الحال والمآل (1) تعرضت العديد من المدن والمداشر بالمغرب خلال نهاية فصل هذا الصيف، إلى حالات طبيعية استثنائية على مستوى دينامية الظروف المناخية والهيدرولوجية، ولعل مخلفات العواصف والرعود التي لحقت أكثر من مكان عبر الجبال والأودية المغربية شمالا وجنوبا، كانت في مجملها ذات وقع على الأفراد والجماعات دون استثناء، بعد أن نقلت وسائل الإعلام بالصوت والصورة والقصاصات الرسمية، حجم الخسائر المادية والبشرية، التي أصابت في مجملها فئات مختلفة بعضها يشكو من الهشاشة، وهي في نفس الوقت عرضة للآفات بصفة دائمة عبر الأمطار الغزيرة التي غالبا ما تكون مركزة في المكان والزمان وذات طابع عاصفي. ولعل الإشكال المركزي الذي طرح وسيبقى دائما ذو راهنية في الفضاء العمومي، عند وقوع أي حادث مشابه لما حصل بإقليم تارودانت والراشيدية، هو ذاك المرتبط بمدى فعالية السياسة المتبعة في إدارة الكوارث الطبيعية في المغرب، حيث يبقى الالتزام السياسي والمؤسسات القوية والحكامة الرشيدة هي مبادئ رئيسية يمكنها أن ترفع الحد من مخاطر الكوارث إلى الأولوية السياسية في تدبير الشأن العام. ولعل تعزيز التنفيذ الفعال لمختلف البرامج المعدة مسبقا، والتعبئة النشيطة للمجتمع المدني وباقي القطاعات كفيلة برفع التحدي. فتعدد التخصصات وتعدد المتدخلين، يتوجب إدراج المخاطر لزوما في جدول أعمال المؤسسات المعنية وتتبع التنفيذ الفعال والعملي للأدوار مع التنسيق الشامل بين مختلف المعنيين، خاصة وأن المغرب يتوفر على مؤسسات تعمل في هذا الإطار، بالإضافة إلى ترسانة تشريعية وخطط عمل توجد إدارة مخاطر الكوارث ضمن أهدافها المسطرة. محطات العمل المؤسساتي بعد مؤتمر يوكوهاما (1994)، اعتمدت الحكومة المغربية العديد من النصوص التنظيمية المتعلقة بإنشاء أو تنظيم أو تكليف الوزارات والقطاعات الوزارية في مجال حماية البيئة بشكل عام، أو في مسائل الوقاية من الكوارث الطبيعية على وجه الخصوص. فعلى مدى العقدين الماضيين، وضع المغرب ترسانة تشريعية وإطار مؤسسي حديث يستجيب للحاجة إلى حماية البيئة والموارد الطبيعية والتكيف مع المخاطر، وهو ما يعتبر امتدادا، للعديد من الاتفاقيات الدولية التي التزمت بها المملكة فيما يتعلق بالمجالات ذات الصلة بحماية البيئة ناهيك عن إنشاء العديد من الصناديق لتوفير الموارد المالية اللازمة، مثل صندوق الكوارث الطبيعية، والصندوق الخاص لتعزيز ودعم الحماية المدنية (FSPSPC) والصندوق الوطني للغابات (FNF). أما على المستوى التشريعي ، تم وضع العديد من القوانين المعمول بها لتحديد آفاق إدارة المخاطر الطبيعية، وفي هذا الصدد تم إخراج العديد من الخطط القطاعية التي تدمج مفاهيم الحد من المخاطر في مجالات التنمية، بما في ذلك إدارة موارد المياه والحد من الفقر والتكيف مع تغير المناخ. وفي هذا السياق لوحظ تقدم كبير في تنفيذ الإجراءات الواردة في هذه الخطط والتي يمكن أن نذكر منها على وجه الخصوص: · البرنامج الوطني لحماية البيئة (PANE) · البرنامج الوطني للحماية من الفيضانات (PNPI) · البرنامج الوطني لتهيئة الاحواض المائية (PNABV) · استراتيجية الحد من المخاطر الطبيعية الناجمة عن التقلبات الجوية الخطرة · البرنامج الوطني للحد من الكوارث الطبيعية والوقاية منها للحفاظ على البنى التحتية الأساسية · إجراءات الوقاية من الكوارث الطبيعية على مستوى المطارات · إجراءات الوقاية من الكوارث الطبيعية على مستوى الموانئ (ODEP) · وبرامج ORSEC و SATER و SAMAR و SAR و POLMAR لإدارة الكوارث والمخاطر الكبرى · برنامج عمل الدرك الملكي (PAGR) · العديد من مشاريع التكيف مع تغير المناخ (CC) المحددة في قطاعي المياه والزراعة بالإضافة إلى دعم المشاريع · البرنامج الوطني للتخفيف من آثار الموجات الباردة ... الخ ورغم من تعدد هذه البرامج، لا يوجد في المغرب حاليًا أي هيئة وطنية متخصصة في إدارة الكوارث الناتجة عن المخاطر الطبيعة، تكون مسؤولة أيضًا عن التنسيق والتعاون بين القطاعات التي تشمل الإدارات الوزارية ذات الصلة على المستوى الهيكلي. كما أن العدد الهائل من القوانين والمراسيم والنصوص التنظيمية، لم يعد يساير متطلبات ومستجدات العصر، بل أنها غير متجانسة في كثير من الأحيان، لدرجة ان هذه التشريعات لا تتحدث عن مفهوم «الخطر الطبيعي" بشكل واضح وصريح، وهذا ما يحول وإمكانية إعداد إطار عمل سليم لإدارة المخاطر الطبيعية، مما يشكل عقبة رئيسية في طريق إحراز تقدم كبير في إدارة مخاطر الكوارث الطبيعية. ومن هنا طرحت أهمية التفكير في استراتيجية متكاملة لضمان إدارة فعالة ومنسجمة للمخاطر الطبيعية. وبالنظر لموقعه الجغرافي ومواصفاته الجيولوجية، فالمغرب يعد من بين أكثر البلدان عرضة للكوارث الطبيعية (زلازل، فيضانات، وفيضانات خطية ...)، وهي ظواهر توصف عادة بأنها استثنائية، لكنها أصبحت من المواضيع التي تثير القلق بالنسبة لمختلف الهيئات المسؤولة والجهات الفاعلة، التي تدرك مدى التأثير الاقتصادي والاجتماعي للكوارث الطبيعية مما دفعها إلى تعزيز سياستها في مجال الحد من الكوارث على مدى العقد الماضي. هذه السياسة تستند على مفهوم التنمية المستدامة، وتجعل من المخاطر عاملاً رئيسياً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد، وهذا ما دفع المغرب مؤخرا إلى إنشاء الصندوق الوطني للحد من الكوارث الطبيعية (FLCN)، الذي حددت مهمته في تمويل مشاريع ودراسات من شأنها التخفيف من آثار الكوارث ذات الصلة. واتخذ المغرب أيضًا العديد من الإجراءات فيما يتعلق بإدارة المخاطر مثل تطوير ترسانته القانونية والتنظيمية وتنفيذ العديد من برامج العمل في مختلف القطاعات، دون إهمال التحسب للجوانب المالية والاقتصادية للتأكد من نجاعة هذه البرامج. ورغم ما تم إحرازه من تقدم ملحوظ إلا أن الاقتصاد المغربي الذي يقاوم مشاكل التنمية وتخفيف الفقر، لا يستطيع تحمل تكلفة تنفيذ مثل هذه المشاريع دون تظافر جهود مختلف المتدخلين والمعنيين بالبرامج الاجتماعية والاقتصادية (تعليم، صحة، بنية تحتية أساسية، ....). وإدراكاً منه أن المعرفة بالمخاطر ضرورية للحد من تأثير الكوارث، فإن المغرب يعمل من ناحية لجعلها مسؤولية مشتركة بين الدولة والمواطنين، ومن ناحية أخرى، لأخذ الوقاية كخيار أولي ضمن سياسات واستراتيجيات التنمية. هذه فقط بعض مبررات التفكير في طرح استراتيجية متكاملة لدرء مخلفات الكوارث الطبيعية وإدارة المخاطر حيث من المرتقب إخراجها حيز الوجود في آجال قريبة. أهمية الإدارة المندمجة للمخاطر الطبيعية على المدى البعيد 1-2- مفهوم الإدارة المندمجة للمخاطر تطوير واعتماد استراتيجية وطنية متكاملة لإدارة المخاطر لن يؤديان فقط إلى استعداد أفضل لتجنب الأزمات المستقبلية بطريقة أكثر استجابة ومرونةً عند حدوثها، ولكنه سيساعد جميع المتدخلين على اتخاذ قرارات صائبة ارتباطا بالأولويات. فالمخاطر ليست كلها متساوية ولا يمكن إدارتها بنفس الطريقة أو بمعزل عن غيرها، حيث يرجح أن تستفيد البلدان التي تتبنى نهجًا متكاملًا لإدارة المخاطر من النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي الأكثر أمانًا ، بل من المحتمل أيضًا أن تجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ، ذلك أن المستثمرين ينظرون إلى البلاد على أنها أكثر أمانًا واستقرارًا، ومع ذلك من المهم الإشارة إلى أن المخاطر ليست هي المشكلة بالضرورة وإنما كيفية التعاطي معها. 2-2 نقاط القوة لدى الإدارة المتكاملة تتميز الإدارة المتكاملة لمخاطر الكوارث على الإدارة التقليدية بعدد من المزايا، ذلك لأنها تواجه المخاطر الرئيسية بطريقة متماسكة باستخدام معايير مشتركة، وفي بعض الأحيان، تجمع بين أساليب وطرق الحد من المخاطر أثناء اعتماد نهج متعدد المخاطر، في حين أن الإدارة التقليدية تأخذ المخاطر بشكل منفرد دون جمع بيانات مخاطر مماثلة، كما تتبع بشكل منفصل خيارات الحد من المخاطر بناءً على معايير غير منسجمة. وبشكل عام يعد نهج الإدارة المتكاملة للمخاطر خطوة رائدة لأجل فهم التداخل بين العديد من المخاطر التي تواجهها مجالاتنا الجغرافية (جيولوجية، هيدرولوجية، مناخية، سفحية...)، والتي تعمل من خلال تعدد الفرقاء وفق عملية شفافة ومستمرة مبنية على تنسيق الجهود بهدف تقليص مفعولها. كما أن تحسن التكامل المنهجي للحد من عوامل الخطر، وأخذ ذلك بعين الاعتبار خلال القرارات اليومية والإستراتيجية، سيساعد على استثمار مناسب للموارد النادرة بغرض الحد من المخاطر بشكل أكثر فعالية ونجاعة، وبالطبع فمراقبة التقدم المحصل على عدد من الجبهات يسمح بالتأكيد على ما يلي: - الوعي بالمخاطر وتقييمها، والتأهب للأزمات المترتبة عنها - تحديد أكثر وضوحا وتصنيف عقلاني للأولويات التي يواجهها المجال - فهم أفضل للقدرات الذاتية والوسائل اللازمة للحد من المخاطر - تحسين فهم الترابط بين المخاطر من أجل تسهيل اتخاذ قرارات مستنيرة وذات فعالية. - ترشيد الموارد المالية مع تعزيز الحكامة - تحسين الأداء مع شمولية التنسيق والتواصل - إعداد لوحة شاملة حول هشاشة الأوساط وقابليتها لظهور الأضرار مع توفير ما أمكن من الخيارات والسيناريوهات. من خلال هذه المحطات يمكن التطلع لمعالجة مخلفات المخاطر بشكل فعال عبر توفير المعلومات الملائمة التي يحتاجها صناع القرار، وحتما فهو أسلوب ناجع لا يستند إلى نتائج مجزأة من دراسات مستقلة تدرس جانبا منفردا دون غيره. بحيث يؤدي التعميم وشمولية الرؤيا إلى مستوى أكثر إستراتيجية، مما يمكن المبادرات الصغيرة لإدارة المخاطر من تحقيقه. ومن شأن التقيد الجيد بدور الإدارة المتكاملة الانتقال إلى نهجً شفافً وعقلانيً يؤدي إلى عملية صنع قرار تتسم بالكفاءة والفعالية. وبالتالي فطريقة المعالجة الإدارية هذه تفتح فرصًا للتآزر بين المتدخلين واللجوء إلى موارد مالية أكثر سهولة في تحديدها وتدبيرها وتنفيذ بنودها بشكل أفضل وفعال، علما بأن هذه المنهجية كفيلة بحمولة مشتركة بين مختلف الجهات الفاعلة المعنية على مستوى النهج والمفردات واللغة، علاوة على تحسين التكامل أفقيًا وعموديا داخل الدوائر والمتدخلين الرئيسيين بما فيهم المنظمات العلمية والمجتمع المدني وقطاع الأعمال والهيئات والرأي العام بما فيه الإعلام. وفي هذا الصدد شرع المغرب منذ عام 2008، في تفكير استشرافي قبل وضع وتنفيذ إستراتيجية وطنية لتدبير المخاطر الطبيعية تهدف إلى تحقيق أقصى استفادة من الجهود والموارد المستخدمة، وتعزيز المرونة المجالية، وتحسين التوازن الصحيح بين التكلفة و الفائدة (cout-Bénéfice) فيما يخص الاستثمارات المبرمجة بهدف الحد من المخاطر، مع الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي خلال كل مراحل تدبير المخاطر أو الكوارث (قبل وخلال وبعد). وقد بلغ المغرب حتى الآن مستويات متقدمة في تطوير هذه الرؤية الاستراتيجية في مواجهة الكوارث الطبيعية والتي من المرتقب خروجها لحيز الوجود في اقرب الآجال. يتبع... *أستاذ باحث بالمعهد العلمي جامعة محمد الخامس الرباط