كشفت الإحصائيات الحديثة لوزارة العدل المغربية ارتفاع حالات الطلاق بالمغرب إلى مئة ألف حالة سنة 2018 وكثرةُ الطلاق يعني أن الأسر المغربية تعيش كارثة اجتماعية مقلقة، مردها إلى أسباب متعددة: الهشاشة والفقر والفتور العاطفي وفقدان المشاعر بين الزوجين، والغضب وسرعة الانفعال، وضعف الوازع الديني والخيانة الزوجية وضعف شخصية الزوج.. إلخ. غير أني أرى أن هذه الأسباب وإن كانت فعلا كلها تُشكل مُعضلة تعصف بكثير من البيوت، إلا أن تدخل العائلة في شُؤون الحياة الزوجية تبقى العامل الأكبر في الطلاق، حيث أوضح مختصون أن ثلاثين بالمئة من حالات الطلاق أو أكثر تتم بالتدخل المُبالغ فيه من قِبل عائلتي الزوجين في حياتهما الخاصة، وخاصة والدة الزوج / الحماة _ على أن ما يقال في والدة الزوج قد يكون واقعيا أيضا في والدة الزوجة _ وشقيقاته، اللاتي يحاولن دائما أن يحرضنه على زوجته. تحريض الأم ابنها على زوجته، قد نقبله من جهة، لدوافع ينبغي على الزوجة أن تتفهمها وتتعامل معها بلطف لكونها تنظر إليها: من باب الغيرة أومن باب الحسد أومن باب الفضول أو تأثرا بالإعلام الفاسد.. ومن جهة أخرى نقبل الأم ونقبل تدخلاتها لأنها في سن الضعف والحاجة والافتقار إلى اليد الحانية والقلب والعاطفة والمعاملة الجميلة، والأهم من كل ما ذكر وصاية الله لنا ببرهما (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا..) كما أوصى بهما نبينا الكريم عندما سئل عن أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها. قيل: ثم أي؟ قال: الوالدين.." والأمثلة على ذلك كثيرة الوالدان بركة الحياة، وطاعتهما فرض على كل إنسان ما دام الأمر في الحلال. أما زوجة ولدهما_بنت الناس_ فليس لوالد الزوج أو والدته أو أخواته الحق عليها في أن يجبروها على فعل شيء قل أو كثر، أما خدمتها للوالدين فتبقى إحسانا منها، وإرضاء لله، وتقربا من زوجها، وليس من باب الإجبار. تحريض الأم، قد نقبله على علاته، ولأسباب ذكرناها آنفا، لكن تدخل العائلة وخصوصا الأخت الكبيرة التي تنحاز لها الأم، مستغلة ضعفها، فتشكل هي مع أخواتها البنات فريقا ضد زوجة أخيهن، فيبدأن في انتقادهن الدائم لها ولشغلها في البيت، وفرض سيطرتهن وأرائهن عليها، والتقليل من شأنها، معتقدات أن زوجة أخيهن خادمة عندهن بل "مِلك" لهن وهي مجبورة على خدمتهن. والمؤسف جدا، قد يجدن دعما قويا من أخيهن_ أصلحه الله _ ضدا في زوجته، وخاصة إذا كان الزوج ضعيفا لا شخصية له فينصت لهن مُنصاعا تماما، ولا يستطيع رفض أو إهمال رأي لهن، ويسمح لهن باقتحام حياته، وبالتالي يتأثر بكلامهن _معذور مسكين _ لطول الدوي/ الزن في الأذن كما ورد في مسرحية اللحن الجديد لتوفيق الحكيم_ فيعمل على طلاقها بكل بُرودة دم مُتبعا نصائح أمه من باب البِر، ومصغيا لشقيقاته من باب الأخوة. وضاربا عرض الحائط حقوق زوجته الشرعية والثابتة عليه (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) وقوله عليه الصلاة والسلام (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم) ومن واجب الزوج أن يكرم زوجته لأن إكرامها دليل الشخصية المتكاملة، ولا يهنها لأن إهانتها علامة على الخسة واللوم" ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم". اعلم أيها الزوج، إذا أمرتك أمك بطلاق زوجتك من غير داع شرعي ولحاجة شخصية، فقد أجمعت اللجن الدائمة للإفتاء بإمساك زوجتك، والإبقاء على الحياة الزوجية معها، فلا يلزمك طلاقها طاعة لوالدتك لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الطاعة في المعروف). وقال شيخ الإسلام فيمن تأمره أمه بطلاق امرأته؟ قال: لا يحل له أن يطلقها، بل عليه أن يبرها وليس تطليق امرأته من برها. أما إذا كان الزوج عاقلا / واعيا بمسؤوليته الزوجية، ووقف يوما للدفاع عن الحق في مشكلة من المشكلات التي قد تحدث بين زوجته، وشقيقاته، وانتصر لزوجته _ معتقدات أنه منحاز لها _ فالمصيبة أكبر، لأن الأخت الكبيرة ومن خلفها أخواتها الصغار لن تسكت عنه، ومن هنا ستبدأ معركة جديدة على الزوج ويصبح هو الآخر من المغضوب عليهم، لأن الأخت الكبيرة قالت، كما قال الشاعر العربي: إذا قالت حذام فصدقوها // فالقول ما قالته حذام مستغلات عاطفة وضعف وسن أمهن بدمعتين ساخنتين من دموع التماسيح، ومن هنا تدخل الأم _ مجلس الأمن _ مستخدمة حق الفيتو _ السخط _ دون علمها بخطورة ذلك، وغير آبهة بنهاية ما سيحصل، فتجدها منحازة لبناتها حتى ولو كان ولدها على حق، ناسين أو متناسين أن الإفساد بين الزوجين أو الفصل بينهما من أكبر الذنوب لما يترتب عليه من هدم للأسرة وتهديد لاستقرار المجتمع.. وناسين أو متجاهلين أن العلاقة الزوجية رابطة قوية وميثاق غليظ، فمن يحاول قطع هذا الميثاق أو يفسده يعتبره الإسلام من المفسدين في الأرض ويتسببون في هدم الأسرة وضياع أبنائها قال تعالى: "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة" المفسد بين الزوجين ضعيف الإيمان، قليل المروءة، ظالم لنفسه، معتد على غيره، محقق لمراد الشيطان، والله سائله يوم القيامة عن جرمه. في انتظار هذا اليوم، لا ينبغي أن ندع شقيقات الأخ _أو شقيقات الأخت أو أي كان_ يتمادين في ظلمهن، واعتدائهن على زوجة أخيهن، بل يجب ردعهن والوقوف في وجههن ونقول لهن: بأنكن ظالمات. وقد أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على تثبيت هذا الخلق في أمته، شروعا بأزواجه، أمهات المؤمنين رضي الله عنن ، فكان صلى الله عليه وسلم ينصر المظلومة منهن، ويتهلل وجهه الشريف، إذا انتصرت وانتصفت لنفسها بحق، وما ذاك إلا لفرحه صلى الله عليه وسلم، بإقامة أمر الله، الذي هو وجوب الانتصار من البغي والظلم بين المسلمين، بدءا من بيوته الشريفة صلى الله عليه وسلم، فقد روى النسائي وابن ماجة، بإسناد حسن، عن طريق التيمي، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:" دخلت على زينب بنت جحش، فسبتني، فردعها النبي صلى الله عليه وسلم فأبت، فقال لي: "سبها" فسببتها، حتى جف ريقها في فمها، فرأيت وجهه يتهلل". وقد جاء أسامة بن زيد مرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، موفدا من وجهاء المسلمين ليكلمه في شأن إحدى الشريفات، من بني مخزوم، كانت قد سرقت، وهي فاطمة المخزومية، ليسقط عنها الحد، إكراما لقومها، وتألفا لهم، انطلاقا من مراعاة الواقع، وعدم إغضاب عصبتها، بل تقريبهم... فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى احمر وجهه، ثم قال: "أتشفع في حد من حدود الله؟ إنما أهلك من كان قبلكم، أنهم كانوا، إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف، أقاموا عليه الحد.. وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها". إن أبسط تأمل في واقعنا المعاصر، يوقفنا على كون هذه المعاني قد غابت بشكل كبير من حياتنا، فمرج أمرنا، وشاع البغي والظلم بيننا، وقبل ذلك بدعوى السماحة، وبدعوى الواقعية، وبدعوى "حشومة"، وبدعوى الأخوة.. فالسارق سارق، ظالم للمجتمع، وجب أن ينتصر له منه، والزاني ظالم للمجتمع، وجب أن ينتصر له منه، وشقيقات الأخ المتزوج ظالمات لزوجة أخيهن، وجب أن ينتصر لها منهن. وقس على ذلك، والحق أحق أن يتبع وأولى أن يستمع، وحدود الله يجب أن تقام حتى تجمع الناس وتحفظ أمنهم ومجتمعاتهم، من الطلاق والضياع والتفسخ فهي_ بالإضافة إلى الأخلاق المؤصلة_ ضمان أمنهم، وحماية كيانهم. فالحياة الزوجية إذن حياة خاصة، يجب احترام قدسيتها ومراعاة حرمتها، وتوقيرها بحيث لا يسمح لأحد بتدميرها أو التدخل فيها حتى لو كان من المقربين ك" الأم/ الحماة "، على أن ما يقال في والدة الزوج قد يكون واقعيا أيضا في والدة الزوجة. ذلكم هو حال أسرنا نعالجه بالوصف والكلام، عسى الله أن يقيض له من يعالجه بالعمل والتطبيق.