ظروف جد قاسية ممزوجة بالتهميش والحاجة تلك التي تعيشها شريحة مهمة من المجتمع المغربي والمتمثلة في "الرحل"، حيث تعيش في مناخ قاس طوال السنة، أغلبهم يسكنون خياما رثة تنتشر هنا وهناك، حبهم للحياة يجعلهم يخفون الكثير من ملامح البؤس والحرمان والتهمش الذي يعيشون وسطه. الرحل المغاربة، خصوصا بالجنوب الشرقي للمملكة، تجبرهم ظروف الحياة على تحمل حرارة الجو في فصل الصيف وبرودته في فصل الشتاء، نساء ورجال رسمت التغيرات المناخية على وجوههم وأياديهم شقوقا عميقة، كتلك التي ترسهما على الجبال والصخور، هم يعتبرون أنفسهم خارج الحضارة، وأطفالهم الصغار منهم من لا يعرف القراءة والكتابة، حيث يترعرعون في وسط فرضت عليه الظروف الأمية والجهل. بإقليم تنغير، تعيش العديد من الأسر التي لا تزال تحافظ على " الترحال" كموروث محلي تركه الأجداد، وحافظ الأبناء عليه ومنهم من يسعى إلى تسليم مشعلة الترحال إلى جيل من الصغار، دون التفكير في إدخالهم إلى التعليم والمدرسة، لرسم مستقبلهم بعيدا عن الرعي والترحال إسوة بباقي الأطفال. جريدة هسبريس الإلكترونية حاورت العديد من أبناء الرحل وأوليائهم، منهم من أكد رغبته إدخال الأطفال إلى المؤسسات التعليمية، وهناك من يرفض الفكرة، معتبرا الرعي والترحال مستقبل ومصدر العيش. وفي هذا السياق، حاولت الجيدة تسليط الضوء على تعلم أبناء الرحل في إقليم تنغير، والأهداف المتوخاة من طرف القائمين على تعليمهم. الحرمان يقتل الرحل تعيش العشرات من أسر وعائلات الرحل بإقليم تنغير وباقي الأقاليم المجاورة في وضعية مزرية؛ فلا تعليم ولا رعاية صحية. ينتقلون مسافات طويلة وفي ظروف مناخية قاسية، التي تطبع المناطق ذاتها في فصول السنة الأربعة، لاقتناء المواد الغذائية الأساسية والأعلاف. سعيد وحمو، وهو من رحال تيداكلين بصاغرو، أوضح أن فئة الرحل يعيشون ظروفا قاسية بفعل التغيرات المناخية وإهمال الدولة لهذه الشريحة، مضيفا: "نحن نعيش الحرمان وسط هذه الجبال، بعيدين عن الحضارة من أجل إسعاد الآخرين"، مشيرا إلى أن بدون الرحل يمكن للمغرب أن يعيش الأزمة، خصوصا في ما يتعلق باللحوم الطبيعية والأمن، باعتبار أن الرحل هم حاليا جنود المغرب في الجبال، وفق تعبيره. وأضاف متحدث جريدة هسبريس الإلكترونية أن الدولة ملزمة بوضع برنامج جديد يهتم بفئة الرحل من خلال إحصائهم وتقديم مساعدات لهم، من أعلاف للمواشي ومواد غذائية خصوصا للمحتاجين منهم، لافتا إلى أن الوضعية الاجتماعية لعدد منهم يرثى لها، ويعيشون الفقر المدقع، وفق تعبيره. أطفال يواجهون مستقبلا مجهولا "أطفالنا بدون أمل في الدراسة نتيجة ترحالنا من حين إلى آخر"، عبارة كان يرددها داود أسانف من رحل أوزيغيمت، الذي أكد أن تعليم أبناء الرحل تبقى من بين المستحيلات، نظرا إلى الظروف التي تعيش فيها أسرهم، مشددا على أن الأطفال هم الأكثر تضررا من مهنة الترحال والرعي، و"منا من يفكر في ترك المهنة وبيع المواشي لضمان مستقبل أفضل لأبنائه أو أحفاده"، وفق تعبيره. وشدد المتحدث ذاته، في تصريح هاتفي لهسبريس، على أنه "لا يخفى على الجميع أن الرحل يكافحون لإسعاد الآخرين مقابل ضياع مستقبل أبنائهم"، مضيفا: "أطفالنا يكابدون معاناة كثيرة، ولا يمرون من الطفولة مثل أقرانهم؛ فالذكور يفكرون في الترحال والرعي، وبعضهم يفكر في السفر للعمل في البناء، وليست لديهم طموحات التعليم أو أن يصبحوا أطرا في الدولة. أما الفتيات فهن يفكرون فقط في الزواج، وغالبا ما تتزوج بممتهن الترحال والرعي وتعيش دوامة الحرمان"، وفق تعبيره. من جهته، قال مصدر مسؤول بإقليم تنغير: "في الحقيقة، حياة الترحال على الأطفال الصغار جد قاسية، وهم أكثر تضررا من هذه المهنة التي وارثوها الأبناء عن الأجداد"، مشيرا إلى أنه بالنسبة إلى رحل إقليم تنغير؛ فعامل الإقليم أوصى بضرورة إحصائهم ومعرفة أماكنهم، من أجل تقديم لهم المساعدات والإغاثة في الوقت المناسب، لافتا إلى أن "الإقليم يعرف سنويا تساقطات ثلجية غزيرة؛ وهو ما دفع بالمسؤول الأول على الإقليم إلى ضرورة إحصائهم"، وفق تعبيره. تعليم أطفال الرحل قبل عقد من الزمن، أطلقت جمعية شمس للتنمية والأعمال الاجتماعية والخيرية أول مبادرة تهم تعليم أبناء الرحل، من خلال إحداث مدارس متنقلة، بدعم من شركاء أجانب ووزارة التربية الوطنية؛ وهي المبادرة التي عممتها الجمعية ذاتها بإحداث سبعة أقسام بإقليم تنغير، وقسمين بكل من ورزازات وميدلت. وفي هذا الإطار، قال علي أمين، رئيس جمعية شمس للتنمية والأعمال الاجتماعية والخيرية، إن الجمعية بتنسيق مع شركائها من وزارة التربية الوطنية قامت بإحداث قسمين بمنطقة "سومغ أولي" بصاغرو، وقسمين ب"تيداكلين" أيضا بصاغرو، وقسمين بمنطقة أمجكاك وأوزيغيمت بجماعة إغيل نمكون، بالإضافة إلى قسم واحد بمنطقة أسول. وأضاف المتحدث ذاته أن الجمعية، ومن أجل تحفيز الأساتذة على تلقين الدروس لأبناء الرحل، تقدم لثمانية أساتذة تعويضات شهرية تقدر ب1000 درهم لكل أستاذ في الشهر، و500 درهم بالنسبة إلى المديرين البالغ عددهم ثلاثة، مشيرا إلى أن عمالة تنغير سبق لها، وفي إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أن مولت الجمعية ب20 مليون سنتيم مكنت من توفير المطعم للتلاميذ الرحل وتعويضات الأساتذة وشراء أقسام متنقلة، وفق تعبيره. وكشف الجمعوي ذاته، في تصريح لهسبريس، أن عدد تلاميذ الرحل المتمدرسين في إقليم تنغير حاليا بلغ 142 تلميذا وتلميذة بالنسبة إلى التعليم الابتدائي، وبالنسبة إلى التعليم الإعدادي بلغ عددهم حوالي 18 تلميذا وتلميذة من الرحل. وشدد الجمعوي ذاته على أن السفارة الفرنسية هي شريكة أساسية للجمعية إلى شركاء سويسريين، لافتا إلى أن تعويضات الأساتذة وإطعام التلاميذ تكلف ميزانية الجمعية 26 مليون سنتيم سنويا. وعن طموحات الجمعية، أكد علي أمني أنها تطمح إلى تغطية جميع أماكن وجود الرحل بالجنوب الشرقي ورؤية هؤلاء الأطفال في أفق ست سنوات أو عقد من الزمن يدافعون عن أنفسهم بكل وعي.