ندوة وطنية حول تغير المناخ والمياه شهدت رحاب المعهد الوطني للتهيئة والتعمير بالرباط ندوة وطنية حول تغير المناخ والماء والدفع مقابل الخدمات البيئية، حوض تانسيفت نموذجا، نظمت من قبل الجمعية المغربية للعلوم الجهوية (AMSR) . وأكد عبد العزيز عديدي مدير المعهد الوطني للتهيئة والتعمير، خلال الجلسة الافتتاحية، على أهمية الإشكالية المناخية والمياه، والتي توافق رهانات المرحلة وطنيا ودوليا. ونوه بالبحوث التي ينجزها المشروع (GEREPSE) ، مبرزا دور المعهد الوطني للتهيئة والتعمير كشريك في المشروع. ومن جهته ذكر محمد الهاشمي مدير المدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين (ENFI) بدور المدرسة في تأهيل الطلبة وإدماجهم في مثل هذه المشاريع التي تقارب مفاهيم ومواضيع علمية واقعية. وذكر البروفسور عبد اللطيف الخطابي رئيس الجمعية المغربية للعلوم الجهوية (AMSR) ومنسق مشروع التكيف مع تغير المناخ والدفع مقابل الخدمات البيئية في حوض تانسيفت(GIREPSE)، بدواعي وسياق الملتقى، مبرزا مختلف البرامج المنجزة والمساعي المبرمجة في إطار هذا المشروع. وأكد عبد اللطيف الخطابي أن المغرب يتعرض، كبلد يعد من المناطق القاحلة وشبه القاحلة وقابلا لتأثيرات تغير المناخ، للعديد من التحديات تهم مستقبل الموارد المائية والآثار المحتملة على التوازن الاجتماعي والاقتصادي والبيئي. ويعد حوض تانسيفت، مجال دراسة مشروع التكيف مع تغير المناخ (GIREPSE)، خيارا مناسبا نظرا للرهانات والحركية التي بدأت مند عشر سنوات للبحث عن سبل استراتيجية لسياسة التدبير المتكامل والمحافظة على المياه. وتشمل الدراسة جميع أنحاء حوض تانسيفت لكن مع تركيز البحث على الحوض الفرعي لأوريكا، بهدف تطوير إجابات فعالة ومنصفة وبغية تقليل مخاطر المناخ، وتحسين النظام المائي والإيكولوجي وتعزيز الخدمات البيئية. كما أن غنى السياق الاجتماعي والاقتصادي والبيئي المحلي، يضيف الخطابي، يفسح المجال لتنفيذ المشروع ويوفر الفرصة لنهج سليم لمجموعة من العناصر التي من خلالها يتم تحديد الإدارة المتكاملة للموارد المائية في البرنامج العملي وكذا محاولة وضعه في سياق يأخذ بعين الاعتبار القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وموازاة مع ذلك يهتم المشروع ببناء القدرات التقنية للأطراف المعنية والمؤسسات عبر التدريب والتوعية. كما يتم استثمار مقاربة النوع من خلال المشاركة الفعالة للمرأة في بلورة أفكار المشروع وتنفيذه. وينشد المشروع تعزيز قدرات صانعي السياسات والمجتمعات المحلية في التأقلم مع تغير المناخ وتقييم الخدمات البيئية في مجال الإدارة المتكاملة للموارد المائية. كما أن الهدف العام من المشروع البحثي، يوضح الخطابي، هو صياغة مبادئ توجيهية استراتيجية للإدارة المتكاملة للموارد المائية (GIRE) في المغرب مع استيعاب محددات التأثر بتغير المناخ والخدمات البيئية المتعلقة بالموارد المائية. ويشارك في إنجاز هذا المشروع مجموعة من المؤسسات البحثية الوطنية والدولية بتنسيق جمعية(AMSR) . وأكد خالد الغازي من المديرية الوطنية للأرصاد الجوية، خلال عرضه حول تغير المناخ بالمغرب وفي حوض تانسيفت، أن تغير المناخ هو أحد التحديات الكبرى للقرن 21، سواء على الصعيد العالمي أو الإقليمي وكذا المحلي. كما أن احترار النظام المناخي لا لبس فيه، إذ أن العديد من التغيرات الملحوظة لم يسبق لها مثيل على المستوى المكاني والزماني. ويبين التطور الذي لوحظ أيضا أن كلا من العقود الثلاثة الماضية كان أكثر دفئا، تباعا، على سطح الأرض من العقود الماضية منذ سنة 1850. ففضلا عن ارتفاع درجات الحرارة، يضاف ارتفاع مستوى سطح البحر، وتفكك كتل الجليد، وشدة الأحداث المتطرفة مثل الجفاف وموجات الحر والبرد والأمطار الغزيرة. ويتواجد المغرب حسب موقعه المناخي والجغرافي في منطقة هشة أمام تغير المناخ سواء من الناحية الحرارية أو هطول الأمطار حيث تظهر التطورات الملاحظة تمدد الفترة القصوى للجفاف في فصل الشتاء، وزيادة في متوسط الحد الأقصى من درجة الحرارة وزيادة أيام الحرّ المتطرفة (الأيام الحارة وموجات الحرارة). وتشير التوقعات المستقبلية في العديد من النماذج والسيناريوهات المختلفة زيادة في متوسط درجات الحرارة الدنيا والقصوى بمجموع مناطق المغرب بأكملها وتغيير في توزيع الأمطار خلال السنة. وعليه فإن حوض تانسيفت سيتعرض لظاهرة الاحترار بمعدل سنوي من 1إلى 2.4 درجة مئوية اعتمادا على نموذج (CCCma) وسيناريو (rcp8.5) في أفق سنة 2030. كما أن المنطقة ستعرف أيضا زيارة حوالي سبعة أيام من فترة الجفاف السنوي، وفق نموذج (KNMI) وسيناريو (rcp4.5). واستعرض محمد سنان من المدرسة الحسنية للأشغال العمومية، خلال مداخلته، تقييم تأثير تغير المناخ على الطقس والموارد المائية في المغرب، حيث أجري هذا التقييم (بالتعاون مع وزارة البيئة) كجزء من الإعداد الجاري العرض الوطني الثالث بالمغرب حول تغير المناخ. وتشير نتائج مختلف التوقعات التي وضعت في أفق 2080، واستنادا إلى سيناريوهات انبعاث غازات الدفيئة التي جاء بها تقرير المجموعة الحكومية للخبراء حول التغيرات المناخية (IPCC) ، تأثيرات حول المناخ بالمغرب تتجلى في الاتجاه النزولي للمجموع السنوي لهطول الأمطار، والمتفاوتة حسب المناطق بين حوالي 10 و40 في المائة ثم الاتجاه التصاعدي العام في متوسط درجات الحرارة السنوية في جميع أنحاء البلاد، والمتفاوتة حسب المناطق من حوالي 3 إلى 7 درجات مئوية. وتناولت الباحثة سارة بوعرايس "رهانات المحافظة على الموارد الطبيعية بحوض تانسيفت ودور الفاعلين، الحوض الفرعي لأوريكا نموذجا"، موضحة أن حوض تانسيفت يتميز بقلة سقوط الأمطار في حدود 250 ملمتمر في مدينة مراكش، وحوالي 700 ملمتر على قمم جبال الأطلس. ويتراوح متوسط درجات الحرارة الشهرية بين 18.5 درجة مائوية و 20.5 درجة مائوية كما يتراوح متوسط التبخر سنويا من 1800 ملمتر على جانب أطلس و 2600 ملمتر في سهل الحوز، وبذلك يمثل تنوعا هيدروجيولوجيا وطبوغرافيا ويجمع بين ثلاث وحدات جغرافية: الأطلس الكبير والذي تبلغ ذروته في 4167 متر وسهل الحوز ثم حوض "مجات" و"جبيلت" المنخفضة التي تبرز في شمال سهل الحوز. وبذلك انخفضت التكوينات الغابوية بالحوض الفرعي أوريكا بتانسيفت بنسبة 24 في المائة بين عامي 1984 و2014. وتكشف نتائج دراسة قابلية التعرية أن 65 في المائة من الحوض الفرعي لأوريكا لديه حساسية عالية إلى عالية جدا من التعرية. ذلك أن هذه المناطق تعرف أراضي ذات منحدرات شديدة. وأشارت بوعرايس إلى الجهات الفاعلة و النمو السكاني المرتبط بالفقر المحلي وبالإمكانات الزراعية المنخفضة وتغير في نمط الحياة أو التطور في الأنشطة السياحية، كدوافع تحفز الضغوط المهددة لاستدامة الموارد في الحوض. والتي تتفاقم في سياق تغير المناخ. وتحدث الباحث رضا ريحان عن دور الغطاء النباتي ومكافحة التعرية والسيطرة على الفيضانات في حوض أوريكا وعمل على تقديم تقييم موضوعي لديناميات الغطاء النباتي في حوض أوريكا. ونمذجة الأداء الهيدرولوجي للحوض المائي مع تسليط الضوء على العلاقة بين استخدام الأراضي والعمل الهيدرولوجي للحوض. وتظهر نتائج هذه الدراسة انخفاضا في الغطاء الغابوي خلال الفترة المتراوحة بين 1984 إلى 2000. وخلال الفترة ما بين 2000 إلى 2014، حدث إعادة بناء النظم الإيكولوجية الطبيعية. وأظهرت نتائج النمذجة الهيدرولوجية بأن استخدام الأراضي له تأثير إيجابي على ضبط الفيضانات على مستوى منطقة الدراسة. وأبرز الباحث عمر المالكي مقومات المشهد الطبيعي لوادي أوريكا وإمكانية تنمية السياحة البيئية. ذلك أن حوض أوريكا يعد محجا مهما للسياح، من بلدان مجاورة، يلبي حاجيات الترفيه. وقد تم تحديد ثلاث وحدات لمناظر طبيعية تتمثل في المناظر الطبيعية، والمناظر الطبيعية شبه الطبيعية والمناظر الطبيعية القروية. وتم تقييم جودة الترفيه بالمنطقة، وتحديد مكانة وعدد الزوار، ومدى تعرض البنية التحتية وآثار هذه الأنشطة على الوسط المادية والاجتماعي والاقتصادي. و يحتوي وادي اوريكا على مجموعة من المنشآت السياحية من وحدات فندقية وبيوت إيواء وقصبات، وشقق للإيجار ومطاعم. ويشهد الوادي إقبالا كبيرا خصوصا في فصلي الربيع والصيف. ويساهم الزوار من خلال نفقاتهم أثناء إقامتهم في الوادي في تحقيق التنمية البيئية لهذا الموقع. ورغم ذلك تنعكس هذه الانشطة السياحية، نوعا ما، سلبا على وضع الموارد الطبيعية للوادي بفعل كثرة المقذوفات الصلبة والسائلة. ويذكر أن هذا اللقاء شهد كذلك تنظيم مائدة علمية مستديرة أدارها البروفسور أحمد أوهمو، ونشطها كل من عبد الهادي بنيس وعبد العزيز ببقيقي وأم هاني الدلاني وخالد الحروني وأحمد الحسني و محمد سنان، حيث تدارس المشاركون من مختلف الزوايا والرؤى فرص الدفع مقابل الخدمات البيئية الهيدرولوجية في سياق تغير المناخ حوض تانسيفت نموذجا. يشار أن مشروع بحث التكيف مع تغير المناخ في حوض تانسيفت (GIREPSE)، والذي سيستمر لمدة ثلاث سنوات (2014-2017)، تنسقه الجمعية المغربية للعلوم الجهوية (AMSR) بشراكة مع جامعة القاضي عياض والمدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين والمديرية الوطنية للأرصاد الجوية والمرصد الجهوي للبيئة والتنمية المستدامة بجهة مراكش تانسيفت والمعهد الوطني للتهيئة والتعميير ثم جامعة مونكتون بكندا. ويتناول القضايا المعقدة والمتعلقة بالنظم الاجتماعية والاقتصادية والطبيعية وتفاعلاتها. وذلك بغية النهوض بسياسة الإدارة المتكاملة للمياه مع الأخذ في الاعتبار جميع القوى الداعمة للتغيير، الداخلية والخارجية، حيث سيستفيد هذا المشروع من الحوار الشامل بين المعنيين بالقطاع.