كانت الساعة تشير إلى الرابعة بعد زوال يوم الأربعاء، وأزقة معطى الله بحي المحاميد بمراكش خالية بسبب الحرارة المفرطة، وحده صوت محرك سيارة للنقل المزدوج كان يهدر. تبادل الركاب التحية والسلام والدعاء بسفر مبارك آمن، فيما شرعت السيارة تسلك طريقها نحو قدرها المحتوم، إذ بمجرد وصولها إلى جماعة امكدال انقلبت الأحوال الجوية وصارت ممطرة وعواصفها رعدية. كانت سيارة النقل المزدوج، التي يعرف سائقها تفاصيل هذه الطريق الجبلية الممتعة وذات الطبيعة الخلابة؛ متجهة نحو جماعة تلوين بإقليمتارودانت، وعلى متنها خمسة عشر راكبا ينتمون إلى دواوير أيت رحو وأكني وتاوريرت وتمقيت وتليوت. وبمجرد دخولها جماعة إجوكاك، على الساعة الخامسة، حاولت السيارة تجاوز مركبة خاصة، فاستعملت إشارة التحذير، لكن القدر ساقها نحو نهاية مأساوية بالطريق الوطنية رقم 7؛ إثر انهيار جبلي أطمرها، وتسبب في مقتل ركابها. تحركت هواتف رسمية وخاصة، وتقاطر العديدون من كل حدب وصوب، من المحمدية والدار البيضاءومراكشوتارودانت؛ فكان اللقاء بدوار توك الخير بالقرب من مكان الفاجعة، حيث قضوا ليلتهم ونهار اليوم الموالي ينتظرون بألم نهاية التنقيب عن المفقودين، فيما كانت الآليات تقلب جبالا من الأوحال والأتربة، وكلاب الدرك الملكي تشم ولا تدرك. كانت معركة قاسية تلك التي خاضتها فرق الإنقاذ، التي كانت تعاني من ضعف الإمكانيات، والظروف الطبيعية المتقلبة، فالأمطار كانت تتساقط، وشعاب الجبال تسير سيولا، وما كادت عملية البحث تؤتي أكلها، حتى هوى ركام من الأحجار والأتربة من جديد، مما جعل فرص العثور على المفقودين ضئيلة. ما يقارب 28 ساعة تطلبها البحث عن السيارة المفقودة، التي وجدت على الساعة الحادية عشرة ليلا من يوم الخميس، وعلى ظهرها أم وطفلها، مما يفسر أنها صارعت من أجل إخراج فلذة كبدها، لكنها اصطدمت بركام من الأحجار والأوحال منعها من إتمام مهمتها، فأسلمت روحها لبارئها. انتظار وشكوى شيب وشباب، نساء ورجال، رابطوا بالمكان منذ وقوع الحادث المؤلم إلى حدود العثور على السيارة المفقودة. كان تفاؤلهم حذرا لأن طريقة البحث كانت بطيئة، حسب عبد اللطيف البرمكي، الذي فقد عمته؛ والذي استنكر إلى جانب آخرين طبيعة المعدات وطريقة البحث، مما أطال البحث عن السيارة المفقودة. "لو كان ضمن المفقودين أجانب لقامت الدنيا ولم تقعد"، قالت تصريحات متطابقة لأقارب الضحايا؛ الذين حجوا إلى مستودع الأموات بأبواب مراكش، حيث وضعت الجثث للتعرف عليها. وزاد المراكشيون بطريقتهم "لو استعانت لجنة البحث عن المفقودين بالباحثين عن الكنوز لأفلحت في العثور على السيارة". هسبريس نقلت شكاوى الأقارب حول طريقة البحث وزمنه (28 ساعة) والأسلوب المعتمد، في ظل غياب التقنيات الحديثة التي تحدد موقع المعادن، فكان جواب عدة مسؤولين، أشرفوا على عملية الإنقاذ، الاعتراف بضعف الإمكانيات، والمطالبة بتقدير المجهودات التي بذلت. وأسرت عدة تصريحات لأطر ومسؤولين، كانوا حاضرين خلال عملية البحث، أنهم وجدوا أنفسهم عاجزين عن الوصول إلى السيارة في وقت قياسي، لأن الأدوات التقنية التي يمكن أن تفيد في ذلك لم تكن موجودة لدى أي جهة من الجهات المعنية بالبحث عن المفقودين. لا مطعم ولا محل تجاريا بمنطقة الفاجعة، لكن إرادة الخير كانت حاضرة، حيث تطوع الجمعويون والقرويون لإيواء وإطعام الضيوف من أقارب المفقودين وعناصر الدرك الملكي ورجال الوقاية المدنية وسيارات الإسعاف وممثلي المنابر الإعلامية التي تدفقت على الدوار. وصول الجثامين مع الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة وصلت جثامين الضحايا الخمسة عشر لفاجعة إجوكاك إلى مستودع الأموات بمراكش، حيث تمت مباشرة عملية التحقق من هويات الضحايا واستقبال أفراد من أقاربهم، فيما واصلت عناصر الدرك الملكي البحث عن جثث محتملة. وخلال تسليم بعض الجثامين، قدم والي جهة مراكشآسفي التعازي لأقارب الهالكين، وتابع الإجراءات لتبسيطها قصد استصدار أمر بالدفن من النيابة العامة، حتى يعطى الميت حقه في الدفن، ورفع المعاناة عن عائلات الضحايا. وتجند المكتب الجماعي لحفظ الصحة، التابع للمجلس الجماعي لمراكش، والسلطات، التي وفرت مجموعة من سيارات الإسعاف لنقل الجثامين إلى إقليمتارودانت بجهة سوس ماسة.