تستقبلك بالنعيق والتحليق بحيوية بادية، فتعلم أنك اقتربت من الميناء والموقع الإيكولوجي "أرخبيل" بمدينة الصويرة، وفي السماء والأرض تمارس تجوالها وكأنها ترحب بزوار "موكادور"، فالنوارس (Larus) أيقونة حاضرة الرياح. وإذا كانت طيور النورس حولت حياة البيضاويين إلى جحيم بعد تزايد أعدادها بشكل مخيف وسط المدينة، وفي أحياء المدينة العتيقة، وبوركون، وسيدي مومن، وسيدي عثمان، وحي مولاي رشيد، ومديونة، وساحة الأممالمتحدة، وساحة محمد الخامس، قبالة مقر ولاية الدارالبيضاء بالحي الإداري التاريخي، فإنها بالصويرة تحظى بمكانة خاصة سياحيا. لذا ارتأت هسبريس أن تخصص هذا الروبرتاج لطائر النورس، الذي يشكل أيقونة مدينة الرياح السياحية، فزارت الميناء مستطلعة آراء الصيادين والمتخصصين في علوم الطيور وحقوقيين وزوار "موكادور"، لتسليط الضوء على حياة النورس وعاداته وما يقوم به من دور. طيور تستقبل الزوار تشكل النوارس بمدينة الصويرة جوهرة تضاف إلى التراث اللامادي والمآثر التاريخية والمؤهلات الطبيعية، كرأسمال سياحي لحاضرة ذات عمق تاريخي يعود جماله إلى ذاكرة تأبى النسيان، تختزل في ثناياها تاريخا حافلا بالأحداث، منها ما يرجع إلى عصور غابرة، كما أكدته الحفريات والدراسات الأركيولوجية. وبهذه المدينة التاريخية التي تعود جذورها إلى الحضارة الفينيقية، وتسجل ذاكرتها تعايش اليهود والمسلمين في سيمفونية ترخي بظلالها إلى حدود اليوم، أنواع من الطيور محمية من طرف مندوبية المياه والغابات، وأخرى لا تتمتع بذلك. فالطيور ذات الحظوة هي تلك التي تعيش ب"جزيرة موغادور" كمحمية طبيعية صنفت سنة 1981 كتراث عالمي للإنسانية من طرف "اليونيسكو"، وتعتبر مستوطنة لعدد هام من الطيور النادرة من قبيل النورس، وصقور "الأليونور"، وطائر الغاق (طائر بحري) والسنونو والحمام الأزرق والطائر المغرد. لكن النورس كطائر مائي يعيش بالميناء هو في حماية خالقه، يتغذى على أنواع مختلفة من الفرائس، مثل الأسماك واللافقاريات الحية والميتة والحشرات والديدان والقوارض والبيض والجثث والزواحف والبرمائيات، وبذور النباتات وثمارها وبعض الطيور وبقايا الطعام. ووفقا للبحار مصطفى العوادية، الذي التقت به هسبريس بميناء الصويرة، فهذه المدينة "تتميز بطابع خاص يجعل منها مقصدا مغريا للسياح من مختلف مناطق العالم، حيث تستقبلك للوهلة الأولى عند زيارتها طيور النورس البيضاء التي تحلق مصارعة الريح بانتشاء وفرح فوق مراكب الصيد الراسية". وزاد البحار ذاته: "هذه النوارس ترافق مراكب صيدنا في عمق المحيط، ومن خصائصها الشجاعة، فهي لا تخاف، لأنها تخطف الأسماك من شباك ومراكب الصيادين بالقوة لإشباع جوعها"، مضيفا: "حيثما كانت فهي تقوم بدور "بونظيف" لأنها تأكل كل شيء ولا يزداد وزنها مثقال ذرة". وواصل المتحدث: "النوارس تلازم البحر منذ لحظة إطلاق الصيادين لشباكهم، ترافق المراكب إلى حين عودتها، كما تتخذ من أسطح منازل مدينة الصويرة وكرا لها تقيم به، وإذا جاعت يصبح صوتها صاخبا مزعجا، إلى جانب ما تلقي به من مخلفات". زينة مهمشة ووفقاً لبائع الأسماك بميناء الصويرة الشاب عبد الكريم البوعزاوي فالنوارس "تعطي جمالية للمدينة، ما يجعلها دائما موضوع كاميرات زوار "موكادور"، ومقصدا تتجه نحوه أنظار الكبار والصغار الذين ينبسطون بالجري وراءها إلى حين مغادرتها محلقة"، وتابع: "لكن رغم هذا الدور فهذه الطيور تعاني من غياب الرعاية والحماية، فبيضها يتعرض للهجوم والإتلاف، وكثير من النوارس تموت نتيجة التسمم بسبب تغذيتها على النفايات التي كثيراً ما تحتوى على مواد كيميائية وبقايا سامة، إذ يتم رصد ذلك سنوياً مع نهاية الشتاء وبداية فصل الصيف". وطالب البوعزاوي الصيادين الذين يستعملون صنارة صيد الأسماك، ويتخلصون من بعض صيدهم غير المرغوب فيه، بعدم رميه والصنارة فيه، "لأن النوارس ستأكله وستعاني جراء بقاء هذا الجسم في جوفها". وتتعرض نوارس الصويرة كباقي الطيور للإصابات، فتنكسر أجنحتها وأرجلها، وتحتاج لمن يعتني بها، في ظل غياب مؤسسة رسمية أو تطوعية، كما هو الشأن بالنسبة للقطط بهذه المدينة الساحلية، ولا تنجو منها سوى التي حظها من حجر ونقلت إلى مقر "جمعية الرفق بالحيوان والمحافظة على الطبيعة ( spana)" بعاصمة النخيل. وبمقر هذه الجمعية عاينت هسبريس خلال زيارتها له أربعة طيور من نوارس مدينة الصويرة، نقلت في حالة جد سيئة بمبادرات فردية لمواطنين، فتلقت العناية الطبية وأصبحت من أصدقاء الحمير والخيول والقطط والكلاب بهذه المؤسسة التي تتولى رئاستها الشرفية صاحبة السمو الملكي الأميرة للا أسماء. وطالب كل من استقت هسبريس رأيهم من زوار المدينة، من مغاربة وأجانب، بخصوص الطيور من نوع النوارس التي تزين سماء مدينة الصويرة، الجمعيات المدنية والجهات المسؤولة والمصالح البيطرية والبيئية بالتدخل لحماية هذا النوع من الطيور. النورس غير محمي مندوب المياه والغابات بإقليم الصويرة، عبد العالي أوموهاب، أقر هو الآخر بأهمية النوارس من عدة زوايا، كالجمالية التي تضفيها على المدينة، ودورها في تأثيث الرأسمال السياحي، "لكنها غير محمية لأنها غير مهددة بالانقراض"، حسب تصريحه لهسبريس. وأوضح هذا المسؤول أن "جزيرة موكادور التي توجد ببحر مدينة الصويرة تضم طيورا أخرى ذات أهمية إيكولوجية، كالصقر"، وواصل: "المندوبية الإقليمية للمياه والغابات تحرص على استرجاع كل الطيور التي تعالج في أي مكان، بعد أن تستعيد عافيتها، إلى وكرها الأصلي"، مؤكدا "العمل على استرجاع الطيور الأربعة التي توجد بمقر جمعية الرفق بالحيوان والمحافظة على الطبيعة (Spana) بمدينة مراكش".