في شهر غشت الماضي، تقدم كاتب مغربي معروف، هو محمد أديب السلاوي، برسالة مفتوحة إلى جلالة ملك البلاد، من بين ما قال فيها: "أنا اليوم في العقد الثامن من عمري، أعيش منذ عشر سنوات بلا راتب، بلا تقاعد، ومردودية كتبي لا تكفيني لتغطية الجزء اليسير من نفقات حياتي. وطلبي إلى جلالتكم هو منحة شهرية لتغطية مصاريف ما تبقى من حياتي". وفي سياق آخر، ومنذ شهور قليلة، خرجت وزارة الثقافة والاتصال، قطاع الثقافة، بتقرير مفصل، تظهر فيه أنها أنفقت ما يفوق 11 مليار سنتيم من أجل دعم مجال النشر والكتاب والقراءة العمومية، انسجاما مع، وتطبيقا للمواد والنصوص المؤطرة لدعم المشاريع الثقافية والفنية، في هذه السنة، 2019. أول انطباع يمكن الخروج به ونحن نطالع بيان الوزارة الرسمي لنتائج دعم النشر والكتاب، بعد مصادقة لجنة الدراسة، هو الدهشة، أو بالأحرى الصدمة من هول رقم 11 مليار سنتيم الذي يثير في النفس ذاك الحديث الذي يوصف بذي الشجون، حول المال العام الذي يسخر لخدمة الكتاب والقراءة في واقع ومجتمع يبتعد أكثر فأكثر عن الكتاب وعن القراءة. في السياق نفسه، الكثير من الإحصائيات التفصيلية المرافقة لبيان وزارة الثقافة يمكن قراءتها من منظور التدهور المتلاحق في سوق الكتاب، والتراجع الكبير في الحقل التداولي الذي يتحرك داخله المرتبطون بالكتاب، وفي الوقت نفسه، من خلال حالات الشكوى، القريبة من الإفلاس، التي يسوقها المشتغلون في مجال الكتاب. أول سؤال يمكن طرحه، والذي يمكن أن تتفرع عنه أسئلة لا نهائية، هو: من المستفيد الأول من دعم الكتاب؟ هل هذا الكم الهائل من المال المخصص للدعم يظهر له من الأثر ما يفيد الكاتب والمجتمع؟ ما هي حصة الكاتب المغربي من هذا الدعم السخي جدا؟ لماذا يتحمل الكاتب وحده محدودية نشر الكتاب المدعم، ولا يتحمله غيره من المتدخلين في المنظومة؟ لماذا لا يتقاضى الكاتب أجره كاملا، وفق تحديد حسابي، من هذا الدعم المالي الهائل المقدم للكتاب؟ لماذا لا تنتبه وزارة الثقافة، في دعمها للكتاب، إلى الكاتب باعتباره أهم عامل وأهم عنصر في المعادلة؟ كيف يمكن تبرير اعتبار تسليم الكاتب 150 نسخة من كتابه، أجرا؟ وهل من الجائز أداء أجر الكاتب عينا، وليس نقدا؟ ولماذا يقبل الكاتب بهذا العرف المجحف، وهو يعلم أن كتابه مدعوم من طرف الدولة، ومن حقه الاستفادة من هذا الدعم؟ لماذا لا تغير الوزارة الوصية بوصلتها، وتغير ريح الدعم في اتجاه الكاتب عوض الاقتصار على المشتغلين في مجال الكتاب والمرتبطين به، من دور النشر والمطابع ودور التوزيع وغيرهم، أو على الأقل إيجاد قسمة وسطى بينهما؟ لماذا لا تؤسس الدولة ميثاقا قانونيا وأخلاقيا، وفق معايير وشروط محددة، يجمع بينها وبين الفاعلين في مجال الكتاب، وبين الكاتب، حتى تكون الفائدة أعم وأشمل؟ إلى متى سيظل الكاتب هو الحلقة الأضعف في منظومة دعم الكتاب وطبعه ونشره وتوزيعه؟ متى يستفيق الكاتب ويطالب بحقه من المال الكثير المخصص لدعم الكتاب؟ هل يكون هناك تفكير جدي في خلق نقابة خاصة بالكتاب المحترفين، تدافع عن حقهم وحقوقهم؟ كم من كاتب يشبه محمد أديب السلاوي في مناحي عدة، ولا يستطيع التعبير عن وضعه، فما بالك كتابة رسالة استعطافية مفتوحة لملك البلاد. في كثير من أنحاء المغرب، الكثير والكثير من الجمعيات والمؤسسات الثقافية، والكثير من المهرجانات واللقاءات، والكثير من مشاريع طبع وإصدار الكتب وغير ذلك، أغلبيتها الساحقة جعجعة بلا طحين، وكلام بدون أثر، وتصرف في المال العام بدون حسيب وبدون رقيب، هذا في الوقت الذي يظل الكاتب ينظر ويكتفي بالنظر. هل هذا المال الكثير الذي يستفيد منه الحقل الثقافي المغربي يذهب إلى حيث يجب أن يذهب، أم يقدم لجهات لا تستحقها؟ متى تنتبه وزارة الثقافة للكاتب بموازاة مع اهتمامها بصناعة الكتاب؟. من فواجع الأمور أن نسمع بهذا الكم الهائل من الأموال المخصصة لدعم الكتاب، ونجد كتّابا يموتون في بؤسهم وفقرهم وبأمراضهم، لا داعم لهم سوى مبادرات، قليلة وفردية في أغلب الأحيان، لا تسمن ولا تغني من جوع. هل من المستساغ والمقبول أن يموت كاتب ما من الكمد أو من الإهمال أو من المرض أمام وجود هذا الكم المهول من المال المتعلق بدعم الكتاب؟. ربما يكون السؤال عن الواضحات من الفاضحات.