بسهل اشتوكة آيت باها، تقع الجماعة الترابية إنشادن ضواحي اشتوكة آيت باها، التي يبلغ عدد سكانها أزيد من 28 ألف نسمة قارة، وفقا لنتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014، وتنتمي إداريا إلى قيادة بلفاع، وتُشكل الزراعة وتربية المواشي نشاط غالبية الساكنة المحلية، بالإضافة إلى الصيد البحري ذي الطابع التقليدي، لاسيما بشاطئ الدويرة. ورغم الكثافة السكانية المهمة، التي تنضاف إليها أعداد العاملات والعمال الزراعيين الوافدين على الضيعات الفلاحية المنتشرة بتراب هذه الوحدة الترابية، فإن المركز الصحي الجماعي الوحيد “المقر السابق للجماعة”، لازال يطرح متاعب للسكان، ولا ترقى الخدمات التي يُقدمها إلى مستوى تطلعاتهم. مبارك كومغار، من الساكنة التي عبرّت عن تذمرها من سير خدمات المرفق الصحي بجماعة إنشادن، صرّح لهسبريس بأنه يعاني من مضاعفات مرض السكري، وتُجبره حالته الاجتماعية، المتسمة بالفقر والهشاشة، على التردّد على هذه المؤسسة الصحية للاستفادة من أقراص لعلاج المرض، غير “أن الممرضين يسلمونني أقراصا محدودة، أستعملها ثلاثة أيام على أبعد تقدير، لأعود مرة أخرى إلى المكان نفسه، رغم أنني مسجل ضمن المصابين بالمرض المُزمن، دون أن يُراعوا ضعف بصري، بحيث أحتاج دائما إلى مرافق”، يقول المتحدث بنبرة التذمر والحسرة. وبدورها كشفت السعدية بركاش، في حديثها لهسبريس، معاناة أخرى، تتجلّى، بحسبها، في غياب طبيب أو طبيبة بالمركز، مما “نضطر معه إلى تكبّد عناء التنقل إلى الجماعات المجاورة، تشهد مؤسساتها الصحية اكتظاظا وازدحاما، مما يُكلّفنا ساعات من الانتظار، رغم الحالات الاستعجالية التي تتطلب تدخلات آنية في كثير من الأحيان”، تستطرد السعدية، مضيفة، ضمن جواب على سؤال عن معيقات الولوج إلى الخدمات الصحية بهذه المنطقة، أن النساء الحوامل، يعشن مرارة في تتبع الحمل وأثناء الوضع، لغياب متخصصة في طب النساء والتوليد ودار للولادة بتراب الجماعة. وعن هذه الخدمات الصحية، التي ما فتئت تُلاحق قاطني هذه الجماعة، يقول لحسن فتح الله، رئيس المجلس الجماعي لإنشادن، إن الجماعة بادرت إلى تسليم مقر الجماعة السابق إلى وزارة الصحة، بناء على اتفاقية شراكة واضحة، وذلك مقابل الرفع من مستوى الخدمات الصحية المُقدمة للسكان، كما أن تنازل الجماعة عن دور سكنية لفائدة الأطر الصحية لم يشفع في ضمان المداومة بالمركز الصحي، وتوفير أحد أهم حق من حقوق الإنسان، “مما يعكس التعامل بمنطق المغرب غير النافع مع هذه الجماعة”، يقول المسؤول الجماعي. فتح الله، الذي بدا غاضبا عند حديثه لهسبريس عن وضعية قطاع اجتماعي غاية في الأهمية، أوضح أن مجلسه لم يجد أمام “استهتار المسؤولين إقليميا وجهويا بحياة الساكنة”، غير اللجوء إلى بدائل أخرى علها تُخفّف من وطأة وثقل انتظارات السكان من هذا المرفق، كمبادرة الجماعة باقتناء سيارة إسعاف مجهزة بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مع توفير مصاريف الوقود والسائق، بغرض نقل المرضى والحوامل إلى المستشفيات البعيدة. كما أضاف المتحدث، أن الجماعة تُساهم في دعم نظام المساعدة الطبية (راميد)، والحملات الطبية المنظمة بين الفينة والأخرى بدواوير ومداشر الجماعة، واقتناء الأوكسجين للمركز الصحي. “في مقابل كل ما قدمناه للقطاع على مستوى الجماعة، فإن وزارة الصحة تعاملت معنا بازدراء، أحسسنا معه بنوع من (الحكرة)، لإمساكها عن تطوير المركز والرفع من مستوى الخدمات به، بل سحبت طبيبة كانت تُباشر عملها بالمرفق بعد تقاعد طبيب آخر، دون أي تعويض، ولولا مستشفيات أكادير، لسجلنا أكثر من نصف السكان ضحايا هذا الاستهتار”، يقول رئيس المجلس، محمّلا المسؤولية للمسؤولين الجهويين والإقليمين لعدم عودتهم إلى “الرشد”، وكل ما يترتّب عن هذه الحالة من مخاطر، لاسيما في ظل ارتفاع نسبة الإصابات ب”السيدا” بجهة سوس، وانتشار الأمراض المتنقلة والمعدية، يورد المسؤول الجماعي ذاته. مشاكل أخرى بالقطاع الصحي، يُبسطها عبد الحليم باعلي، رئيس لجنة المرافق العمومية والتجهيزات الجماعية والأنظمة العامة، ضمن وثيقة لملخص محضر اجتماع اللجنة نهاية يناير الماضي، مضيفا إلى ما سبق، أن مورفولوجيا بناية المستوصف لا تتناسب مع شكل وهندسة مراكز الصحة، وقلة الأطر الصحية، خاصة الأطباء والممرضات، “ممرضة واحدة حاليا لكل نساء الجماعة في مقابل ارتفاع المتطلبات في مجال الصحة الإنجابية”، وغياب قاعات العلاجات بالمناطق النائية عن المركز، حيث أثبتت تجارب سابقة نجاعة هذه الآلية، على الأقل في عمليات تلقيح الرضع والمواليد، يقول رئيس اللجنة المذكورة. ولم يكن المكتب الإقليمي للنقابة الوطنية للصحة العمومية باشتوكة، العضو في الفدرالية الديمقراطية للشغل، أكثر تفاؤلا من الساكنة والمسؤولين المنتخبين، إذ أورد لحسن باي، من الهيأة النقابية ذاتها، أن الممرضين الثلاثة والممرضة الوحيدة يعملون جاهدين في سبيل توفير الخدمات الصحية لطالبيها من ساكنة جماعة إنشادن، مُحاولين التغطية عن غياب إطار طبي بهذا المركز، كاشفا أن الكثافة السكانية الضخمة، وتوافد ساكنة جماعات مجاورة للمركز، يزيد من تعقيد مهام الأطر التمريضية، ويجعل الطلب على الخدمات الصحية مرتفعا، مما يستوجب توفير الموارد البشرية الكافية لمواجهة هذه الإكراهات، يقول النقابي لحسن باي. وعن دار للولادة، قال المتحدث النقابي إن الكثافة السكانية المتجاوزة ل 30 ألف نسمة، كافية لإحداث هذا المرفق، وذلك تخفيفا للعبء عن النساء الحوامل، كاشفا أن قضايا أخرى ظلت تؤرق بال العالمين بهذه المؤسسة، كالبناية الملائمة والمهيأة، وتوفير الأمن الخاص، فضلا عن تواجد مكتب للبريد داخل المركز الصحي، مما تُنتهك معه حرمة المؤسسة من طرف رواد وزبناء الوكالة البريدية، كما أثار المتحدث أن المراكز الصحية تُعدُّ بوابة الشبكة الاستشفائية لنظام “راميد”، مما تضيع معه فرص الاستشفاء لشريحة واسعة من الساكنة في غياب إطار طبي. ولأخذ رأي المندوب الإقليمي لوزارة الصحة باشتوكة آيت باها، زارت هسبريس مقر المندوبية ببيوكرى، حيث تم إخبارنا بأن المسؤول عن هذا القطاع في إجازة، ولم يتسنّ لنا أخذ رأي مدير المستشفى الإقليمي المختار السوسي، الذي اُنتدب لشغل مهام المندوب، وذلك لانشغاله بإجراء عملية جراحية، وفق ما أطلعتنا عليه كاتبته.