من المحتمل ألا تسفر الانتخابات البرلمانية في تونس يوم الأحد عن فائز واضح وهو احتمال مرده حالة الاستياء وعدم الرضا عن الأحزاب الراسخة في السياسة الوطنية، فيما يعقد عملية تشكيل ائتلاف في لحظة محورية بالنسبة لاقتصاد البلاد. وفيما يعكس أجواء انعدام اليقين، أكد حزبان رئيسيان عدم الانضمام إلى أي حكومة تضم الطرف الآخر، وهو موقف غير مبشر لمفاوضات الأخذ والرد اللازمة لتشكيل الحكومة. وبعد ثماني سنوات من الثورة التونسية التي فجرت انتفاضات "الربيع العربي"، يزداد الشعور لدى كثير من التونسيين بخيبة الأمل من مؤسسة فشلت في تحسين مستويات المعيشة. وقال كريم العبيدي وهو مصفف شعر يبلغ من العمر 29 عاما في تونس العاصمة "لن أصوت لأحد لأني مقتنع بأن الحكام القادمين سيكونون أسوأ من السابقين" مضيفا أنه يرغب في الانضمام إلى موجات المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط. وعلى الرغم من أن السياسة التونسية تشهد منذ زمن طويل تنافس جماعات علمانية وإسلامية في الانتخابات ثم تقاسم السلطة، إلا أن الشعبوية الناشئة تهدد بوضع نهاية لمثل هذه الصيغ أو التسويات. وقبل نحو ثلاثة أسابيع، انقلب الناخبون، في الانتخابات الرئاسية، على جميع اللاعبين الرئيسيين في أروقة الحكم، ورفضوا السياسيين البارزين لتسفر تلك الانتخابات عن وصول وجهين جديدين إلى جولة الإعادة. وفي 13 أكتوبر تشرين الأول، سيتنافس قيس سعيد، الأكاديمي المستقل ذو الآراء الاجتماعية المحافظة، مع نبيل القروي، قطب الإعلام المحتجز منذ أغسطس آب بتهمة غسل الأموال والاحتيال الضريبي، والذي ينفي ما ينسب إليه من اتهامات. وهيأت هذه النتيجة مسرح الأحداث لانتخابات صعبة يوم الأحد، وتصويت يمكن النظر إليه باعتباره أكثر أهمية من الانتخابات الرئاسية ذاتها لأن البرلمان هو الذي سيشكل الحكومة المقبلة. وبموجب الدستور التونسي لعام 2014، يكون رئيس الوزراء المنتمي لأكبر حزب في البرلمان هو المهيمن على معظم السياسات الداخلية، في حين يتحمل الرئيس المسؤولية المباشرة عن أمور الخارجية والدفاع. وإذا فشل أكبر حزب في الفوز بعدد كبير من المقاعد، مع وجود الكثير من المستقلين، فقد يجد صعوبة في تشكيل ائتلاف يضم ما يصل إلى 109 نواب مطلوبين لتأمين الحصول على دعم بالأغلبية لحكومة جديدة. وتكون أمامه مهلة شهرين من تاريخ الانتخابات إما أن ينجح في ذلك أو يكلف الرئيس شخصية أخرى بتشكيل حكومة. وإذا فشل، فستجرى الانتخابات مرة أخرى. ومع ارتفاع معدل البطالة إلى نحو 15% على المستوى الوطني، و30 ٪ في بعض المدن، ومضي الحكومة في جهود كبح جماح التضخم الذي بلغ 7.8 ٪ العام الماضي، فإن أي حالة من الشلل السياسي قد تبلغ حد الخطر. * خيبة أملوتعهد اثنان من أفضل الأحزاب موقفا، وهما حزب النهضة الإسلامي المعتدل وحزب قلب تونس، بعدم الانضمام إلى حكومة تضم الآخر. ويركز كلاهما على الفقر باعتباره القضية الرئيسية، لكن كلا منهما يعاني من نقاط الضعف الخاصة به. ويحاول النهضة استعادة الناخبين السابقين المحبطين من دوره في سلسلة من الحكومات الائتلافية. وقد أبدى تأييده للمرشح المستقل قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية، على أمل أن يجتذب مؤيديه في الانتخابات البرلمانية. ويخوض زعيمه، راشد الغنوشي، الذي كان منفيا قبل انتفاضة 2011، الانتخابات للمرة الأولى وقد يسعى إلى أن يصبح رئيسا للبرلمان. وقال إن الخيار في هذه الانتخابات بين قوى الثورة مثل النهضة وقيس سعيد، و"أحزاب الفساد"، في إشارة إلى القروي ومشاكله القانونية. وزادت مشاكل القروي بعد أن كشفت وسائل إعلام في الآونة الأخيرة عن وثائق تظهر على ما يبدو أنه دفع مليون دولار لشركة استشارية كندية، وهو ما أنكره. ولو كان هذا قد حدث حقا فقد يشكل انتهاكا لقواعد تمويل الانتخابات. وعلى الرغم من أن محطة (نسمة) التلفزيونية التابعة له تبث محتوى داعماً لحزب قلب تونس، فإن اعتقاله يعني غياب أكثر الوجوه جاذبية في الحزب لأسابيع. وزوجته سلوى السماوي هي الوجه الدعائي للحزب، حيث تسافر إلى الريف لمقابلة الفقراء والنساء العاملات في الأراضي الزراعية، وتعدهم بأن قلب تونس سيكون عونا لهم. ويأمل الحزب في الفوز بكل من الرئاسة والبرلمان، وهما جائزتان ستمنحانه سيطرة كبيرة على الشؤون التونسية. ومع ذلك، فإن أي ائتلاف قد تفرزه الانتخابات سيواجه نفس الخيار غير المستساغ الذي أضر بالحكومات السابقة: إما إصلاحات اقتصادية يعارضها اتحاد عمالي قوي أو زيادة الدين العام وهو ما تعارضه الجهات المقرضة الأجنبية. وقال مصفف الشعر العبيدي "سيكون المشهد أكثر ضبابية وتعقيدا على الأرجح في الفترة المقبلة. السياسيون فشلوا في تلبية مطالبنا عندما كانوا موحدين. لذلك أنا متأكد من أنهم سيفشلون أيضا (في) فعل ذلك الآن وهم منقسمون. *رويترز