تجتمع نساء دوار الجامع ينتظرن دورهن في تلقيح أبنائهن الرضع بمركز صحي، وحولهن تحوم رائحة كريهة، تحملها الرياح من حفرة للمياه العادمة (الواد الواقف) تجاور هذه المؤسسة الصحية. وعلى الطريق الوطنية رقم 8 تصادفك مجار للمياه تتسرب من حفرة أخرى على حدود دوار الزهور (فلانسوا سابقا)، وتغزو حقولا زراعية ومشاتل للأشجار والنباتات، فتكتشف أن ما تم التوقيع عليه محليا (2008) وجهويا (2010) وأمام ملك البلاد (2013) كبرنامج لهيكلة 27 دوارا بعمالة مراكش بغلاف مالي يقدر 716.17 مليون درهم تبخر وأضحى مجرد مشاريع وهمية، بعدما كان سقف تحقيق مضامين الاتفاقية هو سنة 2015. "من الخيمة خرج مايل" "مشروع هيكلة الدواوير "من الخيمة خرج مايل"، فالحفر التي وضعت لم تكن الحل المناسب، ودراستها لا تمت إلى العقل بصلة، ونتائجها كانت وخيمة على البشر والأشجار"، يحكي مولاي الطاهر بلي رئيس جمعية "التضامن" بدوار الجامع. وأضاف أن "مشكل المياه العادمة بنيوي في عدة دواوير بجماعة سعادة (ما يفوق 6000 نسمة)، ولم يتم حله إلى حدود الآن، أولا لأن حفر الصرف الصحي هذه وضعت إلى جوار مجاري التساقطات المطرية، مما يخلق معاناة للسكنى حين تفيض عليهم مراحيض منازلهم، وتهجم عليهم الفيضانات الملوثة بمخلفات المراحيض". وتابع قائلا: "كل ما تقوم به الجماعة كجهة مسؤولة يتوقف عند الحلول الترقيعية، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بما أنها لا ترفع الضرر عن السكان، فهذه الحفر تصير مستقرا للحشرات خلال فصل الصيف والروائح الكريهة التي تسبب لنا أمراضا عدة كضيق التنفس". واستطرد قائلا: "نعاني من غياب قناة للصرف الصحي، وربط حفر الدواوير بمحطة لتصفية المياه العادمة بحي الآفاق لم ير النور إلى حدود الآن، مما يجعل المياه العادمة تصب في المقبرة وخلف المستوصف الصحي، علما أن هذا الدوار كان ضمن دواوير من المفروض أن تستفيد من الاتفاقية التي وقعت أمام ملك البلاد سنة 2013". أما دوار الزهور فمعاناته لا تختلف في شيء عن معاناة دوار الجامع، فمياه الصرف الصحي أخذت تصاحب السيارات والشاحنات وحافلات النقل السياحي، التي تتخذ من الطريق الوطنية رقم 8 مسلكا لها في طريقها إلى مدينة أكادير ومدن الصحراء. عبد اللطيف حمود الذي يقطن دوار الزهور، أوضح في تصريح لهسبريس أن "مشروع الحفر فاشل منذ ولادته، لأنه لم يربط بمحطة الآفاق التي تعتبر هي الأخرى حلا مؤقتا في انتظار ربط قنوات الصرف الصحي لدواوير الجماعة القروية سعادة بالشبكة الرئيسية للوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بمراكش RADEMA". مشاتل وضيعات ملوثة ولم يخرج تصريح الفلاح حميد بدرة عما جاء على لسان السكان المتضررين، لأن المياه العادمة، التي غزت الضيعة التي يشتغل بها، "تسببت في خسائر لهذه الضيعة، إذ لم تعد منتوجاتها تلقى الإقبال ذاته الذي كانت تعرفه سابقا"، يقول هذا المتضرر، الذي أكد أن "جريان مياه الصرف الصحي بجوار الحقول والضيعات الفلاحية أصبح وصمة عار لأنه يثير شكوك الزبناء". وتابع قائلا: "بالقرب من مشتلنا توجد حفرة للمياه العادمة، تفيض بعدما تمتلئ وتنتشر في مناطق عدة بضيعتنا"، مشيرا إلى أن "سكان الضيعة والعمال يعانون من انتشار الحشرات والروائح الكريهة". وأضاف بصوت يعكس حجم المأساة "منينا بخسائر كبيرة لأن منتجاتنا لم يعد يشتريها أحدا". الحفر حل مر "مشكل الحفر خطأ كنا سنعمل على إيقافه لكنها كانت حلا مؤقتا"، بهذه الطريقة التي تجنبت لغة الخشب، اختار أحمد الطالبي، رئيس الجماعة القروية سعادة، أن يجيب عن أسئلة نقلتها إليه هسبريس، مضيفا أن هذه الحفر "حل مرحلي في انتظار تدخل الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بمراكش، لأن مؤسسة العمران كحامل لمشروع التأهيل لم تنته بعد من الأشغال، ولذلك لم نسلمها شهادة التسليم". وفي انتظار "هذا الحل النهائي نعمل حاليا على إفراغ الحفر بإمكانياتنا الخاصة، دون مساعدة أحد، لأن معظم الشركاء تخلوا عن الجماعة في هذا المشروع، ورغم مجهودات الجماعة يبقى تدخلنا خجولا مقارنة بمعاناة السكان"، يضيف المسؤول الجماعي. وأكد الطالبي أن "حل حفر دوار بوسحاب تعترضه مشكلة عقارية، أما دوار الزهور فقد تم الانتهاء من ربط كل منازله بقنوات الصرف الصحي"، مشيرا إلى أن "حي الآفاق شبه الحضري هو الآخر يعاني من تأخر وبطأ أشغال تأهيل قنوات الصرف الصحي وتبليط الأزقة وإعادة بناء بعض الطرق". ولأن تأخر تنزيل الاتفاقية الجهوية، التي خصصت لتأهيل هذه الدواوير غلافا ماليا قدر بمليارين و200 مليون سنتيم، أثار استياء سكان الجماعة القروية سعادة، وتذمر الحقوقيين، فقد أدى ذلك إلى وضع شكاية بهذا الخصوص، يقول صابر عدراوي، حقوقي من أبناء هذه المنطقة التي تعاني من التهميش والإقصاء الاجتماعي. وتابع قائلا: "من المعلوم أن فرقة الجرائم المالية التابعة للشرطة القضائية بمراكش سبق لها أن استمعت إلي في محضر قانوني، بعدما تلقت تعليمات من الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف خلال شهر يوليوز 2018 حول برنامج اعادة هيكلة الدواوير، لكن إلى حدود الآن لم تظهر مخرجات هذا التحقيق إلى الوجود". وطالب هذا الفاعل الحقوقي "بالكشف عن مصير التحقيق في الشكاية السابقة حول دوار بوسحاب، وبرنامج تأهيل 27 دوارا، وإخبار الرأي العام بمآل البحث الذي فتحته النيابة العامة لمعرفة أسباب تعثر مشروع الهيكلة، الذي تحول بقدرة قادر إلى مجرد برنامج تأهيل، بميزانية ضخمة نتساءل عن مصيرها"، مؤكدا على ضرورة "تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات القانونية اللازمة، حرصا على حماية المرفق العمومي والمال العام، وقواعد الشفافية والمسؤولية". وختم العدراوي تصريحه لهسبريس بالمطالبة ب"رفع التهميش والحيف عن المنطقة عبر وضع برنامج تنموي حقيقي يستجيب لحاجيات الساكنة، وبرنامج متكامل بمواصفات ومعايير جديدة تراعي توفير الجودة، من خلال بناء محطة معالجة المياه العادمة، وجمع النفايات الصلبة، وتزويد الدواوير بالماء الصالح للشرب، والإنارة العمومية، بعيدا عن الوعود الكاذبة والمشاريع الوهمية، التي غالبا ما تساهم في تعميق تخلف المنطقة وتهميشها". حل بتكلفة أقل خلص المركز الألماني الدولي للهجرة والتنمية إلى أن محطات المعالجة اللامركزية الصغيرة والمتوسطة للمياه الناتجة عن استهلاك التجمعات ما دون 10 آلاف نسمة، بما في ذلك البيوت والفنادق والمؤسسات الصناعية والحرفية المنفردة، تعتبر حلا ناجعا للجماعات والمدن الصغيرة، في مواجهة ارتفاع تكاليف المحطات المركزية وتركيز التخطيط على المدن. وترى نعمى شريف، خبيرة معالجة المياه التي تعمل مع المركز الألماني الدولي للهجرة والتنمية، في هذه المحطات الحل الأمثل لميزاتها الكثيرة "كالمعالجة البيولوجية الطبيعية وشبه الطبيعية للمياه العادمة وتنقيتها بطرق بسيطة وموارد محلية كالرمال والبحص (الحصى الصغير)، التي تعمل على شكل مصفاة طبيعية للمعالجة واستخدام النباتات المائية والبكتيريا أيضا لمعالجة مياه الصرف الصحي، الأمر الذي يوفر في استهلاك الطاقة ويخفّض تكاليف التشغيل". وبدأت محطات المعالجة اللامركزية التي تعد ألمانيا رائدة في تكنولوجيا استخدامها تأخذ طريقها إلى بعض قرى بالبلدان العربية مثل الأردن وتونس ومصر والمغرب، الذي يستثمر هذه الطريقة بمحطتي خنيفرة وقلعة مكونة.