الفوضى الخلاقة: بالإنجليزية (Creative Chaos) مصطلح سياسي - عقدي يقصد به تكون حالة سياسية بعد مرحلة فوضى متعمدة الإحداث، يقوم بها أشخاص معينون دون الكشف عن هويتهم؛ وذلك بهدف تعديل الأمور لصالحهم، أو تكون حالة إنسانية مريحة بعد مرحلة فوضى متعمدة من أشخاص معروفين من أجل مساعدة الآخرين في الاعتماد على نفسهم. في مطلع عام 2005 أدلت وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليزا رايس" بحديث صحافي لجريدة واشنطن بوست الأمريكية، أذاعت من خلاله نية الولاياتالمتحدة نشر الديمقراطية بالعالم العربي، والبدء بتشكيل ما يُعرف ب"الشرق الأوسط الجديد"..كل ذلك عبر نشر "الفوضى الخلاقة" في الشرق الأوسط عبر الإدارة الأميركية. ورغم وجود هذا المصطلح في أدبيات الماسونية القديمة، حيث ورد ذكره في أكثر من مرجع، وأشار إليه الباحث والكاتب الأمريكي دان براون، إلا أنه لم يطف على السطح إلا بعد الغزو الأمريكي للعراق الذي قادته الولاياتالمتحدةالأمريكية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، في تصريح وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس في حديث لها أدلت به إلى صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في شهر نيسان 2005، حيث انتشرت بعض فرق الموت ومنظمات إرهابية مثل شركة بلاك ووتر الأمنية (منقول عن ويكيبيديا الموسوعة الحرة )... وبالفعل فإن الغرب عامة والولاياتالمتحدةالأمريكية بالخصوص استطاعا تنفيذ مخطط الفوضى الخلاقة بالدول العربية، ونجحا في هذه المهمة بنسب متفاوتة ببعض من هذه الدول، بحيث تراجعت هذه الدول إلى القرون الوسطى من خلال الدمار الذي لحق ببنياتها، فما عادت العراق عراقا ولا سوريا سوريا ولا ليبيا ليبيا ولا اليمن يمنا كما كانت، وبصورة أقل تونس ومصر اللتان تحاولان الحفاظ على مقومات الدولة رغم الاهتزازات التي تلحق بهما بين الفينة والأخرى. أما باقي الدول فهي ليست أحسن حالا، فرغم ظاهرها الذي يبدو هادئا إلا أن الفوضى الخلاقة غير بعيدة عنها، وهي تنخر جسمها لكن بطرق مختلفة. وهكذا انتشرت بهذه الدول الفتوى العشوائية في الدين، حيث أصبح القاصي والداني يفتي في ما هو شرعي أو فقهي بدون أدنى معرفة، فعمت الفوضى مع تواري الفقهاء والعلماء "الذين تركوا الساحة للذي (يسوى) والذي لا (يسوى)"، وما عاد الناس يميزون بين الحلال والحرام ولا الواجب من المندوب ولا المستحب، واختلط الفرض بالسنة ثم تفشت ظواهر لم تعهد عند الآباء ولا الأجداد. وفي مجال القانون والحقوق صار كل منا يغني على ليلاه وعلى هواه، فيفسر القاعدة القانونية تفسيرا سطحيا أو يكيفها حسب مصلحته الشخصية، ناسيا أو متناسيا أن القاعدة القانونية عامة ومجردة وواجبة الاتباع، ولا يمكن تفسيرها إلا تفسيرا قانونيا محضا...وفي مجال التربية فإن الخبراء باتوا بالآلاف ينظرون ويخططون، وكل يدلي بدلوه في جميع ضروب التربية العامة منها والخاصة، وفي التعليم كذلك وبمختلف مراحله، فاستبسلوا في المناهج والبرامج والديداكتيك والبيدغوجيا وطرق التدريس...فلا التربية استقامت ولا التعليم لبس لبوس الجودة والنجاعة...أما عن الحقوق فحدث ولا حرج، فصار الغياب عن العمل حقا بلا منازع، واحتلال الملك العام لا تجادلني فيه، وقس على ذلك.. أما الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تتميز بالكونية والشمولية، فإنها باتت ثانوية أو متجاوزة عند السواد الأعظم، وهكذا تحول اللاحق حقا غصبا عن الجميع خدمة للفوضى الخلاقة، وما عاد الحق في تعليم جيد وفعال كحق أسمى، ولا الحق في صحة جيدة، وما شابههما من حقوق، مطلبا إلا لبعض الأفراد المحسوبين على رؤوس الأصابع. أما الحديث عن حرية التعبير فهو حديث ذو شجون، إذ أصبح عدد (الصحافيين) بيننا يفوق عدد الصحف...فكل من يملك هاتفا ذكيا أو حاسوبا وكان قادرا على الكبس على أزرار لوحة الحاسوب أو الهاتف تحول إلى صحافي نحرير ولا يشق له غبار...وظهر المناضلون الجدد من خلف وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلف الشاشات... هذا يحرض والآخر ينفث سمومه وغيرهما يهدد ويتوعد...أما أطباء "السوشل مديا" فما عاد لهم حصر ولا عدد، هذا يقسم بأغلظ الأيمان أن هذه الوصفة مجربة وتقضي على السرطان في أسبوع، وهذا أو هذه يدعي أو تدعي أن مستعمل وصفتهما لن يحتاج إلى طبيب مدى الحياة... هذا غيض من فيض الفوضى الخلاقة التي نخرت ولازالت تنخر في الهيكل العظمي المتبقي من الدول العربية، والذي يدفعنا إلى طرح أسئلة متعددة، ألا يوجد بيننا ولا معنا من يوقف هذا الزحف قبل فوات الأوان؟ هل نحن في غفلة من أمرنا هذا؟ ومتى سيظل شعار أنا ومن بعدي الطوفان هو سيد الموقف .....؟؟؟! *معلم متقاعد