أصبحت ليبيا في عام 2020 ساحة جديدة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية، على غرار ما تشهده سوريا منذ نحو 9 سنوات، في ظل فشل جهود المجتمع الدولي في إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية، واتجاه بعض القوى الإقليمية والدولية إلى تكثيف دعمها العسكري للطرفين المتصارعين في ليبيا. واستقراء طبيعة التوازنات الاستراتيجية القائمة في ليبيا تكشف عن وجود محورين دوليين متنافسين، الأول يتمثل في المحور الداعم للجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير حفتر. ويتكون هذا المحور من روسياوفرنسا واليونان ومصر والأردن والسودان. فيما يدعم المحور النقيض حكومة الوفاق الوطني، ويتشكل من الولاياتالمتحدةالأمريكيةوإيطالياوتركياوقطر وتونس والجزائر، إذ وجه رئيس حكومة الوفاق رسائل إلى رؤساء خمس دول، هي الولاياتالمتحدة وبريطانيا وإيطالياوالجزائروتركيا، طالبها بتفعيل اتفاقيات التعاون الأمني. ووفق التقرير الصادر عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، والمعنون ب "حالة الإقليم: التفاعلات الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط 2019-2020"، فإن المحورين الدوليين المتنافسين في ليبيا يدعمان أحد طرفي الصراع بأشكال مختلفة. وفيما يخص المحور الأول، فإن أبرز أشكال الدعم العسكري الروسي تأتي إلى قوات حفتر عبر شركة الأمن الخاصة الروسية "فاجنر"، التي توظف عددا كبيرا من العسكريين الروس السابقين للقتال في مناطق الصراع المختلفة كمرتزقة. أما فرنسا، التي ثبت رسميا وجودها العسكري شرق ليبيا، فقد أثير الجدل من جديد حول طبيعة الدعم العسكري الفرنسي للجيش الوطني، عقب العثور، شهر يونيو الماضي، على أربعة صواريخ من طراز "جافلين" تعود ملكيتها إلى الجيش الفرنسي بمدينة غريان التي كانت تسيطر عليها قوات حفتر. أما اليونان فتقدم دعما سياسيا لحكومة شرق ليبيا والجيش الوطني الليبي. وقد تزايد هذا الدعم عقب توقيع تركيا مذكرتي ترسيم الحدود البحرية والتعاون العسكري والأمني مع حكومة الوفاق. فيما اتهم تقرير صادر عن الأممالمتحدة، في ديسمبر 2019، الأردن بتوفير الأسلحة بشكل روتيني لقوات الجيش الوطني الليبي، من أبرزها مدرعات من طراز "الوحش" أردنية الصنع. وعلى صعيد السودان، ذكّر التقرير سالف الذكر قوات الدعم السريع السودانية بنشر نحو 21 ألف جندي في ليبيا للقتال بجانب قوات حفتر. من جانبه، أكد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في تصريحات صحافية سنة 2019، أن بلاده "لن تتخلى عن الجيش الوطني الليبي". وبخصوص أشكال الدعم التي يقدمها المحور الثاني لحكومة الوفاق الوطني، نجد الولاياتالمتحدة التي تدعم حكومة الوفاق بسبب مخاوفها من العلاقات، التي تجمع بين المشير حفتر والرئيس الروسي بوتين، حيث تخشى واشنطن من أن انتصار حفتر على حكومة الوفاق سيرسخ النفوذ الروسي في ليبيا. أما إيطاليا فتظل داعما رئيسيا لحكومة الوفاق في مواجهة الدعم الفرنسي لقوات المشير حفتر، حرصا على مصالحها الأمنية وكذا الاقتصادية في مجال الطاقة. كما اتهم تقرير الأممالمتحدة اليونان بإرسال أسلحة متطورة جدا ودبابات وصواريخ مضادة للدروع إلى الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق الليبية في غرب ليبيا. من جهتها، تقدم قطر دعما للميليشيات الإسلامية الداعمة لحكومة الوفاق، في إطار سياساتها الداعمة لجماعات الإسلام السياسي والتنظيمات الإرهابية في المنطقة. كما أنها تتماهى مع السياسة التركية حيال ليبيا. أما الجزائر فتسعى بمعية حكومة الوفاق إلى تفعيل الاتفاقيات الأمنية الموقعة بين الجانبين.