Reform of education or reform of "reform"- أخذني الطريق الملتوي إلى بيتي وسط أزقة كادت تختنق بسبب كثرة الباعة على أطرافها، بل حتى في وسطها أحياناً لأجد نفسي أتكئ على طاولات الباعة المتقاربة محاولاً شق طريقي في ازدحام شديد وغير مسبوق، لأجد نفسي في جزء آخر جديد من حارتنا لم أكن أعهده من قبل. تنفست الصعداء عند مغادرتي لتلك الأزقة لأجد نفسي في شارع جديد فسيح وبهيج، زينت أطرافه بأشجار متوسطة الحجم وجميلة ومحلات البيع على طوله لتستقبل مناسبة عيد الأضحى وتشبع غريزة وطلبات الزبناء وحتى الفضوليين الذين التوت أعناقهم وهم ينظرون الى البضائع المختلفة الألوان من خلال زجاج واجهات المحلات الكثيرة. بضائع ومأكولات وفواكه مختلفة الألوان، خيرات كثيرة تشهد على ما يزخر به هذا البلد من النعم، فتبارك الله أحسن الخالقين. كنت أخطو بفرح كالطفل الصغير لأنني لم أشهد تلك المناسبة الفضيلة في بلدي وبين أهلي منذ سنين مضت نظرا لظروف العمل أو الدراسة. كانت سمفونية أصحاب المحلات والباعة المتجولين وهم يصيحون بأصوات عالية متناثرة لجذب أسماع وأنظار المارة شيء غير اعتيادي بالنسبة إلي خاصة أن بعضهم يستخدم عبارات جزليه وأخرى غنائية وأخرى عبارة عن مقطوعات فلكلورية وبهلوانية تشد الأنظار. صادفني مقهى بهيج وجميل لم أراه من ذي قبل فقلت في نفسي "دعني أرتشف فنجان قهوة وأستمتع بمنظر هذا الشارع الجميل لمدة أطول، وما إن جلست حتى لفت نظري عنوان بخط بارز على الصفحة الرئيسية لأحد الجرائد يتكلم عن موضوع إصلاح التعليم، وقبل أن أمد يدي إلى الجريدة أفزعني هاتفي النقال برنته المباغتة لأستقبل مكالمة صديقي إبراهيم الذي جاء إلى بيتي ولم يجدني هناك. أشرت على إبراهيم أن يلحق بي في الجانب الخلفي للحارة، وما هي إلا دقائق معدودة إلا وهو آتي بابتسامته المعهودة. قلت بعد التحية والسلام "أتريد أن تقرأ الموضوع أم أقرأه أنا؟". قال إبراهيم: "لا أنا ولا أنت!!!" "دعنا من هذا الحديث ودعنا نسألك عن أخبارك". عرفت من خلال ردة فعله أنه سئم من موضوع "الإصلاح" كالعديد من باقي أفراد المجتمع، لكنني أعلم بأن إبراهيم ما تكلم عن موضوع التعليم إلا وتكلم عنه بحرقة يمكنك أن تلمسها بسرعة من خلال احمرار وجنتيه والزبد على شفتيه واحمرار عينيه الصغيرتين اللتين تغرورقان بالدموع أحياناً أخرى. وكعادتي أقنعت إبراهيم للحديث عن موضوع إصلاح التعليم فوجدته كغير عادته متفائلاً بالخير. وفي حقيقة الأمر فإن موضوع اصلاح منظومة التربية والتعليم عامة وإصلاح المدرسة العمومية على وجه الخصوص قد ورد في مناسبات وكتابات عدة، غير ان الموضوع قد تشعب كثيراً وتأثر بوجهات النظر والتوجهات المختلفة تجعل المرء في حيرة: أي منحى وأي مسلك نريد للتعليم في بلدنا؟ عن أي إصلاح نتكلم؟ هل المقصود بذلك إصلاح التعليم قاطبة أم إصلاح البرنامج الاستعجالي نفسه؟ أم هو إصلاح "الإصلاح"، أي مراجعة الخطط الإصلاحية الشاملة نفسها برمتها ووضعها تحت المجهر للتأكد من جدواها ومن أننا نمشي في الطريق الصحيح والسليم! وكما يقول صديقي إبراهيم دوماً، دعنا نكون متفائلين فقد سئمنا من التشاؤم والسلبية في التفكير، ودعنا أيضاً نشد على يد معالي الوزير السيد محمد حصاد بحرارة لما أقدم عليه من إنجازات وخطوات جريئة تهدف إلى تصحيح مسار التربية والتعليم في بلدنا. ويتفق معي أخي إبراهيم أن أي أحد أسندت إليه تلك المهمة سيجد نفسه على مفترق الطرق: أي اتجاه وأي منحى سيأخذ!!! فهناك دعاة التعريب ودعات الفرنسة ودعات الدمج بينهما وغير ذلك!!! من أين سيبدأ هذا الرجل؟ فالبنية التحتية للمؤسسات التعليمية لا ترقى إلى طموح المغاربة وأبنائهم وبناتهم، كما أن الفضاء المدرسي وحجرات الدرس والمرافق الأخرى والمراحيض ودورات المياه شبه منعدمة في العديد من المدارس، وحجرات الدرس أيضاً مكتظة، وعدد المدرسين والموارد البشرية غير كافي، والمقررات المدرسية والمناهج لا تفي بالغرض، ولذلك نتساءل جميعاً وبصدق: من أين سيبدأ هذا الرجل؟!!!... انتفض صديقي إبراهيم وكأن الكلام استفز مشاعره وقال بصوت تشوبه حشرجة: "المنطق يقول أن يبدأ بالبنية التحتية، فإذا صلحت البنية التحتية للمدارس صلح معها الباقي، إذ أول ما يُنظر في البنيان أرضيته وطبيعة تربته، فلا يصح أن يُشرع في ذلك البنيان وصاحب العمران يدرك ويعلم علم اليقين بأن الأرض هشة أو متهلهلة أو على صفيح بركان أو قعر وادي عرضة لانجراف التربة أو مجرى المياه العاتية. وكما هو معلوم فالبنيان السليم يحتاج حتما إلى دراسة التربة أو الأرضية أولاً، وإلى كمية مضبوطة من الطوب والاسمنت والرمل أو الطين والماء، إضافة إلى قضبان حديدية متينة لا يشوبها صدأ، ومختلفة الأحجام (حسب الحاجة)، فإن غلب بعضها على بعض، أي إذا غلب الماء أو الإسمنت أو الرمل أو الحديد عن باقي العناصر، أفسد تلك اللحمة المؤدية إلى صلابة وسلامة البنيان، مما قد يؤدي إلى تصدعه أو انهياره. فالتعليم هو كذلك بمثابة بنيان، وجسم يتكون من أجزاء وأطراف متعددة، ويجب أن يكون بنيانا مرصوصاً متيناً وقوياً ذا أرضية مدروسة وأسس وقوائم وطبقات صلبة ومتماسكة، وهو أيضاً خليط لعناصر ممزوجة وموزونة ذات مقاييس وأهداف محددة، لا تكون الغاية منه التطاول والعلو بقدر ما هي حماية الفرد من المحن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وبما أن البنيان يخدم الفرد والجماعة على حدٍ سواء، بحيث يقيه من الحر والقر والبرد، ويحميه من المطر والزوابع، فكذلك التعليم يخدم أهدافاً وغايات سامية تقي الفرد والمجتمع نوائب الدهر ومشقات الحياة وزوابعها وعواصفها الاقتصادية، وأمواج الحياة الاجتماعية والسياسية العاتية المتلاطمة، وتهدف إلى تهذيب الفرد وتربيته، وصقل مواهبه وتنميتها، ليخدم نفسه أولاً ومجتمعه أيضاً، والتعليم هو أيضاً مجموع محطات هامة في حياة الفرد، تستمد منها المجتمعات سلامتها وقوتها وعزتها؛ غير أن واقعنا في العالم العربي ككل وبلا شك، مع كامل الأسف، يوحي أن النظام التعليمي والتربوي متعثر ولا يؤدي الرسالة المنوطة به، على الوجه الكامل، أو ما يصبو إليه المجتمع، وخير دليل على ذلك تدني المستوى التعليمي والتربوي والسلوكي للأجيال المتخرجة من مؤسسات التعليم في العقود الأخيرة في بعض تلك البلدان". نعم يا معالي الوزير المحترم، المدرسة العمومية ركيزة التربية والتعليم حقا: تلملم صديقي إبراهيم على بعضه والزبد يتناثر من فمه كالتنين الثائر واحمرت عيناه وهو يتكلم عن التعليم بحزن وحنقه وارتشف من كأس قهوته بدون سكر وابتلعها بسرعة كأنه يريد منها أن تشفي غليله ليتابع قائلاً: "ما شفنا وزيراً من قبل يهتم بشكل المدارس ولا بنيتها ولا حتى جماليتها مثلما رأينا هذا الرجل، والله لا أقول هذا من باب المدح بل هي حقيقة يجب أن تقال، نسأل الله تعالى أن يوفقه. وياما همسنا في آذان المسؤولين وصرخنا بأعلى صوتنا أحياناً أخرى فيما مضى بأن "الانسان ابن بيئته" فمن تربى في بيئة نظيفة وتلقى تربية حسنة في البيت وفي المدرسة، لا شك أنه سينمو كعنصر وفرد صالح ونافع في المجتمع، ومن تربى وتعلم ونشأ في مدرسة مهشمة النوافذ مهمشة ومكسرة الجذران والأبواب ومكتظة الحجرات لا ساحة نظيفة فيها ولا مرافق ولا حتى مراحيض ولا غرس ولا نبات، وبصباغة بالية وستائر متهلهلة ومدير فظ عبوس وحارس كالجلاد ومدرسين تعساء يجرون أذيال الخيبة وقساوة الزمن معهم إلى الأقسام ولا تعلو وجوههم الكلحة ابتسامة، ولا تلامس أناملهم رؤوس التلاميذ الأبرياء، صوتهم كله جفاء، وشرحهم للدروس معظمه هراء، وواجباتهم كلها شقاء، إن تربى الفتى في بيئة كهذه فماذا ننتظر منه إلا أن ينمو منكسر الخاطر، ضعيف البنية والمزاج، لا ينفع نفسه ولا أهله ولا عشيرته أو وطنه، بل من المتوقع أن نجده قابعاً على رصيف مدخل حارته ينقر في هاتفه النقال كمن يبحث عن إبرة في كومة تبن. روى الإمام البخاري في صحيحه "كتاب الإيمان" حديث رقم 50 : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ": ... أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِى الْقَلْبُ " (الحديث). قياساً على هذا الحديث النبوي الشريف يمكن القول بأن التعليم هو أيضاً بمثابة الجسد وقلبه النابض هو المدرسة العمومية المغربية، فهي كذلك مثل قلب الإنسان إذا صلحت صلح معها ومن خلالها التعليم كله. والمتأمل في هذا يتضح له جلياً بأن المدرسة العمومية هي بالفعل عمود التربية والتعليم والركيزة الأساسية التي يرتكز عليها التعليم برمته إذ هي التي تمد التعليم العالي ومراكز التكوين المهني وغيرها بمخرجاتها وبذلك يتبين ويتحقق نجاح التعليم أو فشله. كما أن صلاح المدرسة العمومية يستمد صلاحه من توجيهات واجراءات وزارة التربية والتعليم ومن نساء ورجال التعليم من معلمين وأساتذة وأطر إدارية ومُشرِفة وغيرها. كما أن إشعاع المدرسة العمومية الفكري يستمد نوره من التخطيط المحكم داخل الوزارة ليعم جميع البقاع والأقاليم إذاً، وإذا ما فشل التخطيط وشابته الخُرقات والأخطاء الفادحة والفساد الإداري، وإذا أسندت مهمة المناهج من خلال الوزارة المعنية بشؤون التربية والتعليم إلى غير أهلها، فلا شك أن نور المدرسة وإشعاعها الفكري سيظل خافتاً وتظل مخرجاتها ضعيفة وهزيلة لا تساير العصر ولا تفي بالغرض ولا تغطي حاجيات سوق العمل، عاجزة عن مسايرة وتيرة النمو الاقتصادي المضطرد في البلد وخارجه". إصلاح البنية التحتية أولا أم إصلاح "الإصلاح"!: لم يعد صديقي إبراهيم قادراً على التقاط أنفاسه، فأقنعته بالاستمتاع بقهوته المفضلة والانصات إلي بعض الوقت. لاحظت أنه أعجب بالفكرة خاصة وأن أحد الباعة شد انتباهه وهو يقوم بحركات بهلوانية قرب المقهى حيت تجمهرت حواليه مجموعة من النساء والرجال والأطفال. قلت لصديقي إبراهيم بأن مشروع إصلاح منظومة التربية والتعليم خضع منذ عقود مضت لنظريات وقواعد وأعراف عالمية سائدة تم تطويعها لتتناسب مع البيئة المحلية المغربية، ونظريات وقواعد قديمة تمتد جذورها حتى ما قبل الحقبة الاستعمارية، وأخرى معاصرة تؤسس وتؤطر العملية التربوية والتعليمية في هذا البلد وتتعلق بمعالجة مسارات وقوانين التربية والتعليم وطرق التدريس والتخطيط لبناء مقررات ومناهج تعليمية صحيحة وسليمة من كل الشوائب الفكرية الدخيلة وتواكب التطور وتبني أجيالاً مسلحة بالمعرفة الكافية والمهارات والكفايات اللازمة والمطلوبة في سوق العمل(Skills & Competencies). ولا يسمح المجال هنا كي نخوض في سرد كل ما يتعلق بتلك النظريات والقواعد لان معظمها ينصب في الجانب النظري البحت ويعالج في أغلب الأحيان العموميات غير مراع للاختلافات الثقافية وحتى العرقية والجغرافية فضلا عن الفروق الفردية. لذلك سوف نقتصر في الأيام القادمة بإذن الله على قضايا الإصلاح من الواقع المحلي انطلاقاً من وضعية المدرسة العمومية المغربية، دراسة وتأملا ومعالجة، وسوف نستبعد الخوض في مناقشة البنية التحتية للتعليم العالي لأنها مشخصة ومعروفة وتحتاج إلى إقلاع حقيقي وفعلي هي أيضاً على ضوء تعيين الحكومة الجديدة وتوجهاتها وبرامجها الاصلاحية الكبرى. ولا شك أن الحكومة الجديدة التي تم تعيينها مؤخرا تنتظرها أوراشاً اصلاحية كبرى سيحظى فيها قطاع التربة والتعليم بدون شك باهتمام بالغ ويأخذ حيزاً كبيراً من النقاش نظراً لأهميته البالغة ولدوره في تحريك دواليب التنمية والاقتصاد. ونظراً لتلك الأهمية القصوى، لابد إذاً من إعطاء الأولوية لمعالجة المشاكل التي تتخبط فيها المدرسة العمومية أولا وقبل كل شيء ليتم التركيز على جوهر المشاكل ولا نحيد عن مسار النقاش المثمر، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: - قلة عدد المدارس نسبة إلى النمو الديموغرافي المضطرد للبلد. - ضعف البنية التحتية لبعض المدارس العمومية. - عدم توفر قاعات ومرافق حديثة. - عدم توفر بعض المدارس (إن لم يكن معظمها) على أجهزة ووسائل تعليمية حديثة. - عدم توفر فضاء داخلي وساحة مدرسية جميلة وبمواصفات عالمية تراعي سلامة التلميذ. - ضرورة توفير المراحيض النظيفة وموظفي النظافة للحفاظ على نظافتها باستمرار. - إعداد كوادر مؤهلة كافية للقيام بالعملية التعليمية. - حل مشكلة الاكتظاظ داخل حجرات الدرس وذلك من خلال تشييد مدارس إضافية وملحقات. - ضرورة توفير مكتبة بالمدرسة وقاعات للمراجعة والتقوية. - ضرورة وجود الدعم المادي والمعنوي للقيام بأنشطة وتدريب مصاحب أو موازي لمنسوبي المدرسة أو المؤسسة. - إعادة النظر في قضية غلاء الكتب والمقررات المدرسية مما يرهق كاهل الطبقة الفقيرة من المجتمع. - ضرورة حل مشكلة القرب والولوج إلى المدرسة خاصة في البوادي والمناطق النائية. - إعداد مقررات ومناهج وخطط تعليمية واضحة المعالم من طرف ذوي الاختصاص والكفاءات. - ضرورة الاعتناء بجمالية المدرسة هندسيا داخليا وخارجياً. - إشراك السلطات المحلية والوقاية المدنية وجمعيات المجتمع المدني وآباء وأولياء التلاميذ في العملية التربوية والتعليمية. - تعزيز دور السلطات المحلية في إيجاد محيط مدرسي خالي من الحوادث والموبقات والمخدرات والجريمة وغيرها. - إعادة النظر تدني رواتب المعلمين والمعلمات وأطر الإدارة مما يضعف مؤشر الجودة والتحفيز. - ضرورة الاستعانة بخبرات الكفاءات المغربية في الخارج واشراكهم في عملية تطوير التعليم. ومما لا شك فيه أن ازدياد عدد التلاميذ والطلبة وقلة الكوادر التدريسية المؤهلة للتعليم تعد من القضايا التي يعرفها القاصي والداني وهي ليست السبب الرئيس، كما يقول أحد الباحثين، في فشل التعليم بدليل أن المدارس الخصوصية تمتلك أحياناً بنية تحتية متكاملة وفضاء مدرسي عصري وجميل ولكن مخرجات التعليم فيها لا تختلف كثيرا عن المدارس الحكومية فكلاهما يخرج لنا تلاميذ يركزون على اجتياز الاختبارات النهائية ويرددون ما يمليه عليهم المعلمون حفظا عن ظهر قلب، وفي أفضل الاحتمالات وأكثرها ايجابية يكون التلميذ كأنه حاسوب بشري قادر على تخزين المعلومات (Memory Oriented)، قد أفرغت فيه كمية من المعلومات وقد تم حفظها بأمانة لفترة وجيزة توصله إلى موعد الاختبارات (وقد لا تتجاوزها). ولا يقتصر خطر بناء المناهج على طريقة الحفظ عن ظهر قلب على تلك السلبية المميتة لخلايا الدماغ فقط (كما يقول أحد الباحثين) بل إن تلك الطريقة قد أسهمت بشكل مباشر في ازدياد عملية الغش بين التلاميذ وحتى في الاختبارات الوطنية كالباكالوريا مثلاً، حيث يقوم كثير من التلاميذ بالاستعانة بوسائل التقنيات الحديثة للسرقة عن طريق السماع مما تيسر من معلومات الكتاب المنهجي أو المقرر الدراسي من خارج القاعة الاختبار وادخالها عبر تلك التقنيات الذكية. وبهذه المناسبة نشيد جميعاً بمجهودات وزارة التربية والتعليم والسلطات المحلية في القضاء على تلك الظاهرة وتسخير جميع الوسائل لذلك. كما أن الجميع أصبحت لديه قناعة صارخة بأن المناهج التي تعتمد على الحفظ وتركز على المعلم أو المدرس بصفته المصدر الاول لبث المعلومة (Teacher Centered Approach) بدلا من أن يكون التركيز على الطالب المُعنى بالعملية التعليمية (Student Centered Approach)، يقتل الابداع في نفس التلاميذ فضلا عن انه لا يراعي الفروق الفردية بين التلاميذ. وإذا ما شرعت الوزارة المعنية في التركيز على هذا الجانب الايجابي وتطبيقه في المدرسة العمومية ومنذ سن مبكرة، فإن ذلك سوف يمثل الخطوة الاولى في اصلاح التعليم. نظر إلي صديقي إبراهيم وهو يعلم بأنني مليء بروح التفاؤل وواثق من أن إصلاح البنية التحتية للمدارس سيعود بالنفع على بلدنا وسيعزز غيرتنا على مدارسنا، أما المردودية فهي مرتبطة بعوامل أخرى لابد من الانكباب على دراستها ومنها قضية المناهج والكوادر التربوية والتكوين الصحيح للمدرسين وإتاحة فرصة التدريب المصاحب وإعادة النظر في سلم الرواتب للأساتذة والمعلمين واختيار المسار الصحيح للتعليم واتقان اللغة العربية واللغات الأجنبية واتباع الخطط التشاركية من طرف الإدارة المدرسية والسلطات المحلية والوقاية المدنية والمجتمع المدني وإشراك آباء وأولياء التلاميذ في الأنشطة المدرسية لتوطيد العلاقة بينهم وبين مدرسة أبنائهم، والايمان واليقين بأن العملية التربوية والتعليمية هي مسؤولية الجميع وليست مسؤولية جهة واحدة أو شخص واحد فحسب. أخذ إبراهيم قبعته ومفاتيح سيارته إشارة لي بالتوقف عن الحديث وأضاف قائلا: "الآن وقد شرعنا في إعادة ترميم البنية التحتية للمدارس وتحديث مرافقها وتزيين فضائها وتنظيف محيطها من كل الشوائب والموبقات التي تطارد أبنائنا وتفتك بأرواحهم، حان الوقت لترميم قيم الأخلاق لطلابنا وتلامذتنا، فزرع مكارم الأخلاق والإحسان واحترام من هو أكبر منا سناً واحترام المعلم والبر بالوالدين هي اللبنات الأولى التي تستدعي اهتمامنا إذا كنا فعلا نطمح إلى إعادة المجد للمدرسة العمومية المغربية". ابتسم ابراهيم ليظهر لي جليا أنه يشاطرني نفس الإحساس بالتفاؤل وتلملم على بعضه ليدفع بكرسيه إلى الوراء ووضع يده على كتفي كعادته قائلا: "أكعاون ربي" والله ولي التوفيق،،، *خبير دولي في مجال التربية والتعليم، مستشار [email protected]