نتفهم دوافع الكثير من المواطنين الفلسطينيين المتحمسين والمندفعين لإجراء انتخابات بأي ثمن، وقد أظهرنا في مقال سابق أسباب ذلك، كما نثمن جهود الدكتور حنا ناصر، رئيس اللجنة المركزية للانتخابات الذي يقوم بجهود مشكورة تتجاوز مهامه التقنية، إلا أن المسألة الانتخابية بدلا من أن تكون حلا لإشكال وتعزز من فرص المصالحة أصبحت بحد ذاتها إشكالا واستحضرت مواضيع الخلاف مجددا؛ الأمر الذي يعزز الشكوك حول إجرائها قريبا وزيادة التخوفات من خوض تجربتها دون توافق ولو نسبي على أسس ومرجعيات النظام السياسي. وهكذا بعد تفاؤل حذر لم يستمر إلا أياما قليلة عادت المناكفات مجددا حول قضيتين رئيستين، وهما الجهة ذات الاختصاص بإعلان الانتخابات ومرجعية وبرنامج الحكومة: 1- هل المرسوم الرئاسي يسبق التوافق/المصالحة أم يأتي نتيجة له؟. اشتراط التوافق قبل صدور المرسوم الرئاسي بإجراء الانتخابات، وأن يصدر قرار الانتخابات عن اجتماع الفصائل، وإن كان في ظاهره مقبولا ومفهوما إلا أن الخشية أنه لا يتعلق بآلية انتخابية أو إجراء شكلي، أو حرص على المصلحة الوطنية، بل يكمن وراء هذا المطلب التشكيك في شرعية الرئيس، وبالتالي بأهليته لاتخاذ قرار أو مرسوم منفردا بموضوع إستراتيجي كالانتخابات. كما أن من يقف وراء هذا المطلب تجاهل قانون الانتخابات واللجنة المركزية للانتخابات.. مع التخوف من انتخابات تشريعية لا تتلوها انتخابات رئاسية. صحيح لا بد من توفر درجة من التوافق قبل إجراء الانتخابات، ولكن هذا لا يعني اشتراط المصالحة الشاملة قبلها، إذ فشلت مئات جلسات حوارات مصالحة استمرت لعقد من الزمان، ولو نجحت أو كانت هناك فرصة لنجاحها ما كنا أمام إشكال الانتخابات؛ ففشل حوارات المصالحة أحد أهم الأسباب التي دفعت الرئيس إلى الدعوة للانتخابات. ومن جهة أخرى ما الذي يضمن أن ينجح لقاء فصائلي أو أكثر في تحقيق التوافق حول موضوع الانتخابات وألا تتشعب مواضيع النقاش وتتداخل الملفات وتتفجر الخلافات مرة أخرى؟ وإذا ما فشلوا في اللقاء الموعود فهل يتم التراجع عن الانتخابات أو تأجيلها إلى حين حدوث التوافق، ما يعني العودة إلى نقطة الصفر والدوران في حلقة مفرغة؟! وفي هذه الحالة هل من بديل عن الانتخابات؟. وفي هذا السياق نقترح أن يصدر في وقت متزامن مرسوم يحدد موعد الانتخابات بناء على قانون الانتخابات الذي تم التوافق عليه سابقا، وفي الوقت نفسه يتم تحديد موعد للقاء تشاوري قبل الموعد المحدد للانتخابات، مع التأكيد أن الانتخابات ستجرى في موعدها المحدد في المرسوم بغض النظر عن نجاح أو فشل جلسة / جلسات المشاورات؛ وبهذا يتم قطع الطريق على الذين يتحججون بغياب التوافق حتى يتهربوا من الاستحقاق الانتخابي. 2- مرجعية وبرنامج الحكومة المنبثقة عن الانتخابات وحيث إن حركة حماس، ومن معها من فصائل، طرحت شروطا ومحددات قبل إجراء الانتخابات، فإن حركة فتح طرحت أيضا شروطها المقابلة، إذ قال عزام الأحمد إن أي حكومة تنبثق عن الانتخابات عليها الالتزام ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية. نعتقد أن خطاب السيد السنوار قائد حماس في غزة، والذي تحدث عن سلاح المقاومة وقدراتها كان وراء تصريحات عزام الأحمد، عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة واللجنة المركزية لحركة فتح، ومسؤول ملف المصالحة في الحركة، وهي تصريحات تستحضر أيضا موضوع سلاح المقاومة. ما قاله عزام الأحمد كلام واقعي، حتى وإن كان مؤلما، وهو يطرح قضية جوهرية لا يمكن تجاهلها، وخصوصا أنها كانت سببا في فشل انتخابات 2006 وكانت حاضرة في كل حوارات واتفاقات المصالحة. فبعيدا عن الأماني والتطلعات الوطنية وعن الخطاب الديماغوجي فإن الانتخابات هي لعضوية مجلس تشريعي لسلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال، شكلتها منظمة التحرير الفلسطينية. ومن المعروف أن برنامج المنظمة يقوم على الحل السلمي للصراع والمفاوضات والاعتراف بإسرائيل، ولا يمكن لأي حكومة أن تكسر هذا الواقع حتى وإن كانت حكومة منتَخبة من الشعب إلا في إطار توافق وطني على الخروج من مربع سلطة حكم ذاتي والعودة إلى حالة التحرر الوطني، وهي حالة لا تستقيم ولا تحتاج لا انتخابات ولا سلطة أو حكومة. لقد رأينا مصير الحكومة التي شكلتها حركة حماس برئاسة السيد إسماعيل هنية بعد انتخابات 2006 وما آلت إليه الأمور عندما انقلبت حماس على السلطة الوطنية ومنظمة التحرير وحاولت أن تؤسس لسلطة مقاومة وحكومة ربانية، كما نتابع واقع حكومتها وسلطتها في غزة. وإن لم تلتزم حكومة جديدة برئاسة حماس أو بمشاركتها ببرنامج المنظمة الذي يعترف بإسرائيل ويلتزم باستحقاقات أوسلو.. الخ، فهل ستتعامل معها إسرائيل؟ وهل ستسمح لوزرائها بالتنقل بين الضفة وغزة؟ وهل الجهات المانحة ستفي بالتزاماتها تجاه السلطة؟. من جهة أخرى كيف تلتزم حماس ببرنامج منظمة التحرير وهي خارجها وتشكك بصفتها التمثيلية للشعب الفلسطيني؟.. هكذا يبدو وكأننا ندور في حلقة مفرغة أيهما يسبق الآخر، المصالحة أم الانتخابات؟ ما يستحضر اتفاق المصالحة 2011 الذي أدرج الانتخابات ضمن رزمة شاملة تشمل 6 ملفات، منها ملف منظمة التحرير وسلاح المقاومة والأمن. هذا المشهد السياسي ومناكفاته يعزز الشكوك حول مصداقية وقدرة الطبقة السياسية على إجراء الانتخابات، كما يثير تخوفات من إجرائها دون توافق وطني يستعيد الثقة بين مكونات النظام السياسي ويستبعد سياسة الإقصاء المبيتة والنية في كسر العظم والانتقام. انعدام ثقة حركة فتح وحركة حماس بعضهما البعض وعدم ثقة أي منهما بالفوز بالانتخابات بأغلبية تؤهله لتشكيل الحكومة تجعل من الانتخابات القادمة مغامرة خطيرة لكل منهما، وعدم إجرائها والاكتفاء بما بيد كل منهما من سلطة في سياق محاصصة جغرافية أهون الشرور والمخاطر بالنسبة لهما، وخصوصا أن أيا من الحزبين سيكون غير قادر على طرح برنامج سياسي مُقنع للشعب. أيضا ما نخشاه في حالة إجراء الانتخابات أن يحل المال السياسي محل البرامج السياسية، الأمر الذي سيُفقد الانتخابات ومخرجاتها أي مصداقية. [email protected]