أستدل الستار وانتهت فترة الترقب والانتظار بعد إصدار مجلس الأمن لقراره رقم 2494 بشأن الصحراء يوم الأربعاء 30 أكتوبر، وقبل الخوض في مضمون القرار والغوص في متونه ومحتواه، لا بد من التذكير بأن السياقات والظروف المحيطة بهذا القرار مختلفة نوعا ما عن السابق. فالقرار يأتي في ظل غياب أو ذهاب أبرز المنافحين والمدافعين عن أطروحة خصوم المغرب من داخل الإدارة الأمريكية، وبالتحديد جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق الذي أقاله الرئيس الأمريكي ترامب بسبب مواقفه إزاء مجموعة من الملفات الحيوية والاستراتيجية، بالإضافة إلى استمرار شغور منصب المبعوث الخاص للأمين العام لمدة تزيد عن خمسة شهور بعد استقالة هوست كولر خلال شهر ماي الماضي، والأوضاع الداخلية التي تعيشها الجزائر. معطى آخر لا يقل أهمية عن الاعتبارات السابقة، هو تحول الموقف الأمريكي الذي بدا جليا من خلال تعامل إدارة ترامب بمرونة مع الموقف المغربي مقارنة بمواقفها السابقة التي كانت تتسم بالصرامة والصلابة والغموض، نظرا لمجموعة من الاعتبارات. لكن من الواضح أن المملكة تمكنت من تخطي الأزمة غير المعلنة أو حالة الفتور التي اعترت العلاقة بين الطرفين منذ مجيء ترامب. أما على مستوى مضمون القرار، فقد صوتت 13 دولة لصالحه مع امتناع كل من روسيا وجنوب إفريقيا عن التصويت، وهذا الامتناع غير مفاجئ وكان متوقعا بالنظر إلى مضامين القرار التي تصب في مجملها في اتجاه الحفاظ على الوضع الراهن الذي لا يخدم أطروحة الانفصال. نص القرار يتضمن 16 توصية، الجانب الأكبر منها مطابق ومستنسخ عن القرارات السابقة، مع وجود بعض التوصيات المغايرة أو الطارئة التي تحمل في طياتها بعض الرسائل والدلالات، ويمكن الإشارة إلى الجوانب المشفرة والظاهرة من القرار من خلال ثلاث ملاحظات رئيسية: الأولى، التوصية الأولى تشير إلى تمديد بعثة المينورسو لمدة سنة، وذلك على عكس القرارات الثلاثة الأخيرة-ما قبل هذا القرار-التي نصت على التمديد لمدة ستة أشهر، وقد خاض المغرب في كواليس مجلس الأمن حربا دبلوماسية من أجل العودة إلى التمديد السنوي. لكن إقرار هذا التحول والعودة لمدة سنة يرتبط ربما بالسياقات السابقة التي جاء فيها القرار، مما يشكل انتكاسة وضربة موجعة للإطراف الأخرى الموالية لأطروحة الانفصال. الملاحظة الثانية، التوصية الثانية تركز على ضرورة أو الحاجة إلى التوصل إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم لمسألة الصحراء الغربية، وهي إشارة مهمة وجوهرية، خاصة وأن المرجعية الأساسية لمقولة "الواقعية والعملية" موجودة ضمن قرارات مجلس الأمن، وبالتحديد القرار رقم 1813؛ إذ سبق أن تبنى مجلس الأمن توصيات الأمين العام للأمم المتحدة التي تعزز الخلاصات التي أدلى بها المبعوث الشخصي بيتر فان والسوم أمام المجلس في 21 أبريل 2008، حيث توصل هذا المبعوث بعد إشرافه على أربع جولات من المفاوضات إلى خلاصة مفادها أن "كيانا مستقلا في الصحراء ليس ولن يكون خيارا واقعيا". الملاحظة الثالثة، الإشارة إلى المفاوضات المتجددة وربطها بالمحادثات الرباعية ضمن التوصية الثالثة، وهو ما يكرس دور الجزائر الرئيسي في ملف النزاع، حيث باتت صيغة "المحادثات الرباعية (المغرب، الجزائر، موريتانيا، البوليساريو)، تحل بشكل تدريجي محل "دول الجوار" ضمن توصيات قرارات مجلس الأمن. وهذا المعطى يؤشر على بداية حدوث التغيير على مستوى تركيبة أطراف النزاع ضمن مرجعية مجلس الأمن. ختاما، ومن خلال مضمون القرار 2494 الذي يكرس الوضع القائم "الستاتيكو"، وبالنظر إلى البيان الذي أصدرته البوليساريو مباشرة بعد صدور هذا القرار، الذي جاء بنبرة يائسة ومكسورة، حاولت إخفاء انتكاستها من خلال توظيف مفردات ومصطلحات تهديدية وتصعيدية، فالملاحظ أن ملف الصحراء يتجه نحو نقطة الصفر، وهو ما ينذر بانفجار أو انفلات في مخيمات تندوف. *أستاذ العلوم السياسية