أخد التقدم في المجتمع منحى عكسيا ومغايرا لما كان ينتظر منه، بحيث تراجعت القيم التي تولت الحفاظ على الصحة النفسية للأفراد لعقود من الزمن وصارت العدمية تحرك العقول والطمع في امتلاك الحقيقة المزيفة تَمكن من التفكير، كل هذا تجلى في شكل الجريمة، الذي لم يعد بسيطا كما كنا نعلمه، سرقة وقتل بل أخذت شكلا يميل إلى الشذوذ في ارتكابها وما محاولة إخفاء معالمها بطريقة لم نكن نسمع عنها إلا في أفلام "هيتشكوك"، إلا نتيجة لتغير طريقة التفكير في رؤية الفرد لنفسه أمام الأفراد الآخرين المكون الأساسي للأسرة. النصف الأول للأسرة، الأب يأخذ ابنه لتنفيذ الخطة والزوجة تستنفد كل قواها لتخنق الطفل الصغير غير آبهة بصرخاته وجسده النحيل، لم تفكر ولو للحظة، أنه لا توجد جريمة كاملة وأنها ستلقى عقابها ومهما ظلت بعيدة عن الأنظار، ستقع في فخ نصبته لنفسها والأب الذي من الواجب عليه أن يحمي ابنه من ويلات الزمن، لكي يتخلص من النفقة، ينهي حياة ابنه بهمجية ووحشية، الحيوانات لا ترتكبها في أبنائها وهل سمعنا يوما بأسد افترس ابنه؟. الطبيعة تفرز مجموعات متجانسة في الأفكار وفي التعامل وفي طريقة العيش لكن عندما يتعلق الأمر بالإنسان، نكون أمام حالة استثنائية، الديانات لم تستطع ترويضه ولا القوانين الوضعية تمكنت من جعله يتراجع عن أفكاره الشاذة. دوما ارتبطت العفة والحنان بالمرأة ونادت الجمعيات الحقوقية الوطنية والدولية المختصة في ملفي المرأة والطفل بإنصافها والاعتراف بها كفاعل قوي في المجتمع وأنها البوصلة التي توصل الأبناء إلى بر الأمان، تؤمن لهم حاجاتهم العاطفية، فتشعرهم بالمحبة وبالتالي يكون عطاؤهم أكثر لكن ما يحدث اليوم، يوجب إعادة النظر إلى الأدوار التي يلعبها كل الأطراف في تربية الأطفال من أب وأم ومدرسة وجمعيات مدنية ويجب التركيز خاصة عن كل مسكوت عنه من طابوهات. المجتمعات تقدمت تكنولوجيا وتغيرت المفاهيم، ما كان ممنوعا صار في الوقت الراهن من الممكن الحصول عليه بأقل تكلفة، بالمقابل تراجعت الروابط الأسرية ولم يعد الأبناء يخافون من سلطة الأب ولا يحترمون أمهاتهم وبالمقابل كذلك تغيرت الجريمة في حق الأصول وتطورت في بشاعتها، لدرجة صار من الصعب تكييفها وتقبلها في مجتمع محافظ مسلم وكل ما يحدث في هذا النسيج المجتمعي يؤثر سلبا على مكانة المغرب اقتصاديا واجتماعيا وكيف لا؟ والمملكة المغربية شريك رئيسي لدول الشمال بالدرجة الأولى وللدول الأمريكية والآسوية. لا أحد سينكر، أنه صار لزاما أن نقف جميعا سواء أفراد عزل أو نخب جمعوية أو نخب حزبية أو حكومة في في مسيرة تضامنية، تدعو إلى التكافل وإعادة الاعتبار للأسرة المغربية، ليس مهما إن نتطرق إلى العقوبة التي يستحقها الشريكان في قتل طفل ذي سبع سنوات والتنكيل بجثته، وهل يستحقان السجن المؤبد أم عقوبة الإعدام؟، فذاك من اختصاص السلطة القضائية ومهما سيكون الحكم، فهو غير كاف ويستحقان الأكثر منه لكن ما هو آن ومستعجل، هو أن نتمكن من الحيلولة دون إعادة الفعل الإجرامي نفسه وذلك من خلال تآزر جميع مكونات المجتمع السابق ذكرها وعلاج المشكل من أصله، لأننا صرنا نعيش اضطرابات نفسية خطيرة وإن تساءلنا من سيؤدي ثمنها؟ سيكون الجواب، الجيل القادم وهم أبناؤنا وبناتنا والأجيال التي ستليهم. أخيرا وليس آخرا، إن توافرت الإرادة الحقيقة في الحفاظ على لحمة مجتمعنا المغربي وأعدنا التوازن النفسي الذي يعيشه الأطفال داخل الأسرة المتفككة عاطفيا أكثر من تفككها ماديا وأعطينا الأولوية للجانب الاقتصادي، بتوفير الشغل والحد من البطالة، سنتمكن من إنقاذ نسبة أكثر من خمسين في المائة من الاضطرابات النفسية والاجتماعية للأفراد مما سيدفع بعجلة التنمية إلى اتخاذ مجرى أسرع مما هي عليه الآن، فتموقع المغرب بعد عشرين سنة أمام الدول المغاربية والغربية في درجة متقدمة لن يأتي بنتائج إيجابية إلا إذا تم القيام بدراسة مستفيضة للمجتمع المغربي من جميع الجوانب الاجتماعية، النفسية، السياسية والاقتصادية.