يوم جديد، احتجاج جديد. يوم الإثنين كانت بوليفيا- حيث اشتبك سكان غاضبون مع الشرطة بعد أن قالت المعارضة السياسية إنها تعرضت لخداع في انتخابات فاز فيها الرئيس الحالي إيفو موراليس. وسادت الفوضى شوارع سانتياجو، عاصمة تشيلي، الأسبوع الماضي، حيث قام المتظاهرون الغاضبون من ارتفاع تعريفات المواصلات العامة بنهب المتاجر وأضرموا النار في حافلة، ما دفع الرئيس إلى إعلان حالة الطوارئ. وفي وقت سابق من هذا الشهر فعل زعيم الإكوادور الشيء نفسه بعد اضطرابات اتسمت بالعنف بسبب قرار رفع دعم الوقود المطبق منذ عقود. وكانت تلك الأحداث في أمريكا الجنوبية وحدها. وتشهد هونغ كونغ اضطرابات منذ شهور، وأصيبت العاصمة اللبنانية بيروت بالشلل وتحولت أجزاء من برشلونة إلى ما يشبه ساحة المعركة الأسبوع الماضي، وخرج عشرات الآلاف من البريطانيين في مسيرة في شوارع لندن في عطلة نهاية الأسبوع بسبب البريكست، (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) واندلعت احتجاجات في مختلف أرجاء العالم في الأشهر القليلة الماضية، وكان لكل منها ما أشعلها، لكن أغلب التكتيكات والإحباطات الكامنة كانت متشابهة، فانتبهت الحكومات والاقتصاديون والمواطنون. الاقتصاد في أربع على الأقل من الدول التي شهدت احتجاجات عنيفة في الفترة الأخيرة، كان السبب الرئيسي هو الاقتصاد؛ فقد أثارت حكومتا تشيلي والإكوادور غضب شعبيهما بعد محاولة زيادة التعريفات وإنهاء دعم الوقود. وفي حين انتشرت الاشتباكات في كيتو، سعى رئيس الإكوادور لينين مورينو إلى التواصل مع زعماء السكان الأصليين، الذين قاموا بتعبئة الناس للخروج إلى الشوارع. وفي غضون بضع دقائق رفض جيمي فارجاس، كبير منظمي الاحتجاجات، مبادرة الرئيس. وقال فارجاس في بث مباشر على فيسبوك من مسيرة في كيتو "نحن ندافع عن الشعب"، ويبرز رده، الذي شاهده الملايين، التحدي الجديد الذي تواجهه السلطات أثناء محاولاتها قمع الاحتجاجات، وهو أن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت التواصل بين المحتجين أسهل كثيرا. وخرج عشرات الآلاف إلى شوارع بيروت في أكبر إظهار للاستياء من المؤسسات هناك منذ عقود. وخرج الناس من كل الأعمار ومن مختلف الطوائف للاحتجاج على تدهور الأحوال الاقتصادية والاعتقاد بأن المسؤولين فاسدين. وكانت عوامل مشابهة وراء احتجاجات دموية في العراق في أوائل أكتوبر. وقتل أكثر من مئة شخص في احتجاجات اتسمت بالعنف في مختلف أرجاء البلاد، حيث قال الكثير من العراقيين وبخاصة الشباب إنهم لم يشهدوا مزايا اقتصادية تذكر منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في 2017. وشنت قوات الأمن حملة وفتح القناصة النار من على أسطح المباني، وأوقفت خدمة الإنترنت لوقف تدفق المعلومات بين المتظاهرين. وقال أحد المتظاهرين في بغداد: "الرصاص لا يخيفنا. إنه لا يخيف العراقيين. سينصب ذلك كله على رؤوسهم". أعطونا الحكم الذاتي شهدت هونغ كونغ احتجاجات ضخمة على مدى خمسة أشهر اتسمت بالعنف في بعض الأحيان بسبب مخاوف من أن تكون بكين تشدد قبضتها على الإقليم، في أسوأ أزمة سياسية منذ أن سلمت بريطانيا حكم هونغ كونغ للصين في 1997. ورغم أن هونغ كونغ لم تشهد سوى القليل من المسيرات الحاشدة في الأسابيع الماضية، إلا أن العنف تصاعد فيها، حيث أضرم نشطاء النار في محطات مترو وحطموا متاجر واستهدفوا بنوكا صينية ومتاجر على صلة بالبر الرئيسي. وأطلقت الشرطة آلاف قذائف الغاز المسيل للدموع ومئات الرصاصات المطاطية وثلاث طلقات حية على النشطاء المسلحين بالحجارة والقنابل الحارقة. وتشابهت الأحداث في هونغ كونغ مع تلك الدائرة في كطالونيا في الأيام الأخيرة، فهناك أيضا يشعر الناس بالغضب من محاولات إحباط مساعيهم للحصول على حكم ذاتي أكبر، وإن لم يكن استقلالا كاملا عن باقي إسبانيا. وأضرم المتظاهرون النار في سيارات وأطلقوا قنابل حارقة على الشرطة في برشلونة في أعمال العنف التي أشعلها صدور أحكام على زعماء انفصاليين في كطالونيا سعوا لإعلان الإقليم دولة مستقلة. وركز المتظاهرون كذلك على أهداف إستراتيجية مثل المطار الدولي لإحداث أكبر أثر، ما أوقف أكثر من مائة رحلة طيران. وجاء ذلك بعد أيام من وقوع أحداث مشابهة في هونغ كونغ، ما يشير إلى أن الحركات الاحتجاجية تتابع بل وتنقل حرفيا خطى بعضها البعض على مواقع التواصل الاجتماعي والأخبار. وقال جيسيبي فايريدا (22 عاما) وهو طالب فنون في احتجاج انفصالي في كطالونيا في الفترة الأخيرة: "في هونغ كونغ قاموا بذلك بشكل جيد، لكنهم أكثر جنونا". ويخطط المحتجون في هونغ كونغ لاحتشاد يوم الخميس لإظهار التضامن مع المتظاهرين في إسبانيا. زعيم أم لا زعيم في بعض الحالات يظهر أفراد على واجهة الحركة الاحتجاجية باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لتوصيل رسالتهم. وفي مصر، حيث كانت مظاهرات الشهر الماضي صغيرة نسبيا، لكن كبيرة في دلالتها بسبب ندرتها، كان محرك الاحتجاج على الرئيس عبد الفتاح السيسي مواطن ينشر تسجيلات فيديو من إسبانيا. وألهمت جريتا ثونبرج الفتاة السويدية الملايين لخروج في مسيرات في مدن مختلفة في العالم في شتنبر لمطالبة القادة السياسيين بالعمل على وقف تغير المناخ. واحتشد عشرات الآلاف في نيويورك للاستماع إلى كلمتها، وقالت فيها: "إذا كنت تنتمي لتلك المجموعة الصغيرة من الناس التي ترى فينا تهديدا لها فلدينا أنباء سيئة جدا لك...لأن هذه هي مجرد البداية. التغيير آت سواء شئت أم أبيت".