في سنة 2005، أُحدِثت محطة التطهير السائل بمدينة بيوكرى، في الملك المسمى "تكانت أوكرام"، تستقبل المياه العادمة الناتجة عن الاستعمالات المتعدّدة، وهو مشروع أنجز بشراكة مع البنك الألماني، ووزارة الداخلية، وبلدية بيوكرى، بتكلفة مالية تجاوزت 40 مليون درهم. غير أنه وإن كانت المحطة قد جنّبت المدينة أخطارا مُحدقة، بسبب اعتماد الساكنة في السابق على "المطمورات" للتخلص من مختلف المياه المستعملة منزليا "المياه العادمة"، فإنها ظلّت ولسنين تزيد جرعات المعاناة بالنسبة إلى أحياء ودواوير مجاورة، وأضحت مثار قلق إيكولوجي وبيئي بالمنطقة. فإذا كان الهدف الأساسي من مثل هذه المشاريع يكمن في تجميع ومعالجة المياه العادمة، من أجل منح الساكنة إطار عيش أفضل في بيئة نظيفة وسليمة، فإن الأحواض العارية وتشكل برك من هذه المياه الآسنة خارج المحطة في فضاءات طبيعية، أضحى يُنغّص عيش السكان المجاورين، لكن الأخطر من كل ذلك، تلويث مياه يستعملها قاطنون بدواوير محاذية للمحطة في الشرب؛ ما يجعل صحتهم في خطر، ودفع بجمعيات محلية إلى دق ناقوس الخطر من غير أن تلقى آذانا صاغية. عبد الإله تاكري، من ساكنة حي "ماعلا" بمدينة بيوكرى عضو بجمعية الوفاء للتنمية، التي تمثل ثلاثة دواوير محاذية لمحطة التطهير السائل، هي دواوير تلحاج، تملالين ومعلا، كشف، في حديث مع هسبريس، أن محطة التجميع لا تستوعب كميات المياه المتدفقة عليها، خصوصا في فترة التساقطات. ويرتفع منسوب المياه المتدفقة إلى المحطة بفعل تصريف مياه الأمطار لمختلف أزقة وشوارع مدينة بيوكرى التي لا تدخل أصلا ضمن اختصاص هذه المحطة المعدة فقط لمياه الصرف الصحي، فتُضَخُّ هذه المياه خارج أحواض المحطة دون معالجتها. "كل ذلك يؤدّي إلى تشكّل مستنقعات للمياه العادمة، خارجة عن برنامج المعالجة في الأحواض، بل يتم تصريفها في الخلاء خارج أسوار المحطة، فتغمر مساحات شاسعة من الغابة وبعض المسالك المؤدية إلى الدواوير المجاورة"، يقول المتحدّث. وأردف أن "هذه المياه العادمة تتحول إلى برك آسنة لشهور طويلة، وأحيانا على مدار السنة، فتصبح بذلك بؤرة لانتشار البعوض والأمراض، ناهيك عن الرائحة الكريهة التي تنبعث منها باستمرار، ومع كل ارتفاع في درجة الحرارة بدء من شهر مارس من كل سنة، تتحول الرائحة الكريهة والانتشار الكثيف للبعوض إلى كابوس مزعج يقض مضجع السكان". وقال الفاعل الجمعوي ذاته إن الساكنة تعيش في وضع مقلق جدا، "تصبح معه الحياة قرب المحطة التي لا يفصلنا عنها إلا بضعة أمتار أمرا مستحيلا، ويصبح فيه موضوع البعوض حديث كل السكان. وتابع "حماية أنفسنا وأولادنا منه تظل الشغل الشاغل للعائلات التي تهاجمها أسراب من هذه الحشرات التي تُخلف لسعاتها انتفاخا في الوجه والأطراف، سرعان ما يتضاعف بعضها ليتحول إلى ما يشبه جروحا مكلفة العلاج، خصوصا لدى الأطفال، وكانت جمعيات المجتمع المدني بالمنطقة قد راسلت مختلف الإدارات المعنية تطالبها بالتدخل لوضع حل جذري لهذا المشكل المتكرر والمتواصل"، وفق تعبيره. وفي جانب آخر، اعتبرت شكايات لتسعة دواوير بالجماعة الترابية واد الصفا، التي تتواجد بمحيط محطة التطهير السائل، أنه منذ سنة 2007، وساكنة تلك الدواوير تعاني الأمرين بسبب مشروع محطة تجميع مياه الصرف الصحي، "الذي أنجزته جماعة بيوكرى خارج حدودها، وفي مكان مخالف لما جاء في الدراسات الأولية، التي حدّدت مكانه على بعد 7 كيلومترات خارج المدينة، غير أنه عند تنزيل المشروع، تم إنجازه على بعد 800 متر من مقر عمالة الإقليم، فابتدأ المشروع بسلسة من المخالفات الحقوقية والبيئية". ومن هذه المخالفات، وفقا للشكايات التي اطلعت عليها هسبريس، حفر أحواض ضخمة للمياه العادمة قرب التجمعات السكنية، دون اكتراث لصحة وسلامة السكان الذين تمت "إهانة كرامتهم وأعرافهم، حيث جرى خرق سافر للمادة 55 من القانون رقم 10.55 المتعلق بالماء". واعتبرت الشكايات أن ما يُثير غضب المتضررين من التأثيرات السلبية لهذا المشروع، "كونه الوحيد ضمن 31 محطة على الصعيد الوطني الذي استخدمت فيه تقنية تسريب المياه العادمة للفرشة المائية، الشيء الذي يُهدد مباشرة صحة المواطنين". واستدل موقعو الوثيقة، التي رفض ديوان عامل إقليم اشتوكة آيت باها تسلمها عبر مفوض قضائي، بالجذاذة التقنية التي أصدرها مكتب اليونسكو في غشت 2008 بالرباط، والتي "تبين أن جميع المحطات المنجزة وطنيا ما بين سنتي 2004 و2008 تعمل بتقنية الأحواض الطبيعية، باستثناء محطة بيوكرى التي تعمل بنظام الترشيح، على الرغم من اعتبارها الوحيدة المنجزة وسط مجموعة من الدواوير الآهلة بالسكان، ووسط فضاء غابوي غني بشجر الأركان، والعديد من الآبار الي تُستعمل في جلب المياه المستعملة للشرب". وعبرت الجمعيات المتضررة من هذا الوضع عن امتعاضها و"عدم رضاها عن الطرق الملتوية التي تمر بها الأبحاث العمومية في إطار هذه القضية، حيث في كل مرة يتم إقصاء جماعة وادي الصفا ومجتمعها المدني، رغم كونهم متضررين من الدرجة الأولى، وبات جليا أنه ومع انعدام أية مراقبة حقيقية للمعايير الفيزيائية والكيماوية والبيولوجية والبكتيريولوجية لهذه الأحواض، طبقا لما نصت عليه المادة 56 من القانون المتعلق بالماء، فإننا أمام معضلة حقيقية". وعادت الهيآت المدنية إلى جرد الأضرار المنغّصة لعيش ساكنة المناطق المجاورة للمحطة سالفة الذكر، مبرزة أن "هذه الآفة لم تمس الفرشة المائية فحسب، بل تجاوزتها إلى معاناة يومية، تتجلى في الروائح الكريهة، جحافل الناموس على مدار السنة". وزادات أيضا "عدم احترام حرمة المقبرة الرئيسة لقبيلة إداومحند، إلحاق الأضرار بالأراضي المجاورة نتيجة انسياب المياه العادمة بعد امتلاء الأحواض، الاستيلاء على بقعة أرضية في ملكية القبيلة رغم أهميتها في أعراف سكان المنطقة، فضلا عن تدمير وإلحاق الضرر ب12 هكتارا من شجر الأركان المحمي وطنيا ودوليا". وأمام حجم "التأثيرات والتجاوزات والمخالفات والمعاناة"، لا سيما بعد إخضاع عينات من الماء المستعمل لأغراض الشرب، وهو المشروع الذي تسيّره جمعية التعاون، لتحاليل مخبرية، أثبتت حملها لبكتيريا معوية تجعل من هذه المياه غير صالحة للشرب. وفي غياب أي تجاوب من السلطات المحلية باشتوكة آيت باها من أجل رفع الضرر، خصوصا بعد مواصلة الساكنة تناولها لمياه ملوثة، انخرط أبناء المنطقة من الجالية المغربية بأوروبا في جمع توقيعات الهدف منها "مساءلة الشركاء الألمان عن الدافع وراء تورطهم في هذه الإساءة الإنسانية والبيئة، والمطالبة برفع الضرر كليا عن الساكنة والبيئة، وإعادة منتزه ومتنفس القبيلة إلى ما كان عليه قبل إنجاز المشروع الفاشل". الحسين فارسي، رئيس الجماعة الترابية لبيوكرى، قال في تصريح لهسبريس إن جماعته، بشراكة مع المصالح المعنية بالتطهير السائل، "أعدت مشروعا لتهيئة المحطة، تبلغ تكلفته الإجمالية 3 ملايير سنتيم ونصف، سيهم تغطية الأحواض وربطها بشبكة التطهير بمنطقة القليعة عبر قنوات الصرف الصحي، ومنها إلى وادي سوس"، مضيفا: "من المرتقب إنهاء إنجاز المشروع في سنة 2019". وأورد المسؤول الجماعي ذاته أنه "بهذا المشروع، سيتم تجاوز كل المشاكل والتأثيرات الحالية لهذه المحطة، سواء انتشار الروائح أو التأثير على المجال البيئي والفرشة المائية بالدواوير المجاورة لها، حيث ستستعمل تقنيات جد متقدمة في معالجة المياه العادمة وتصريفها صوب قنوات الصرف الصحي، التي ستلتقي مع مشروع مماثل في جماعة القليعة، التابعة لإنزكان آيت ملول؛ وبذلك سيتم وضع حد لمعاناة الساكنة المتضررة"، على حدّ تعبير الحسين فارسي.