يوم دافئ لا كباقي أيام هذه المدينة الزاحفة رمالها. تئن أمواج البحر اللعوب تحت وطأة قوارب الصيد العابثة بصفاء صفحة مياه هذا الساحل الساحر. وأسراب النوارس المتنطعة تلاعب الصيادين الذين عادوا من إبحار راهنوا على حصيلته بحياتهم الصعبة... تنازعهم حصاد أيام ركوب المجهول على بركة الله. قد شحت مياه الصويرة المالحة حتى عزت الأسماك في مدينة البحر والميناء والمراكب، يعبر الزمن موكادور الحالمة الصموت جيئة وذهابا، وتتعاقب الملامح الباسمة ثناء وانتشاء... لا تذر إلا نزرا من أمان عن الجوع والعري، وكثيرا من الصور للذكرى، للتفاخر، والخجل... كذلك. صباح جميل على ساحة مولاي الحسن التي تستفيق بهدوء وتثاقل لتعانق يوما جديدا، هواء منعش يهب ناحية " بحر كلوب" على الشريط الساحلي المفضي إلى برج الميناء، ومشهد النوارس تتسيد الصخور لحظة الجزر يغري بلحظات استكانة لحديث الروح تتوحد مع جمالية هذا المشهد الذي تمتزج فيه رائحة ملوحة البحر بعبق التاريخ يلفك ناحية سور المدينة العتيقة. بالكاد تخطو خطوتين في اتجاه الحائط المطل على البحر، حتى تزكم انفك رائحة البول والنتانة تنبعث نفاذة من الجهات الأربع،آثار " البوالة" تدل عليهم، رائحتهم اشد نتانة من أن يسترها الهواء الصباحي والشاطئي العليل. بوقاحة وكثير من " قلة العفة والترابي" يتعاقبون الواحد تلو الآخر على جانب "الحيط القصير" يتبولون عليه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ولا من رادع أو ناه لهذا السلوك الهمجي المستهجن دينيا، تربويا وحضاريا. مواطنون من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية، وجوههم إلى سور المدينة الذي يستحيي ولا يستحيون، يعملون أحماض أجسادهم تلويثا وتعرية في تراث حضاري قل نظيره. المشهد نفسه قرب باب مراكش، باب دكالة، السقالة، ساحة المنزه وغيرها، تتباين الملامح والملابس والوضعيات، ويبقى السلوك شاهدا على جريمة تمارس عشرات المرات في حق التراث المعماري لموكادور ، هؤلاء «البوالة» يتبولون بكل ازدراء على تراث إنساني يأتي السياح من مختلف أصقاع العالم ويتسابقون لالتقاط صور تذكارية مع حجر من أحجاره. والأكيد أنهم التقطوا بالمناسبة صورا يستدلون ويتندرون بها في بلدانهم حول الأسلوب الخاص الذي يصون به المغاربة ثراءهم وموروثهم الثقافي والحضاري! والحال أن مدينة الصويرة لا تعوزها المراحيض العمومية، ففي الحدادة، باب دكالة، باب المنزه، على الشاطئ، توجد مجموعة من المرافق الصحية المهيأة لتفي بالحاجة البيولوجية للمواطنين والسياح على حد سواء، مع أن الجودة تبقى دائما موضع نقاش. وبالتالي فعادة التبول على أسوار المدينة تبقى سلوكا مسيئا للمشاعر العامة، ومخربا للتجهيزات والفضاءات والبنيات العمومية، ناهيك عن تسويقه لصورة بشعة عن مجتمعنا المغربي الإسلامي الذي ترفض أعرافه وقيمه هذا النوع من "المشهدية" المقرفة. صحيح أن حال مدينة الصويرة من حال مجموعة من المدن المغربية التي تعرف شيوع هذه الظاهرة، لكن خصوصية مدينة الصويرة تكمن في القيمة التاريخية، الحضارية، الثقافية والاقتصادية للتراث المعماري الذي يتم التبول عليه طوال ساعات النهار، فمدينة الصويرة تسوق سحر شاطئها، وتفاصيل تاريخها ، إيقاعاتها الكناوية، وأحجار مدينتها العتيقة المصنفة تراثا عالميا من طرف اليونسكو منذ 2001 قصد استقطاب السياح الأجانب، والاستثمارات لإنعاش اقتصادها المرهون بنشاطها السياحي، وبالتالي ، ما لايعرفه هؤلاء « البوالة» هو أنهم يدمرون الثروة الحقيقية والرأسمال الأساسي لمدينتهم التي كانت ولاتزال واجهة حضارية مشرقة في التاريخ المغربي. مجرد الخوض في الحديث عن هذه الظاهرة يثير التقزز ، لكن تقع على مجموعة من المصالح مسؤولية التعبئة الجماعية للضرب على أيدي هذه الفئة من المتبولين على التاريخ، بداية بوزارة الثقافة المسؤولة عن حماية المآثر والمواقع التاريخية،ووزارة السياحة لما يحمله الأمر من إساءة إلى المنتوج السياحي للمدينة، والفرقة الأمنية السياحية لما يمثله السلوك من إساءة للمشاعر العامة وإخلال بقواعد الحياء مع الإضرار بمباني ومنشآت عمومية محمية بظهير شريف . لكن الوزارة الوصية تجد نفسها في مواجهة فئة أخرى من «المتبولين» على القيمة التاريخية والثقافية وحتى التنموية للتراث المعماري للمدينة العتيقة للصويرة، لوبي من المتربصين بالمباني والمواقع والساحات بل وحتى التحف التاريخية بما فيها المدافع. بالنسبة لهؤلاء الذين لا يدركون فداحة الجرم الذي يرتكبونه بالتطاول على معالم ومواقع تاريخية ذات قيمة حضارية وعلمية وتغيير معالمها، يبقى الأساسي هو تحويل كل الضجيج المحيط بخصوصيات مدينة الصويرة إلى أرقام في أرصدتهم البنكية، وليأتي الطوفان. في صمت يغتصبون هذه السيدة الجميلة، ينتهكون حرمتها، يقطعونها ككعكة في عيد قضاء المآرب... وهؤلاء هم أخطر فئات "البوالة"، يدوسون على قيمة التراث الإنساني بقوة المال والجاه والنفوذ. يمتهنونه، يستهلكونه ، وبالتالي فهم أحقر ، وأخطر «المتبولين» على التاريخ.