تشتهر مدن كولومبيا ذات الطابع الاستعماري بعبق الماضي والمناظر الطبيعية الساحرة والمباني المعمارية البديعة، بالإضافة إلى الأدب الرفيع والأطعمة المتفردة. كانت الأجواء مضطربة في كولومبيا عندما وصل غابرييل غارسيا ماركيز (1927-2014) إلى مدينة كارتاخينا دي أندياس الساحلية هربا مثل الكثيرين من الحرب الأهلية الدموية، التي اندلعت في العاصمة الكولومبية بوغوتا عام 1948. وخلال هذه الفترة، كان غابرييل غارسيا ماركيز في عمر 21 عاما، وكان يرغب في العمل صحافيا، ولم يكن معه أية أموال. ويصطحب الصحافي أوليفروس السياح إلى منزل الأديب العالمي الحائز على جائزة نوبل في الأدب، ويقع هذا المنزل خلف سور المدينة القديمة مباشرة مع إطلالة على مياه البحر الفيروزية. وبجانب دير "سان بيدرو كلافير" الضخم، يقع المبنى القديم لهيئة تحرير الصحيفة اليومية "إل يونيفرسال"، وهو المكان الذي تدرب فيه الصحافي الشاب أوليفروس على الكتابة الصحافية. وعلى غرار غابرييل غارسيا ماركيز، يكتب الصحافي أوليفروس في عمود يومي بصحيفة "إل يونيفرسال". ولم تكن هناك معرفة شخصية بين أوليفروس وجابرييل غارسيا ماركيز، ولكن باعتباره المسؤول عن برنامج "جابو" التابع لمؤسسة الصحافة الإيبيرية الأمريكيةالجديدة، فإنه على دراية بتاريخ غابرييل غارسيا ماركيز وأعماله الأدبية بصورة جيدة، وإلى جانب المشاهد الحقيقية في حياة الأديب العالمي "جابو" سيتعرف السياح من خلال جولة في المدينة القديمة "كارتاخينا" على المشاهد والأماكن، التي ظهرت في رواياته وأعماله الأدبية. ويتذكر الصحافي أوليفروس كيف جعل غابرييل غارسيا ماركيز الشاب فلورنتينو ينتظر فيرمينا لساعات طويلة، في ظلال أشجار اللوز في حديقة "فيرنانديز دي مدريد بارك". ويرجع هذا المشهد إلى روايته الشهيرة "الحب في زمن الكوليرا"، وقد أمضى غابرييل غارسيا ماركيز بضع سنوات في كارتاخينا، ثم عاش في أوروبا وانتقل إلى المكسيك في نهاية حياته. وأكد أوليفروس أن هذه المدينة أثرت في أعماله أكثر من أي مكان آخر في العالم، ولذلك أراد أن يدفن جزءا من رماده في مدينة كارتاخينا. ملكة الكاريبي وتندرج المدينة القديمة المعروفة باسم "ملكة الكاريبي" ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، حيث تسودها أجواء البحر الكاريبي وتنتشر بها المنازل المطلية بألوان الباستيل ذات الشرفات الخشبية المزهرة والساحات الحالمة والشواطئ الرملية البيضاء والمباني ذات الطراز الاستعماري المثيرة للإعجاب والقلعة الإسبانية "سان فيليبي دي باراخاس". وأوضحت ميليسا هيرنانديز أن غابرييل غارسيا ماركيز عشق المدينة بشدة، وعاد إليها كثيرا، خاصة أن والدته وإخوته استمروا في المدينة، وكانت تعرفه جيدا؛ لأن عائلتها كانت من الأصدقاء المقربين منهم، وتقوم كبيرة الطهاة ميليسا هيرنانديز حاليا باصطحاب السياح لتذوق الطعام في المدينة القديمة على خطى كتب غابرييل غارسيا ماركيز. وتشهد ساحة بلازا كوشيز نشاطا كبيرا، وتنطلق العربات، التي تجرها الخيول على الطرقات المرصوفة بالحصى تحت أروقة المنازل المشيدة على الطراز الاستعماري. ويروج التجار للحلوى المصنوعة من جوز الهند وقصب السكر، وهي المشاهد التي كان غابرييل غارسيا ماركيز يذكرها كثيرا في رواياته. النمل المحمص وينطلق السياح بعد ذلك في جولة أخرى لمدة ساعة تقريبا جنوب باريتشارا مع متعة الطهي، وتذوق النمل الكبير المحمص، وهي عبارة عن الأجزاء الخلفية من النمل. وأشارت مارغريتا هيجويرا إلى أنها تقوم بإزالة الأجنحة فقط، ثم تقوم بوضع النمل في الدقيق، ويتم تسويتها في المقلاة بعد ذلك. وأوضحت خبيرة التغذية هيجويرا أنها تمتاز بطعم مقرمش ومالح ويرجع وجود هذا الطبق إلى حوالي 500 عام تقريبا في مطبخ السكان الأصليين، كما أنه غني بالكثير من البروتينات. وخلال فصل الربيع، يمكن مشاهدة الفلاحين وهم يبحثون عن النمل في طريق كامينو ريل في باريتشارا. ولقد ظل هذا "الطريق الملكي" للمستعمرين الإسبان في طي النسيان، إلى أن قام رجال الأعمال ومالك الأراضي جورج فون لينكيرك باكتشاف هذا الطريق خلال القرن التاسع عشر، وجعله صالحا للسير مرة أخرى. ويمر الدرب الحجري الضيق، الذي يبلغ طوله 7 كلم، عبر الوادي المنتشرة به نباتات الصبار وأشجار السنط، حتى يصل إلى جوان. وتتشابه جوان مع مدينة باريتشارا بعض الشيء؛ حيث تمتاز بالشوارع المرصوفة بالحصى والمنازل المبنية من الطوب اللبن والمطلية باللون الأبيض والمسقوفة بالقراميد الأحمر والكنائس القديمة. وتتيح هذه المدينة للسياح متعة السفر إلى كولومبيا في الفترة الاستعمارية، وتبدو المنازل كأنها جديدة، ولا عجب في أن يتم تصوير العديد من الأفلام والمسلسلات في أمريكا اللاتينية في باريتشارا. وتقع هذه المدينة الصغيرة على ارتفاع 1200 متر فوق سطح البحر، وتم تصنيفها كمحمية طبيعية منذ 1978، وتشهد إقبالا كثيفا من السياح خلال فصل الصيف؛ ولكن خارج موسم العطلات في كولومبيا تعتبر باريتشارا مكانا رائعا للاستمتاع بالهدوء والراحة. وفي مدينة باريتشارا، يمكن للسياح التجول في الأزقة شديدة الانحدار والمرصوفة بالحصى وزيارة القلايات أو الميادين أو المقابر، التي تنتشر بها شواهد القبور الفريدة من نوعها، بالإضافة إلى انتشار الأعمال الفنية والمنحوتات للفنانين المحليين في الحدائق والأماكن العامة أو الاستمتاع بتناول الطعام في الكثير من المطاعم الجيدة. ولا تتضمن مدينة باريتشار الكثير من المعالم السياحية؛ ولكن المناظر الطبيعية تعتبر هي عنصر الجذب السياحي الرئيسي في المدينة، حيث تشكل الجبال الوعرة والأودية العميقة والشلالات الضخمة جنة المناظر الطبيعية في كولومبيا. وعلى مسافة نصف ساعة من باريتشارا، توجد منطقة "سان جيل"، والتي تتيح لعشاق الإثارة والمغامرة الاستمتاع بتسلق قمم الجبال واكتشاف الكهوف أو الطيران بالمظلات أو ركوب الدراجات الجبلية، وهناك العديد من مواقع اكتشاف الديناصورات، والتي تعتبر من مناطق الجذب السياحي الرئيسية في المدينة الاستعمارية القديمة. "فيلا دي ليفا" وغالبا ما يشاهد السياح في منطقة "فيلا دي ليفا" حفريات ما قبل التاريخ مستخدمة في الجدران الحجرية ودرج المنازل العادية؛ نظرا لاستعمال هذه الكتل الحجرية كمواد بناء. وقد جرى تأسيس منطقة "فيلا دي ليفا" خلال عام 1572، وتعتبر من أكثر المواقع جذبا للاهتمام، ويعيش في هذه المدينة التي تقع على ارتفاع 2100 متر فوق مستوى سطح البحر حوالي 9000 نسمة، وتحتوي على واحدا من أكبر الميادين في أمريكا، وتزخر بالعديد من المباني القديمة والكنائس وستة متاحف والكثير من الشلالات والعديد من المفاجآت، التي تلقي الضوء على التراث الكولومبي خلال الحقبة الاستعمارية. *د.ب.أ