تُعد جماعة إنشادن، الواقعة في النفوذ الترابي لإقليم اشتوكة آيت باها، واحدة من الجماعات التي تمتاز بموقعها الإستراتيجي، بحكم وجودها في سهل اشتوكة، وقرب غالبية الدواوير المنتمية إليها من الطريق الوطنية رقم 1، الرابطة بين أكادير والجنوب، إلى جانب كونها تطل على واجهة بحرية ذات شواطئ واعدة على المحيط الأطلسي، فضلا عن احتضانها لعدد لا يُستهان به من الضيعات الفلاحية العصرية ومحطة لتحلية مياه البحر في طور الإنجاز؛ وهي كلها مؤهلات تجعل منها جماعة واعدة، غير أن بعض مظاهر التهميش ما زالت تجثم على مناحي التنمية بهذه الجماعة. تنفرد جماعة إنشادن بوجود ثلاثة مراكز رئيسية تابعة لنفوذها، وأخرى في طور التشكيل، وكلها على محور طرقي مهم، هو الطريق الوطنية رقم 1، فأربعاء آيت بوالطيب، تن منصور ومركز البويبات "قهوة الرومية"... هي مراكز لها تاريخ عريق، وشكّلت، في حقبة معينة، الملاذ الوحيد لساكنة الجماعة من أجل نيل خدمات إدارية واجتماعية واقتصادية، إذ ظلت صغيرة في مساحتها؛ لكن كبيرة في الخدمات التي تُقدمها، واليوم توسّعت هذه المراكز، وأضحت تجمعات سكانية وتجارية تعمر المكان؛ غير أن قطار التنمية لا يزال متأخرا في الوصول إلى هذه المراكز، التي تبدو جليا للزائر أن كل مظاهر التهميش والبؤس اجتمعت هنا. مقر جماعة إنشادن يوجد في مركز أربعاء آيت بوالطيب، إلى جانب مقر القيادة والمركز الصحي ومؤسسات بنكية وعدد من المقاهي ومحلات التجارة والجزارة وغير ذلك؛ لكن تجليات بؤس شديد لن تخفى على الداخل إلى هذا المركز: الكلاب الضالة تغزو المكان، احتلال صارخ للملك العام، سوق يومي تسوده الفوضى، إنارة عمومية ضعيفة، الأزبال تعم الأرجاء، تنظيم عشوائي لبعض الحرف والمهن، إذ فقط في هذا المركز تجد الحدّاد بجوار مقهى وبجانب جزار وصانع خبز تقليدي وبائع أسماك، هي عقود من الزمن والأمور بهذا المركز والمراكز الأخرى ترجع القهقرى. وفي تحليله لوجود مراكز تحتضن أنشطة تجارية وإدارية يقصدها سكان الدواوير والمداشر المكونة للجماعات، قال الفاعل الجمعوي عبد الله دكاير، ضمن تصريح لهسبريس، "في القرن الماضي، كانت أغلب الجماعات المحلية القروية، الجماعات الترابية حاليا، تتوفر على مركز وحيد، باعتباره عاصمة إدارية واقتصادية لكل جماعة، وكذا متنفسا ترفيهيا للساكنة.. ومع تزايد التجمعات السكانية التي يقطنها المواطنون الوافدون من أقاليم مجاورة وبعيدة والباحثون عن فرص شغل، ظهرت مراكز جديدة.. مثلا، في جماعة إنشادن الواقعة على الطريق الوطنية رقم 1 بين أكادير وتيزنيت، التي لها واجهة بحرية على المحيط الأطلسي؛ فقد عرفت آنذاك وجود مركز وحيد يسمى "مركز أربعاء أيت بوطيب"، الذي يضم مقر الجماعة ومستوصفا ومحلات تجارية ومقاه معدودة"، إذ ونظرا ل"وجود يد عاملة مهمة ونشيطة في الضيعات الفلاحية، طفت إلى السطح في العقدين الأخيرين مراكز جديدة ومتفرقة، كتن منصور والبويبات المركز (قهوة الرومية) والنواصر وأيت بايه، وكلها بدأت توفر بعض الحاجيات الضرورية للساكنة، وبهذا بدأ بعضها ينافس المركز الوحيد للجماعة، وهذه ظاهرة صحية تحتاج إلى إنصاف جميع المراكز الجديدة من حيث الاهتمام، مع التفكير في إحداث مركزين جديدين بتلقايد ودوار إنشادن، في إطار تقريب الحاجيات الضرورية إلى الساكنة وتخفيف عناء التنقل عنها". وحول الوضعية المتردية التي تجثم على هذه المراكز منذ أمد بعيد، أورد المتحدّث ذاته أن "ما يعاب على أغلب مراكز جماعة إنشادن هو نقص حادّ في التجهيزات الأساسية التي تقدم الخدمات الضرورية (مدارس، دور الشباب، ملاعب، فضاءات ترفيهية للأطفال، دور المسنين...)، وهذا ما يجعلنا نتساءل: إلى أي حد يمكن وضع إستراتيجية تنموية لمراكز الجماعة الترابية لإنشادن؟، والإجابة عن هذا السؤال يحتم علينا، أولا إبراز الإشكالات المادية والمؤسساتية والسياسية المطروحة". وفي هذا الصدد، أوضح الفاعل الجمعوي: "لا شك في أن أوضاع البوادي السوسية متخلفة جدا عن نظيرتها بالمدن، فأصبحت الهشاشة والفقر ملصقات بالمجال القروي.. وهذا ما يستلزم النهوض بأوضاع المراكز التنموية بتوفير إرادة سياسية ووعي النخبة المحلية، من خلال وضع إستراتيجية ورؤية تنموية واضحة لإخراج المراكز من التهميش والإقصاء. وهذا يتطلب إخراج مشروع مجتمعي تنموي محلي جديد قادر على الإجابة عن تساؤلات تنموية مطروحة بحدّة". وحسب وجهة نظر المتحدّث، يمكن أن يتحقق ذلك ب"حسن استغلال الإمكانات المادية والطبيعية والبشرية وموقع المراكز على الطريق الوطنية، عبر تشجيع الشباب على خلق مقاولات صغرى ومتوسطة، مع تمويل مشاريعهم ومصاحبتهم وتسهيل المساطر الإدارية وإشراكهم في المخطط التنموي الجماعاتي؛ لأن هذا الأخير يجب أن يتأسس على تأهيل وتهيئة جميع المراكز المتوفرة والمستقبلية". وتابع عبد الله دكاير: "المشروع المجتمعي التنموي الجديد، الذي نادى به عاهل البلاد في الكثير من خطبه، يقتضي تفاعلا متبادلا بين المنتخبين والفاعلين الجمعويين والشركاء الاقتصاديين مع السلطات المحلية والإقليمية والجهوية"، لأنه "في ظل استمرار أوضاع الهشاشة في المراكز الجماعاتية الناتجة عن سوء التدبير وغياب الديمقراطية وعزوف النخبة المحلية عن المشاركة في إنتاج القرارات التنموية ستزداد نسبة النزوح القروي نحو المدن المجاورة أو إلى مراكز الجماعات المجاورة"، وفق تعبير الفاعل الجمعوي سالف الذكر. تهيئة مراكز جماعة إنشادن والارتقاء بها هو حتما من اختصاص المجلس الجماعي، وبقاء تلك المراكز في حالة التردي والتقهقر انتقد بشأنه المتحدث هذه الجماعة، معتبرا أن "الجماعة الترابية تساهم في البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بترابها، بحيث يكون مجلسها المنتخب على علم بكل تغيير أو برمجة في تراب الجماعة. وهذا عكس ما يحدث لجماعة إنشادن، من خلال عدم تفاعل مجلسها مع مشاريع تنموية ضخمة اُستحدِتث فوق ترابها، وهذا ما يجعل الساكنة تتساءل عن غياب شخصية الجماعة في العديد من المشاريع. وبالتالي، فالمجلس يتحمل المسؤولية الكاملة في ما آلت إليه أوضاع المراكز من غياب المرافق والتجهيزات وخدمات القرب وتوزيع الماء والإدارة العمومية الراقية والتطهير ومعالجة المياه العادمة والنظافة والصحة والسير والجولان وتنظيم السوق ومحطة الطرق والتعمير ومخطط التهيئة وتهيئة مداخل الطرقات وغير ذلك". ويرى الفاعل الجمعوي عبد الله دكاير أنه، ولتجاوز اختلالات ومظاهر الهشاشة والفقر والبؤس في مراكز الجماعة الترابية إنشادن، يجب "على المجلس، ومن خلاله المنتخب المحلي، البحث عن اتفاقيات شراكة رابح- رابح مع الفاعلين المؤسساتيين والاقتصاديين، وإن اقتضت الضرورة من خارج التراب الوطني، التي تهدف إلى توفير الإمكانيات المادية الكفيلة بإعداد مخطط تنموي واقعي قابل للتنفيذ، ودراسات تقنية لأهم المشاريع التنموية بالمراكز، وإعادة هيكلتها". كما أن "ضعف التواصل بين المجلس والمجتمع المدني وهيئة تكافؤ الفرص أهدر على ساكنة المراكز والمداشر المجاورة زمنا تنمويا كبيرا، وبالتالي أصبح من الصعب على جماعة إنشادن مجاورة السرعة التنموية التي تتميز بها بعض المراكز الواقعة في تراب بعض الجماعات الترابية المجاورة، التي أضحت بديلا اقتصاديا واجتماعيا وتربويا ورياضيا وترفيهيا لمعظم ساكنة الجماعة الترابية لإنشادن". لحسن فتح الله، رئيس الجماعة الترابية إنشادن، اعتبر، ضمن تصريح لهسبريس، أنه "على مستوى النظافة فنشتغل بكل الإمكانيات المتاحة. وبالمناسبة، أشكر، وبكل صدق أعوان النظافة، على ما يبذلونه من جهد وبإمكانيات بسيطة في انتظار التوصل بآليات جديدة من أجل تقديم خدمات أفضل". أما على مستوى المراكز الجماعية، فقال بشأنها المسؤول الجماعي "فتعددها هو ما يجعل المهام صعبة على مستوى مسايرة المتطلبات اليومية، ففي الوقت الذي يكتفى في الجماعات الأخرى بمعالجة مشاكل مركز واحد، فتعدد مراكز إنشادن يجعل المهمة أثقل؛ لكنها ليست بالمستحيلة". وأوضح لحسن فتح الله أنه "إلى جانب مركز أربعاء ايت بوالطيب ومركز تين منصور ومركز إنشادن ومركز البيبات ومركز النواصر المقابل لجماعة بلفاع، فهناك عمليات جمع النفايات والنظافة بالعديد من الدواوير بشراكة مع الجمعيات التنموية". أما على مستوى الإنارة العمومية "فتخضع للصيانة المستمرة بكل المراكز، أكيد ستكون هناك حالات بين الفينة والأخرى؛ لكن الأصل هو الإصلاح والصيانة الدائمين. كما قرر المجلس تقوية الإنارة العمومية، ليس فقط بالمراكز ولكن بالدواوير أيضا"، يقول المسؤول الجماعي سالف الذكر. أما بخصوص احتلال بعض البائعين للفضاءات العمومية، فيقول رئيس الجماعة الترابية إنشادن: "عبرنا مرات عديدة عن ضرورة منع كل من يسيء إلى أصحاب المحلات التجارية، وينافسهم بشكل غير عادل، ويحتل الملك العمومي إلى حد لا يترك ممرات للراجلين. وتعلمون أن الصلاحيات القانونية لتنظيم عملية الباعة المتجولين ومنعهم من احتلال الملك العام هي من اختصاص السلطات المحلية". وزاد المسؤول ذاته، ردأ على تساؤلات نقلتها إليه هسبريس، أنه "على مستوى الكلاب الضالة، فهي معضلة حقيقية بجميع الجماعات، وليس فقط بإنشادن، ونحن مستعدون للدخول في أية عملية تشاركية في الموضوع، على مستوى الإجراءات المتخذة لمواجهة بعض هذه الصعوبات. وفي جانب آخر، "ومن أجل تقوية أسطول النظافة، ستتوصل الجماعة قريبا بشاحنات إضافية لتقديم خدمات أفضل". أما الطريق الوطنية وتهيئتها، فقد جرى "تشجيع المستثمرين لإحداث محطات طرقية مع مراقبة صارمة في جودة الخدمات المقدمة بكل من الناوصر وآيت بايه وتن منصور وإنشادن".