدريد، مع ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، حيث تطرق لعدة مواضيع من قبيل الهجرة، والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي، والاتفاقيات الحديثة الموقعة بين البلدين. وأعرب الطرفان عن رضاهما عن النتائج الإيجابية المحققة في مجال محاربة الهجرة السرية بعد تقليص تدفقاتها من السواحل المغربية صوب الإسبانية بنسبة 55 في المائة، إلى جانب أهمية برنامج الدعم المالي المقدر ب32 مليار سنتيم الذي خصصته إسبانيا في شهر غشت الماضي لمحاربة شبكات تهريب البشر. علاوة على الحاجة إلى تخصيص دعم مالي أوروبي مالي دائم للمغرب، وليس فقط الدعم المالي الطارئ، كما حدث عندما وجهت السنة الماضية 140 مليار سنتيم من قبل الاتحاد الأوروبي للمغرب لمواجهة أكبر أزمة للهجرة السرية. في الجانب المغربي، أوردت وكالة المغربي العربي أن الطرفين أجريا تقييما إيجابيا لتعاونهما في مختلف المجالات، لاسيما في الميدان الاقتصادي ومكافحة الهجرة غير الشرعية .وأردفت أن الجانبين استعرضا إحياء العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوربي، وعبرا عن ارتياحهما لدخول اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري بين الطرفين مؤخرا حيز التنفيذ بعد المصادقة عليهما شهر غشت الماضي .يشار إلى أن “الانقلاب” في الأجندة الدبلوماسية للمغربية من خلال استقبال وزير الخارجية الأمريكي في بداية دجنبر المقبل، وإلغاء لقاء كان مرتقبا مع وزير الخارجية الروسي، يتزامن مع التوتر في العلاقات الإسبانية الروسية، والبرودة التي تطبع، كذلك، العلاقات الثنائية بين مدريد وواشنطن. بعد ذلك، أجرى ناصر بوريطة مباحثات مع نظيره الإسباني جوزيب بوريل، الذي سيشغل ابتداء من يوم الأحد المقبل منصب وزير الخارجية في الحكومة الأوروبية الجديدة خلفا للإيطالية فيديريكا موغيريني. وأشار الطرفان خلال الاجتماع إلى العلاقات الثنائية الممتازة والمكثفة بين الجارين، كما تطرق إلى العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. وبينما لم تشر المصادر ذاتها من قريب ولا من بعيد إلى تطرق بوريطة وسانتشيز لقضية الصحراء، أكدت وزارة الخارجية الإسبانية أن بوريل وبوريطة “حللا الوضع الإقليمي الحالي، بما في ذلك الوضعية في الصحراء الغربية”. وتابعت الخارجية الإسبانية أن “أكبر تعبير للعلاقات بين إسبانيا والمغرب، الموصوفة بالاستراتيجية والشاملة، هو الاجتماعات من مستوى عال التي ستنظم نسختها المقبلة في المغرب”، بالإضافة إلى الحوار السياسي المكثف، والعلاقات الثنائية التي تشمل التعاون المثالي في القضايا الأمنية والهجرة. وأكدت الخارجية الإسبانية على أهمية الثقافة والتعليم في العلاقات الثنائية بين البلدين، مذكرة بأن مدريد فرضت نفسها كأول شريك تجاري للمغرب. وعلى غرار الزيارة الناجحة لبوريطة، عين بيدرو سانتشيز وزيرة الدفاع الحالي، مارغاريتا روبليس، وزيرة للخارجية مؤقتا، خلفا لجوزيف بوريل، الذي سينتقل لشغل منصب وزير خارجية الاتحاد الأروبي. وتعتبر مارغاريتا روبليس واحدة من الشخصيات الإسبانية المقربة من المغرب والمدافعة عن التقارب والتعاون مع الرباط. وفي الوقت الذي كان بوريطة يتباحث فيه مع سانتشيز وبوريل، أصدرت الإسبانية تحذيرا موجها إلى رعاياها، يدعوهم إلى تجنب زيارة المنطقة التي توجد بها مخيمات جبهة البوليساريو في تندوف الجزائرية. وبرّرت مدريد تحذيرها بتوصلها ب “معلومات من مصادر موثوقة”، وبوجود مؤشرات متزايدة عن تنامي المخاطر الأمنية، بفعل الاضطرابات الحاصلة في منطقة شمال مالي، والنشاط المتزايد للمنظمات الإرهابية في هذه المنطقة. التحذير الذي يهم جميع الأجانب الذين يقومون بأنشطة إنسانية ومدنية في المنطقة، اعتبرته بعض الأصوات المؤيدة للجبهة الانفصالية، مرتبطا بالزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى مدريد، واستباقا للمؤتمر ال15 الذي تستعد البوليساريو لتنظيمه في منطقة تفاريتي. وكشفت مصادر حكومية إسبانية ل”إلباييس” أن التهديد يتمثل في اعتداء إرهابي تحضر له داعش في مراحله المتقدمة، يسعى إلى استهداف مواطنين إسبان في الصحراء. واستطردت المصادر ذاتها أن التهديد “واقعي وحقيقي ووشيك”، على خلاف رد جبهة البوليساريو.