The role of the school infrastructure and environment in the success of the educational process إن أول ما يُنظر في البنيان أرضيته وطبيعة تربته، فلا يصح أن يُشرع في ذلك البنيان وصاحب العمران يدرك ويعلم علم اليقين بأن الأرض هشة أو متهلهلة أو على صفيح بركان أو قعر وادي عُرضة لانجراف التربة أو مجرى المياه العاتية. وكما هو معلوم وكما سبق وأن أشرنا في مقالات سابقة فإن التربية والتعليم هما بمثابة البنيان؛ فالبنيان السليم يحتاج حتما إلى دراسة التربة أو الأرضية أولاً، وإلى كمية مضبوطة من الطوب والاسمنت والرمل أو الطين والماء، إضافة إلى قضبان حديدية متينة لا يشوبها صدأ، ومختلفة الأحجام (حسب الحاجة)، فإن غلب بعضها على بعض، أي إذا غلب الماء أو الإسمنت أو الرمل أو الحديد عن باقي العناصر، أفسد تلك اللُّحمة المؤدية إلى صلابة وسلامة البنيان، مما قد يؤدي إلى تصدعه أو انهياره عاجلا أم آجلا. فالتعليم هو أيضا بمثابة بنيان، لذلك يجب أن يكون بنيانا مرصوصاً ذا أرضية سليمة مدروسة وأسس وقوائم وطبقات صلبة ومتماسكة، وهو أيضاً خليط لعناصر ممزوجة وموزونة ذات مقاييس وأهداف محددة .وبما أن البنيان يخدم الفرد والجماعة على حدٍ سواء، بحيث يقيهم من الحر والقر والبرد، ويحميهم من المطر والزوابع، فكذلك التعليم يخدم أهدافاً وغايات سامية تقي الفرد والمجتمع نوائب الدهر ومشقات الحياة وزوابعها وعواصفها الاقتصادية، وأمواج الحياة الاجتماعية والسياسية المتلاطمة العاتية، وتهدف إلى تهذيب الفرد وتربيته، وصقل مواهبه وتنميتها، ليخدم نفسه أولاً ومجتمعه أيضاً، والتعليم هو أيضاً مجموع محطات هامة في حياة الفرد، تستمد منها المجتمعات سلامتها وقوتها وعزتها؛ غير أن واقعنا في العالم العربي ككل وبلا شك، مع كامل الأسف، يوحي أن النظام التعليمي والتربوي متعثر ولا يؤدي الرسالة المنوطة به، على الوجه الكامل، أو ما يصبو إليه المجتمع، وخير دليل على ذلك تدني المستوى التعليمي والتربوي والسلوكي للأجيال المتخرجة من مؤسسات التعليم في العقود الأخيرة في بعض تلك البلدان. المدرسة العمومية ركيزة التربية والتعليم: روى الإمام البخاري في صحيحه كتاب الإيمان حديث رقم 50 : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ": ... أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِى الْقَلْبُ " (الحديث). قياساً على هذا الحديث النبوي الشريف يمكن القول بأن التعليم هو أيضاً بمثابة الجسد وقلبه النابض هو المدرسة العمومية المغربية، فهي كذلك مثل قلب الإنسان إذا صلحت صلح معها ومن خلالها التعليم كله. والمتأمل في هذا يتضح له جلياً بأن المدرسة العمومية هي بالفعل عمود التربية والتعليم والركيزة الأساسية التي يرتكز عليها التعليم برمته إذ هي التي تمد التعليم العالي ومراكز التكوين المهني وغيرها بمخرجاتها وبذلك يتبين ويتحقق نجاح التعليم أو فشله. كما أن صلاح المدرسة العمومية يستمد صلاحه من توجيهات واجراءات وزارة التربية والتعليم ومن نساء ورجال التعليم من معلمين وأساتذة وأطر إدارية ومشرفة وغيرها. كما أن إشعاع المدرسة العمومية الفكري يستمد نوره من التخطيط المحكم داخل الوزارة ليعم جميع البقاع والأقاليم إذاً، وإذا ما فشل التخطيط وشابته الخرق والأخطاء الفادحة والفساد الإداري، وإذا أسندت مهمة المناهج من خلال الوزارة المعنية بشؤون التربية والتعليم إلى غير أهلها، فلا شك أن نور المدرسة وإشعاعها الفكري سيظل خافتاً وتظل مخرجاتها ضعيفة وهزيلة لا تساير العصر ولا تفي بالغرض ولا تغطي حاجيات سوق العمل، عاجزة عن مسايرة وتيرة النمو الاقتصادي المضطرد في البلد وخارجه. دور الحكومة الجديدة في تحسين بنية وفضاء المدرسة: خضع مشروع إصلاح منظومة التربية والتعليم مند عقود مضت لنظريات وقواعد وأعراف عالمية سائدة تم تطويعها لتتناسب مع البيئة المحلية المغربية، ونظريات وقواعد قديمة تمتد جذورها حتى ما قبل الحقبة الاستعمارية، وأخرى معاصرة تؤسس وتأطر العملية التربوية والتعليمية في هذا البلد وتتعلق بمعالجة مسارات وقوانين التربية والتعليم وطرق التدريس والتخطيط لبناء مقررات ومناهج تعليمية صحيحة وسليمة من كل الشوائب الفكرية الدخيلة وتواكب التطور وتبني أجيالاً مسلحة بالمعرفة الكافية والمهارات (Skills) والكفايات (Competencies) اللازمة والمطلوبة في سوق العمل. ولا يسمح المجال هنا كي نخوض في سرد كل تلك النظريات والقواعد لان معظمها ينصب في الجانب النظري البحت ويعالج في أغلب الأحيان العموميات غير مراع للاختلافات الثقافية وحتى العرقية والجغرافية فضلا عن الفروق الفردية. لذلك سوف نقتصر على قضايا الإصلاح من الواقع المحلي انطلاقاً من وضعية المدرسة العمومية المغربية، دراسة وتأملا ومعالجة، وسوف نستبعد الخوض في مناقشة البنية التحتية للتعليم العالي لأنها مشخصة ومعروفة وتحتاج إلى إقلاع حقيقي وفعلي هي أيضاً على ضوء تعيين الحكومة الجديدة وتوجهاتها وبرامجها الإصلاحية الكبرى. ولا شك أن الحكومة الجديدة التي تم تعيينها مؤخرا تنتظرها أوراشاً إصلاحية كبرى نتمنى أن يحظى فيها قطاع التربة والتعليم باهتمام بالغ ويأخذ حيزاً كبيراً من النقاش نظراً لأهميته البالغة ولدوره في تحريك دواليب التنمية والاقتصاد. ونظراً لتلك الأهمية القصوى، لابد إذاً من إعطاء الأولوية لمعالجة المشاكل التي تتخبط فيها المدرسة العمومية أولا وقبل كل شيء، وخاصة البنية التحتية للمدرسة وكذلك فضاءها الداخلي والخارجي، ليتم التركيز على جوهر المشاكل ولا نحيد عن مسار النقاش المثمر. ومما لا شك فيه أن ازدياد عدد التلاميذ والطلبة وقلة الكوادر التدريسية المؤهلة للتعليم تعد من القضايا التي يعرفها القاصي والداني وهي ليست السبب الرئيس، كما يقول أحد الباحثين، في فشل التعليم بدليل أن المدارس الخصوصية تمتلك أحياناً بنية تحتية متكاملة وفضاء مدرسي عصري وجميل ولكن مخرجات التعليم فيها لا تختلف كثيرا عن المدارس الحكومية فكلاهما يخرج لنا تلاميذ يركزون على اجتياز الاختبارات النهائية ويرددون ما يمليه عليهم المعلمون حفظا عن ظهر قلب، وفي أفضل الاحتمالات وأكثرها ايجابية يكون التلميذ كأنه حاسوب بشري قادر على تخزين المعلومات (Memory Oriented)، قد أفرغت فيه كمية من المعلومات وقد تم حفظها بأمانة لفترة وجيزة توصله إلى موعد الاختبارات (وقد لا تتجاوزها). ولا يقتصر خطر بناء المناهج على طريقة الحفظ عن ظهر قلب على تلك السلبية المميتة لخلايا الدماغ فقط (كما يقول أحد الباحثين) بل إن تلك الطريقة قد أسهمت بشكل مباشر في ازدياد عملية الغش بين التلاميذ وحتى في الاختبارات الوطنية كالبكالوريا مثلاً، حيث يقوم كثير من التلاميذ بالاستعانة بوسائل التقنيات الحديثة للسرقة عن طريق السماع مما تيسر من معلومات الكتاب المنهجي أو المقرر الدراسي من خارج القاعة الاختبار وإدخالها عبر تلك التقنيات الذكية. وبهذه المناسبة نشيد جميعاً بمجهودات وزارة التربية والتعليم والسلطات المحلية في القضاء على تلك الظاهرة وتسخير جميع الوسائل لذلك. كما أن الجميع أصبحت لديه قناعة صارخة بأن المناهج التي تعتمد على الحفظ وتركز على المعلم أو المدرس بصفته المصدر الأول لبث المعلومة (Teacher Centered Approach) بدلا من أن يكون التركيز على الطالب المُعنى بالعملية التعليمية (Student Centered Approach)، يقتل الإبداع في نفس التلاميذ فضلا عن انه لا يراعي الفروق الفردية بين التلاميذ. وإذا ما شرعت الوزارة المعنية في التركيز على هذا الجانب الايجابي وتطبيقه في المدرسة العمومية ومنذ سن مبكرة، فإن ذلك سوف يمثل الخطوة الأولى في إصلاح التعليم. تطلعات في أفق مشروع إصلاح التربية والتعليم: بالنظر إلى الوضع لراهن، ربما يمكن الجزم بأننا اليوم في حاجة ماسة إلى إعادة وضع خارطة طريق (Road-Map) نحو عملية إصلاح منظومة التربية والتعليم، نعيد فيها النظر إلى الأهداف المتوخاة من العملية التعليمية في حد ذاتها، وفي طرق ووسائل التربية والتعليم وعملية تأطير رجال ونساء هذا القطاع ومراجعة شاملة للمناهج والمقررات، ودراسة البنية التحتية لمدارسنا العمومية وفضاءها. وفي حقيقة الأمر، هنالك العديد من الحقائق التي تدفع المجتمع للمطالبة بإصلاح شامل لمنظومة التربية والتعليم ببلادنا، إصلاح يتماشى في روحه ويستجيب في مضامينه للتعليمات المولوية السامية التي وردت في العديد من الخطب والمناسبات والتي أكدت على ضرورة الرفع من مستوى مخرجات التربية والتعليم بمؤسسات بلادنا، واستجابة لنداءات آباء وأولياء أمور التلاميذ والطلبة نظراً لما يرونه من تأخر وتقهقر في مخرجات التعليم ببلدنا. كما أن مسيرة الإصلاح تلك تقتضي دراسات معمقة يشارك فيها الخبراء من داخل المغرب ومن الجالية المغربية في الخارج خاصة من أولئك الذين لهم الخبرة والكفاءة المطلوبة في تخصصات دقيقة في ميدان التربية وطرق التدريس وتطوير المناهج (وليس كل من هب ودب). كما أن التغيير أصبح شيء حتمياً كماًّ وكيفاً يستدعي أولا وقبل كل شيء قلب المعادلة أي أن يصبح التلميذ أو الطالب إيجابي ومركز العملية التربوية والتعليمية (وليس ذلك المتلقي السلبي)، بحيث أن التغيير الآني مفاده أن المعلم أو الأستاذ لم يعد المصدر الأول لبث المعلومة، كما لم يعد الكتاب المنهجي هو المصدر الرئيس للحصول على المعلومة، نظراً أن العملية التربوية والتعليمية أصبحت تعتني بالتلميذ من جميع النواحي العقلية والفكرية والروحية والجسدية وتراعي ميول الصبي واختياراته الفردية وطموحه ومشاعره وتصقل مواهبه عبر الحوار والمشاركة الفعلية في النقاش والنقد البناء والاعتماد على النفس في حل الواجبات والبحث وتعزز مكارم الأخلاق لديه وتحثه على الإحسان وفعل الخيرات والاعتزاز بهويته ووطنيته وموروثه اللغوي والثقافي والديني. كما أن دوره المركزي هذا أصبح معززاً بوسائل التقنيات الحديثة ووسائل التواصل التي من خلالها باتت المعلومة منفتحة على الجميع ويستطيع الجميع الحصول عليها بسهولة؛ لذلك أصبح من الضروري تدريب المعلمين والأساتذة على تلك التقنيات وتحديث المعلومات لديهم لأن البعض منهم غالبا ما يجهلون استخدام تلك الوسائل الحديثة. المعادلة الجديدة التي فرضت نفسها بشكل قوي إذاً وعلينا تقبلها والتكيف معها ومع متطلباتها نجد أن التلميذ أو الطالب، كما قلنا سابقاً، يحتل فيها الدور المحوري أو المركزي الذي ينتج المعلومة عن طريق التحفيز غير المباشر. ومن هنا يمكن القول بأننا بهذه الطريقة تمنح التلميذ القدرة على الإبداع وتحفز فيه حب المعرفة والابتكار والافتخار بالمعلومة التي يسهم هو بنفسه في إنتاجها والتي سوف لن ينساها مستقبلا. هذه العملية غالباً ما تكلل بالنجاح إذا ما ركزت عليها المناهج الحديثة وعززت الجانب العملي ومنذ سن مبكرة بحيث يكلف التلاميذ والطلبة بالقيام ببحوث اجتماعية وغيرها بسيطة وبأداء الواجبات العملية في مراحل أعلى لاحقة والتي من الممكن أن تتمثل في كتابة البحوث والمقالات والتقارير وإعداد التجارب والبحث الميداني لدراسة الظواهر الاجتماعية والبيئية والعلمية، يكون مفادها المشاركة الفعلية للتلميذ أو الطالب تمكنه من الاستعداد النفسي والقدرة على التكيف والتأقلم مستقبلا في ميدان العمل وتحمل المسؤولية. خلاصة: وكما هو واضح أعلاه، تتجلى خلاصة القول في التوجيهات العامة للوزارة المعنية بهذا القطاع الحيوي لتحديث المدرسة العمومية وتنقية فضاءها وتحديث المناهج كونها المصدر الأول للمعرفة، وطرق التدريس مع الاهتمام بجميع الجوانب المتعلقة بالتلميذ أو الطالب وبيئته المدرسية والاجتماعية وحالته النفسية وقدراته الجسمانية والعقلية. ويمكن تلخيص بعض الجوانب التي يجب الاهتمام بها بغية إقلاع فعلي وسليم لمشروع إصلاح منظومة التربية والتعليم نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية المغربية كمكتسب وطني أجمعت عليه الأمة منذ فترة الاستقلال، والعمل على الإبقاء على مجانية التعليم في المدارس العمومية وخلق نظام تكافل اجتماعي لمساعدة الفقراء والمحتاجين فيما يخص الكتب المدرسية والملابس وغير ذلك، مع الإسراع في تنزيل المقترحات الخاصة بمشروع إصلاح قطاع التعليم (والرجوع إلى الميثاق الوطني للتعليم) والعمل على تطبيق أبعاد معيار الجودة الشاملة (Total Quality) خلال جميع مراحل التعليم. وبالإضافة إلى ذلك، يجب إسناد عملية التخطيط للخبراء والمختصين ممن تتوفر فيهم الكفاءة العلمية والدراية بميدان التربة والتعليم من داخل الوطن ومن الجالية المغربية بالخارج، والرجوع إلى الهيئات المختصة بإصلاح المناهج خلال جميع مراحل التخطيط لتكون جميع الخطط مبنية على أرضية صلبة تراعي جميع متطلبات وإرادة الأمة من مقررات دراسية وكتب مدرسية. إتباع مقاربة تشاركية للنهوض بمتطلبات المدارس العمومية وصيانتها، والتنسيق المحكم بين جميع الهيئات واللجان بروح المسؤولية والمصداقية والتسابق في الإحسان وفعل الخير من أجل إخراج خطط تنفع الأمة ويُكتب لمبتكريها الأجر. كما يجب أن لا ننسى بأن نجاح العملية التربوية والتعليمية رهين بدوره برد الاعتبار للمعلم والمعلمة وإعادة مكانتهما في المجتمع من خلال تحفيزهما مادياً ومعنوياً، ولنا في ماليزيا وسنغافورة مثالاً حياًّ على النتائج الإيجابية للتعليم هناك بمجرد أن رفعت تلك البلدان من قدر المعلم ومكانته في المجتمع !!!. وأخيرا يمكننا الجزم أيضا بأنه إذا ما صلحت المدرسة العمومية، فقد يصلح التعليم برمته وبصفة عامة. "أكعاون ربي" والله ولي التوفيق،،، *خبير دولي في مجال التربية والتعليم، مستشار [email protected]