ظهرت فصول جديدة في قضية "مزاعم التجسّس على ناشطين حقوقيّين وصحافيّين مغاربة عبر برمجية إسرائيلية"، بعد إعلان بوبكر الجامعي، صحافي مغربي وأستاذ جامعي، تواصلَ شركة "واتساب" والمختبر الكندي "سيتيزِن لاب" معه، حول "استهداف هاتفِه ببرنامج التجسّس "بيكاسيس"، الذي تُنتِجُه الشركة الإسرائيلية "إن إس أو". ويضاف ملفّ بوبكر الجامعي إلى مجموعة من الناشطين الحقوقيّين والسياسيين والصحافيين المغاربة الذين أعلنوا ابتداء من شهر أكتوبر الماضي توصّلهم برسائل من منظّمة العفو الدّولية، وشركة "واتساب"، حول "استهدافهم باستخدام برامج التجسّس الخبيثة التابعة لمجموعة (إن إس أو) الإسرائيلية". وسبق أن أعلن بيان مشترك إخبار مجموعة من الحقوقيّين المغاربة بتعرّضهم للاختراق عبر برمجية إسرائيلية الصّنع، هم: الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني، والأستاذ الجامعي رئيس جمعية "الحرية الآن" المعطي منجب، وعضوَي الأمانة العامة للدائرة السياسية للعدل والإحسان حسن بناجح وأبو الشتاء مساعف، وعبد اللطيف الحماموشي، صحافي عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ورئيس الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان عبد الواحد متوكل، ومسؤول علاقاتها الخارجية محمد حمداوي. وقال بوبكر الجامعي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إنّه تخلّص من هاتفه واقتنى هاتفا جديدا، بناء على نصيحة من الجهات التي تواصلت معه، مضيفا أنّ المجموعة التي أعلنَت التواصل معها بشأن تعرّضها للاختراق لا تضمّ كلّ من تمّ التواصل معهم؛ مستحضرا اسما، لم يفصح عنه، اتّصلت به شركة "واتساب" ولا يريد الإدلاء بهويّته. وذكر الصّحافي المغربي أنّ هناك أنواعا أخرى للاختراق، وأنّه لا يمكن الاستنتاج، انطلاقا من اللائحة الموجودة حاليا، أنّ من فيها هم المتابَعون الوحيدون من طرف الأجهزة التي تستعمل برامج التجسّس هاته، لأن هناك الكثير من المعارضين الذين اختُرِقَت هواتفهم بطريقة أخرى؛ فبرمجية "بيكاسيس" ليست هي الوسيلة الوحيدة، رغم أنّها تُعتبَر الوسيلة الأنجع. ووضّح الجامعي أنّ أهمّية "بيكاسيس" تكمن في وجوده داخل الهاتف، ما لا يبقي إشكال براعة "واتساب" و"سيغنال" في حماية التّواصل، لأن الهاتف يكون في حدّ ذاته غير محميّ، ومخترَقا. وهذا ما أكّد إثره الصّحافي المغربي أنّ الأشخاص الموجودَة أسماؤهم ضمن لائحة من تعرّضوا للاختراق يفكّرون في وسيلة قضائية لحلّ هذا المشكِل، ومعرفة من أين أتى. وبيّن بوبكر الجامعي أنّ التّعليل الذي تبيع به شركة "إن إس أو" الإسرائيلية هذه البرامج للأجهزة هو محاربة الإرهاب والإجرام، وهو ما يسهّل العملية، وأضاف: "نترك جانبا مسألة العلاقة مع إسرائيل؛ لأن هذه البرامج تُعتَبَر أسلحة إلكترونية، ولا يمكن أن تبيعها شركة إسرائيلية دون إذْن من الدّولة الإسرائيلية؛ وبالتالي فبَيع هذه البرمجية للمغرب والسّعودية كان بإذن من السّلطات الإسرائيلية". وذكر المتحدّث أنّه لا ينفي أنّ هذه البرامج قد تستعمل في محاربة الإرهاب، ثم استدرك: "الإشكال أنّه يتبيّن الآن أنّ هذه البرامج تُستَعمل للتّجسس على أُناس سلميّين، وهو المشكل الذي دفع الشركة المصنّعة إلى إعلان أنّها ستقوم بتحرّيات، لتتأكّد أن برامِجها لا تُستعمل ضدّ الديمقراطيّين، وضدّ الحريات الفردية والجماعية". وشدّد مدير النّشر السابق لجريدَتَي "لوجورنال" و"الصحيفة" أنّ من يتحدّث عن وقوع تراجع حقوقي في المغرب يوحي بأنّنا عشنا فترة ازدهار ديمقراطي، وهو ما لم يحدث؛ فرغم أن اضطّهاد المعارضة لم يصل إلى ما حدث في سوريا واليمن فقد كان هناك منع، وأضاف: "حتى التّجسّس ليس جديدا، فقد كان هناك تجسُّسٌ من نوع آخر. المغرب الذي ليس دولة ديمقراطية، بل دولة سلطوية، يجدّد أسلحته لمحاربة معارضته، ويستعمل، مع الأسف، أدوات يجب أن يوظّفها ضدّ الإرهاب، والإجرام الحقيقيّ، ضدّ أناس يريدون الديمقراطية، والانفتاح". ويرى الجامعي أنّ النّقاش الحقيقي يجب أن يكون حول من يجب أن يتحكّم داخل الدّولة في الشرطة وغيرها، أو ما يسمّيه ماكس فيبر "العنف المشروع"، مذكّرا ب"نوع من الإجماع" كان في فترة الوزير الأوّل الأسبق عبد الرحمان اليوسفي حول أنّ الجيش والشّرطة وغيرهما يجب أن تتحكّم فيهم المَلَكيّة. وزاد الأستاذ الجامعي أنّ السّؤال المطروح هو: "هل فعلا يمكن أن نثق في المخزن ليستعمل هذه الأدوات لمحاربة الإجرام والإرهاب، وعندنا أدلّة أنّه يستعملها ضدّ من يريدون الحرّيّة للبلاد، والكرامة؟"، مضيفا أنّ موقفه هو أنّ "البلدان التي أفلحَت هي التي يتحكّم فيها الشّعب في "العنف المشروع"، عبر ممثّليه، عن طريق البرلمان، مع وجود أدوات للسِّرِّيَّة والأمن، تجعل من هم منتخبون ملزَمين بالسّرّيّة، ما يجعل من الممكن التّحكّم في هذه الأجهزة، عبر منتَخَبين حقيقيّين؛ أمّا إعطاء هذه الأسلحة لأُناس لا يُحاسبهم أحد فهذه نتيجته". تجدر الإشارة إلى أنّ شركة "واتساب" التابعة ل"فيسبوك" رفعت دعوى قضائية ضدّ شركة "إن إس أو" (NSO) الإسرائيلية التي تعمل في مجال المراقبة الإلكترونية، بتهمة اختراق منصّتها في وقت سابق من السنة الجارية 2019، لاستهداف صحافيين، ودبلوماسيين، وناشطين حقوقيين، وموظَّفين حكوميين كبار. كما نشرت منظّمة العفو الدولية (أمنستي)، في اليوم العاشر من شهر أكتوبر الماضي، ورقة تقول فيها إنّ هناك "استهدافا للمدافعين المغاربة عن حقوق الإنسان، باستخدام برامج التجسّس الخبيثة التابعة لمجموعة (إن إس أو) الإسرائيلية"، وقدّمت نموذجا بالناشطَين المعطي منجب، والمحامي المرافِع عن معتقلي حَراك الرّيف عبد الصادق البوشتاوي.