يوم تحسيسي بمراكش يسلط الضوء على مفهوم الدفع مقابل الخدمات البيئية بمناسبة اليوم العالمي للبيئة، نظمت الجمعية المغربية للعلوم الجهوية بتنسيق مع المرصد الجهوي للبيئة والتنمية المستدامة بجهة مراكش تانسيفت الحوز، مؤخرا، يوما تحسيسيا خصص لمقاربة الجوانب المتعلقة بتغير المناخ والدفع مقابل الخدمات البيئية في حوض تانسيفت. استهل البروفسور عبد اللطيف الخطابي رئيس الجمعية المغربية للعلوم الجهوية (AMSR) الملتقى مذكرا بدواعي وسياق اللقاء، ومبرزا مختلف البرامج المنجزة والمساعي المبرمجة في إطار مشروع التكيف مع تغير المناخ والدفع مقابل الخدمات البيئية في حوض تانسيفت. واستعرض مدير المرصد الجهوي للبيئة والتنمية المستدامة، عبد العزيز ببقيقي، تقييما للوضع البيئي بجهة مراكش تانسيفت الحوز الذي أنجزه المرصد تحت رعاية الوزارة المكلفة بالبيئة، والذي مكن من تشخيص الوضع البيئي في المنطقة وتطورها على مر الزمن. وتحديد مختلف المؤشرات لتقييم مندمج، وكذا العمل على فهم أدق لمصادر الضغوط المتولدة. ثم تحليل ردود الفعل السياسية وذلك في إطار رؤيا تنشد التحسين المستمر للإدارة البيئية على المستوى الجهوي. وتستند المقاربة التي وضعت لتحقيق هذه المهمة على منهجية (DPSIR) المتعارف عليها دوليا والمعتمدة من قبل برنامج الأممالمتحدة للبيئة، وذلك وفق خمسة عناصر تتمثل في القوة الدافعة والضغوط، والحالة و الأثر والاستجابةو هي العناصر التي تحلل كل قطاع وكل عنصر بيئي وتربطها مع السلسلة السببية المباشرة والروابط بين ردود الفعل (أدوات السياسة) وأهدافها. وينحو هذا النهج إلى تحليل الواقع البيئي عبر جمع المعطيات والمؤشرات البيئية، التي تستخدم في تقارير التقويم البيئي المتكامل، وتحديد المشكلات البيئية وتحليلها وتقويمها وكذا القوى والعوامل الرئيسية المباشرة وغير المباشرة المؤثرة على القطاعات البيئية المختلفة وتحديد الأولويات، ورصد التغير في حالة البيئة مع الزمن وتقييم الاستجابة المؤسسية والتقنية لبناء السيناريوهات المستقبلية، بعد متابعة أداء السياسات، وقياس التحسن في تحقيق الأهداف المحددة. وحلل عبد العزيز ببقيقي سلسلة من البيانات والمؤشرات التي ترسم الاتجاهات على مر الزمن وتعطي وصفا للتطور الزماني والمكاني وتفسير تأثيرات الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية على البيئة و المصادر طبيعية. وعمل هذا التقييم على مقاربة النهج التشاركي بناء على مشاورات مكثفة بين القطاعات مما أهل لبناء شبكة جهوية ولجان موضوعاتية للتبادل وتقاسم المعارف. وأبرز عبد العزيز بعض النتائج التي تظهر التحليل المتكامل لحالة البيئة (EEIE) بمدينة مراكش إذ أن حجم المشاكل البيئية يرتبط ارتباطا وثيقا بعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالجهة. ذلك أن جميع العناصر البيئية، وإن كان ذلك بدرجات مختلفة، تعاني المزيد من الضغوط من مجموعة متنوعة من المصادر وساعدت على إحداث المشاكل البيئية الرئيسية. وفي نفس السياق تم إنجاز دراسة الاتجاهات التطورية لكل مكون، يضيف عبد العزيز ببقيقي، مع الأخذ بعين الاعتبار تاريخ الإنجازات والأهداف المحددة من قبل السياسات والاستراتيجيات في إطار سيناريوهات التنمية، وذلك في أفق إيجاد الحلول التصحيحية المناسبة ومعالجة الآثار المستقبلية للتأثيرات البيئية المختلفة وإيجاد إمكانيات التغيير السياسي والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية. وتبعا لذلك، تمت بلورة خطة أعمال ذات الأولوية على المستوى الجهوي لمعالجة أوجه القصور وتعزيز السياسات القائمة للحفاظ على البيئة في سياق سيناريو التنمية المستدامة. وأكد خالد الغازي من المديرية الوطنية للأرصاد الجوية، أن تغير المناخ هو أحد التحديات الكبرى للقرن 21، سواء على الصعيد العالمي أو الإقليمي وكذا المحلي. كما أن احترار النظام المناخي لا لبس فيه، إذ أن العديد من التغيرات الملحوظة لم يسبق لها مثيل على مستوى المكاني و الزماني. ويبين التطور الذي لوحظ أيضا أن كلا من العقود الثلاثة الماضية كان أكثر دفئا، تباعا، على سطح الأرض من العقود الماضية منذ سنة 1850. ففضلا عن ارتفاع درجات الحرارة، يضاف ارتفاع مستوى سطح البحر، وتفكك كتل الجليد، وشدة الأحداث المتطرفة مثل الجفاف وموجات الحر والبرد والأمطار الغزيرة. وتظهر التطورات الملاحظة تمدد الفترة القصوى للجفاف إلى فصل الشتاء، وزيادة في متوسط درجات الحرارة القصوى والدنيا وزيادة مدى الحرارة القصوى (الأيام الحارة وموجات الحرارة). وتتوقع التنبئات المستقبلية، حسب الكثير من النماذج ومختلف السيناريوهات، زيادة في متوسط درجات الحرارة الدنيا والقصوى بعموم مناطق المغرب وتغيرا في توزيع الأمطار خلال السنة. وسيعرف حوض تانسيفت ارتفاع درجة الحرارة بمعدل سنوي يصل إلى 1.6 إلى 2.4 درجة مئوية تبعا لنموذج (CCCma) وسيناريو (rcp8.5) في حين ستشهد الجهة كذلك، وفق نموذج (KNMI) وسيناريو (RCP4.5)، امتداد حوالي 7 أيام للفترة القصوى للجفاف السنوي في أفق سنة 2030. وتناولت الباحثة أم هاني الدلاني من كلية العلوم بفاس قراءة موجزة عن المفاهيم النظرية النسبية للدفع مقابل الخدمات البيئية (PES). والذي يغطي أربعة أنواع من الخدمات تتجلى، أساسا، في الكربون والتنوع البيولوجي والمياه والترفيه ومحاولة إخضاعها لرسوم محددة. ذلك أن دفع مقابل الخدمات البيئية مفهوم يحدد قيمة الخدمات ويتناول التكاليف التي لا تظهر في العادة في الموازنات، حيث لا يأخذ صانعو السياسة هذه العوامل غير المباشرة في اعتبارهم خلال القرارات المتخذة في مجال التنمية. ومن المنصف أن يقوم المستفيد من خدمة إيكولوجية معينة بتعويض القائمين على إدارة النظام الإيكولوجي، بموجب نظام الدفع مقابل الخدمات البيئية، لضمان استمراره في تقديم هذه الخدمة بصورة مستدامة. وفي نفس السياق، أشارت أم هاني إلى أن هشاشة النظام البيئي تهدد النشاط البشري في مختلف جوانبه، وذلك في ظل اقتصاد يزداد عولمة، وأكثر من ذلك، دون ضمانات. ولا يزال هذا الموضوع يطوق، في ظل التحديات الكونية، تداخل المحلي في العالمي والتفاعل بين الجهات الفاعلة والشراكة بين القطاعين العام والخاص. وأمام هذا الأمر الواقع المضر خاصة للتنوع البيولوجي، تدعو المسؤولية والمسؤولية الذاتية إلى جيل جديد من التدابير والإجراءات مدعومة بالبحث العملي. ويذكر أن هذا العلاج الوقائي بدأ في البلدان الصناعية قبل أن يعود تدريجيا إلى البلدان النامية. وأضافت أم هاني أن جميع الفاعلين المعنيين بالمغرب انطلقت نضالاتهم للدفاع عن فكرة الدفع مقابل الخدمات البيئية (PES)، كما يتضح في مشروع التكيف مع تغير المناخ في حوض تانسيفت (GIREPSE). وأفاد البروفسور عبد اللطيف الخطابي منسق مشروع بحث التكيف مع تغير المناخ في حوض تانسيفت (GIREPSE)، ورئيس الجمعية المغربية للعلوم الجهوية (AMSR) وأستاذ المدرسة الوطنية للمهندسين الغابويين، أن المغرب كبلد مصنف ضمن المناطق القاحلة وشبه القاحلة وعرضة لتغير المناخ يطرح تحديات عديدة لمستقبل الموارد المائية والآثار المحتملة على التوازن الاجتماعي والاقتصادي والبيئي. ويعد حوض تانسيفت منطقة دراسة مشروع (GIREPSE) اختيارا مناسبا بالنظر إلى المخاطر والحركة التي بدأ الشعور بها خلال السنوات العشر الماضية. مما يستوجب الحفاظ على المياه والبحث عن سبل لسياسة إستراتيجية متكاملة. وتشمل الدراسة، يضيف الخطابي، جميع أنحاء حوض تانسيفت ولكن مع تركيز البحث على الحوض الفرعي لأوريكا، وذلك لتطوير إجابات فعالة ومنصفة بغية تقليل مخاطر المناخ، وتحسين النظام المائي والإيكولوجي وتعزيز الخدمات البيئية. ذلك أن الثروة في السياق الاجتماعي والاقتصادي والبيئي المحلي وجاهزيتها تؤكد أن تنفيذ مشروع بحث التكيف مع تغير المناخ في حوض تانسيفت (GIREPSE)يتيح الفرصة للاقتراب بشكل صحيح من مجموعة من العناصر التي يتم من خلالها تحديد الإدارة المتكاملة للموارد المائية من الناحية العملية وتقريبها من سياق يأخذ بعين الاعتبار الرهانات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. هذا فضلا عن بناء القدرات التقنية العاملة في القطاع والمؤسسات من خلال التدريب والتوعية. كما يتم استثمار بعد النوع من خلال المشاركة الفعالة للمرأة في الرؤى المتبعة في المشروع وفي تنفيذه. ويهدف المشروع إلى بناء قدرات صانعي السياسات والمجتمعات المحلية في مجال التكيف مع تغير المناخ، وتقييم الخدمات البيئية، والإدارة المتكاملة للموارد المائية. ويقول الخطابي إن الهدف العام من المشروع البحثي حول التكيف مع تغير المناخ في حوض تانسيفت (GIREPSE) هو صياغة مبادئ توجيهية استراتيجية للإدارة المتكاملة للموارد المائية (GIRE) في المغرب، عبر فهم محددات التأثر بتغير المناخ والاستدامة في تزويد الخدمات البيئية المتعلقة بالموارد المائية. كما ينشد المشروع بناء قدرات صانعي السياسات والمجتمعات المحلية على التكيف مع تغير المناخ، وتقييم الخدمات البيئية، والإدارة المتكاملة للموارد المائية. وشهد اليوم الدراسي عرض نتائج الدراسات والأبحاث المنجزة في إطار مشروع بحث التكيف مع تغير المناخ في حوض تانسيفت (GIREPSE)، من قبل طلبة من المدرسة الوطنية للمهندسين الغابويين بسلا و كلية العلوم بمراكش السملالية، ليتم تناول تقييم استعمال التربة بحوض تانسيفت ودوافع التغيير والتأثر بتغير المناخ ثم كيفية السيطرة على الفيضانات في حوض أوريكا و تقييم وضع النباتات النهرية ودورها في استقرار ضفاف الوديان. و المساهمة في تقييم مدى فعالية التطورات المضادة للتآكل (العتبات) في منطقة حوض المياه بأوريكا. وتقييم أثر الأنشطة البشرية على نوعية مياه نهر أوريكا وتنوعه البيولوجي. كما استعرض الباحثون الطلبة محاور أخرى همت المناظر الطبيعية لوادي أوريكا وإمكانية التنمية السياحة البيئية. ثم مجال الترفيه في وادي أوريكا والتعرض للفيضانات والفرص للدفع مقابل الخدمات البيئية. والسياحة البيئية في منتزه توبقال. ثم قضايا الحفاظ على الموارد الطبيعية في حوض تانسيفت من قبل الجهات الفاعلة. يشار أن الملتقى شهد مشاركة 70 مشاركا من مختلف المؤسسات والقطاعات الحكومية بجهة مراكش وممثلي عمالات مراكشوالحوزشيشاوة والصويرة، وبعض المنتخبين وخصوصا رؤساء جماعة كمل من أوريكة و ستي فاظمة. كما شارك في تنشيط هذا اليوم الدراسي كل من الأساتذة أحمد أوهمو وبهناسي محمد و زين العابدين عبد النبي وعبد الهادي بنيس وإبراهيم مدود والمسولي محمد واليعقوبي محمد. يذكر أن مشروع بحث التكيف مع تغير المناخ في حوض تانسيفت (GIREPSE)، الذي سيستمر لمدة ثلاث سنوات (2014-2017)، تنسقه الجمعية المغربية للعلوم الجهوية (AMSR) بشراكة مع جامعة القاضي عياض والمدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين والمديرية الوطنية للأرصاد الجوية والمرصد الجهوي للبيئة والتنمية المستدامة بجهة مراكش تانسيفت والمعهد الوطني للتهيئة والتعمير ثم جامعة مونكتون بكندا. يتناول القضايا المعقدة والمتعلقة بالنظم الاجتماعية والاقتصادية والطبيعية وتفاعلاتها. وذلك بغية النهوض بسياسة الإدارة المتكاملة للمياه مع الأخذ في الاعتبار جميع القوى الداعمة للتغيير، الداخلية والخارجية، حيث سيستفيد هذا المشروع من الحوار الشامل بين المعنيين بالقطاع.