قال حمودي إن مشروع الأنثروبولوجيا كان بالنسبة إليه حدسا منذ ستينات القرن الماضي عندما كان طالبا، ثم مع استقلال البلاد والاستقلال المعرفي؛ لأن المشروع يأتي بالاستقلال المعرفي، موردا أنه كان مشروع "أنثروبولوجيا عربية"، التي زاد شارحا أنّها "أنثروبولوجيا لا تقصي طبعا الأمازيغية"، لأن "لغته العربية وطن شاسع وليس قومية شوفينية بعثية أو غيرها، والعربية كوطن شاسع تكتبها العديد من الشعوب". ووضّح الأنثروبولوجي المغربي في محاضرة افتتاحية ألقاها بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ابن زهر بأكادير، أن "الذي يبلغ سنا معينة يكتب في مشروعه الخاص، لكن لا يجب أن يتوهم الباحث بأنه في سن العشرين مثلا سيكون قد أحاط بالمشروع ككل. بل إن الباحث ذاته يفكر في عمله ومشروعه ليبرر مشروعه هذا الذي يبقى مفتوحا وغير مكتمل". ثم أضاف قائلا: "المشروع تجربة لم يكن للباحث أن يصادق عليها منذ البداية، بل يكون له حدس، وبعض من هذا الحدس سيتضمن نقصا أو خطأ يصحح، وبعضه يكون صائبا، وبهذا المعنى يكون مشروعا". وذكر الأنثروبولوجي المغربي أنّ العرب والأمازيغ كتبوا بالعربية وبالأمازيغية، كما كتبوا الأمازيغية كذلك بحروف عربية، وأضاف أنّ هذا الوطن الشاسع سكنه الهنود والعرب وكانوا فيه أقلية، وأنّ هذه لغة كتبها الهنود وخراسان والعراق والأمازيغ والأفارقة في مالي ونيجيريا وغيرها، و"هذا الوطن في ظروف ما كان يسع تعدُّديات كثيرة". وعبّر حمودي عن اعتزازه بحضوره في سوس العالمة؛ لأنه في مقدمة "المعسول"، يقول المختار السوسي: "أنا لغتي أمازيغية، ثم تعلمنا العربية وذقنا حلاوتها". وزاد: "ليست هناك قطيعة بين ما هو مكتوب بالعربية وما هو مكتوب بالأمازيغية، بنفس القدر الذي لا توجد معه قطيعة بين شاي خاص بأهل سوس وأنواع أخرى للشاي بوادي درعة مثلا، أو مناطق أخرى من المغرب". وعبّر الأنثروبولوجي عن تخوّفه مما أخبره به الدكتور محمد الأشهب حول تتبّعه لأعماله بتدقيق، لأنه خشي أن يُنَقِّبَ عن شيء خاطئ في أعماله التي سبق وكتبها منذ أربعين أو خمسين سنة، ثم زاد مبيّنا أنّ "هذا الخوفَ مقبول ومبرر؛ لأن الأنثروبولوجي كيفما كان يجب أن يهابَ قرّاءَه"، مضيفا: "الخوف هنا بمعنى الاحترام؛ لأنه بالخوف منهم واحترامهم لن يكتفي بالتجميع والنشر فقط، وهي الظاهرة المنتشرة عندنا في الطبع والنشر". وأشار حمودي إلى أنّه عندما يكتُب يحضُرُه القارئ ويأخُذه بعين الاعتبار ويهابه ويصحح ويحذف ما شاب عمله من نقص، احتراما لذكاء هذا القارئ الذي يفرض التفكير فيما سيُقدّمه الكاتب له لأن ذلك مسؤولية على عاتقه. وزاد أن هذا يتمّ خاصة عندما يكون أمام شباب؛ لأن ذلك يدفعه إلى التّفكير في أنّه يجب أن يُقدّم لهم منتوجا جيدا ليس كحقيقة مطلقة، بل ما يهم هو الخطوات التي قادت إلى تلك النتائج؛ فبها يتمكن القارئ، والطالب على الخصوص، من قياس مدى قدرته على مجاراة هذا العمل ونتائجه.