أصبحت إسبانيا وفرنسا وجهتين مفضلتين لفئة لا بأس بها من المغاربة لقضاء العطلة الصيفية، فأغلب هؤلاء يبحثون عن عوالم جديدة وحاجيات متنوعة وذات جودة؛ لكنهم يبحثون أيضاً عن الحرية! وتعد فئة الشباب الأكثر إقبالاً على هذه الوجهات، وبدرجة أكبر إسبانيا نظراً لقربها وإمكانية الوصول إليها براً وبحراً، وهذا متوفر بأسعار معقولة وفي أحايين أخرى جذابة. تثير هذه الظاهرة أسئلة حول ما إذا كانت السياحة الداخلية عاجزة عن استقطاب هذه الفئة من المغاربة، أم أن الأمر عادي ويتعلق بموجهات سياحة نحو الخارج تعرفها دول العالم بحثاً عن تجارب جديدة. ملايير الدراهم تشير المعطيات الرسمية في هذا الصدد إلى تصاعد المغاربة الحاصلين على تأشيرات شنغن عبر المصالح القنصلية الفرنسية في المغرب، بحيث بلغت خلال السنة الماضية حوالي 400 ألف تأشيرة ولوج تتيح الوصول إلى بلدان الاتحاد. وينفق المغاربة ملايير الدراهم سنوياً في الخارج، بحيث تورد إحصائيات سابقة لمكتب الصرف أن سفريات الخارج كلفت المغاربة ما يقارب 19 مليار درهم من العملة الصعبة السنة الماضية؛ لكن هذا الرقم يضم مصاريف الدراسة والحج والتطبيب، ومع ذلك يرجح أن تكون حصة السياحة والترفيه كبيرة. ويرى البعض أن الموجات الصيفية للسياح المغاربة إلى الجارة الشمالية مردها ضُعف عروض السياحة الداخلية وعدم مراعاة خصوصيات الشباب والعائلات واحتياجاتهم. وتوفر إسبانيا وفرنسا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي عروضاً كثيرة للسياحة؛ فجنوب إسبانيا مثلاً يحفل بمدن سياحية بامتياز تُغري المغاربة لاكتشاف ثقافات أخرى غير بلدانهم، وبحثاً أيضاً عن مراكز تسوق توفر منتجات عالية الجودة وبأسعار مناسبة. ويؤكد عدد من المغاربة، في تصريحات لهسبريس، أن "العروض المغرية بالنسبة إلى الرحلات منخفضة التكلفة نحو الجارة الشمالية تجذب أكثر فأكثر. كما أن اختيار السفر عبر السيارات الخاصة على متن الباخرة قد أصبحت خياراً يقبل عليهم الكثيرون سعياً إلى الاستفادة أكثر من الرحلة من خلال التنقل بكل حرية". ويذهب كثيرون إلى القول أن سفراً لأسبوع إلى إحدى مدن إسبانيا قد يكلف أقل من أيام قليلة مثلاً في مراكش أو إحدى المدن السياحية الأخرى في المغرب، هذا بالإضافة إلى الخدمات التي لا تأخذ بعين الاعتبار اختيارات السياح المغاربة بكثير من الاهتمام، حسبهم. الغلاء في تصريحات لهسبريس، قال عدد من المغاربة إن اختيارهم قضاء العطلة الصيفية في الخارج مرده إلى الغلاء بالدرجة الأولى، بحيث يؤكدون أن سومات كراء منزل في إحدى المدن الشمالية في المغرب يرتفع كثيراً وبشكل غير معقول خلال فصل الصيف. الشاب لحسن يقول إن "السياحة في المغرب موسمية، وخاصة في فصل الصيف"، ويضيف أن "كل من ينتج منتجاً سياحياً يسعى إلى الربح السريع قبل انقضاء الصيف، وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار"، ويقترح لمواجهة الأمر "تنويعاً للمنتوجات السياحية حسب المناطق وعلى طول السنة وتنويع العطل خاصة المدرسية بين الجهات، واتخاذ إجراءات زجرية على المخالفين الذين يدمرون القطاع السياحي". وحين طرحنا سؤالاً عبر صفحتنا بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" كانت الإجابات كلها تُشير إلى الغلاء أيضاً، فيقول معلق باسم محمد إن "الكثير من الدول التي تستقطب المغاربة توفر شواطئ نظيفة ومجانية ومجهزة بكل معايير السلامة، كما أن شقق الكراء والفنادق تقدم خدمات بأثمنة جذابة". أما نزار فيقول إنه يقضي جميع العطل السنوية في الخارج، وزاد قائلاً: "في إحدى المرات، قضيت عطلتي بمدن الشمال؛ لكن ندمت ندماً شديداً، فعوض الاستجمام تجد نفسك في حرب مع جميع التجار وأصحاب المحلات، وما زاد كرهي هو حراس السيارات، وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعلني أتجه إلى قضاء العطلة خارج أرض الوطن فلا يعقل أن تبدأ يومك وتنهيه بعراك مع حارس سيارات". نفس الشيء يثيره معلق باسم عبدو ويقول: "في مدن الشمال حراس السيارات يفرضون عليك 10 دراهم في الصباح والمساء 20 درهماً، والأكل دون المستوى مع الغلاء الفاحش وانعدام الأمن واحتكار الشواطئ من طرف أصحاب كراء المظلات، في إسبانيا لا توجد مثل هذه الظواهر كما أن الإقامة والأكل أرخص بكثير". وإلى جانب الغلاء، يبرز معطى التسيب في تدبير مرافق المدن السياحية كإحدى المشاكل التي تؤرق بال السياح المغاربة؛ وهو ما يجعلهم يختارون وجهة خارج البلاد، حيث يسود التنظيم والنظافة والخدمات ذات الجودة العالية. مليون مغربي إلى إسبانيا يشير فوزي زمراني، نائب رئيس الكونفدرالية الوطنية للسياحة وصاحب وكالة للسياحة في مراكش، إلى أن الفئة التي تختار قضاء العطل في إسبانيا تتوفر على مدخول يسمح لها بذلك، بحيث يتطلب الأمر سيارة وتأشيرة وعملة صعبة. ويقدّر زمراني، في حديث لهسبريس، عدد هذه الفئة بحوالي مليون مغربي يتوجهون سنوياً إلى مدن إسبانيا لقضاء العطلة الصيفية بعدما لم تعد المدن السياحية في المغرب تغريهم بعدما زاروا أغلبها من الشمال إلى الجنوب. وعن سبب توجههم إلى الخارج وإسبانيا على الخصوص، يقول زمراني: "هناك يجدون الحرية، فيمكنهم الاستمتاع بالشواطئ وشرب ما رغبوا من مشروبات دون أن يمنعهم أحد، ويمكن للمرأة أيضاً أن تلبس أي لباس بحر تريده". ويتحدث زمراني عن فئة أخرى من المغاربة تختار قضاء عطلتها الصيفية في تركيا، وتكون مدفوعةً بالعروض المغرية التي توفرها وكالات الأسفار المغربية والتركية؛ ومن بينها عروض لمدة عشرة أيام شاملة في إحدى المدن مثل أنطاليا، بثمن مناسب يناهز 11 ألف درهم لكل فرد. وما يزيد من الإقبال على هذه الوجهة أكثر عدم اشتراط تركيا الحصول على تأشيرة على المغاربة لدخول أراضيها، كما أن العروض السياحية متوفرة على طول السنة؛ وهو ما يجعلها خياراً مُتاحاً في أي وقت، على الرغم من الارتفاع الطفيف في بعض الأحيان لأسعار الرحلات الجوية. أما فئة ثالثة من المغاربة، حسب زمراني، فتختار السفر بعيداً، وتكون وجهتها إلى دول مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية، إضافة إلى التايلاند وماليزيا وعدد من الدول الأخرى في آسيا. ويؤكد المتحدث أن مجموع هذه الفئات الثلاث لا تمثل الكثير، ويقول إن "الأغلبية الساحقة من المغاربة تبقى في المغرب لقضاء العطلة، ويتوافدون بكثرة على مدن الشمال، وآخرون في أكادير والصويرة والواليدية، إضافة إلى مراكش". وحسب زمراني، فإن مراكش تعرف إقبالاً من الأجانب وحتى المغاربة عكس ما يُشاع، ولذلك يؤكد أن المدن المغربية تستقطب حظها من السياح المغاربة بعروض موسمية. 12 مليون سائح لكن في المجمل، تبقى وجهة المغرب غير مستقطبة لسياح كثر، إذ يشير زمراني إلى أن السياح الأجانب يقدرون بستة ملايين، إلى جانب المغاربة المقيمين في الخارج الذين يمثلون تقريباً نفس الرقم. ويؤكد نائب رئيس الكونفدرالية الوطنية للسياحة أن هذا الرقم ضعيف ولن يكون في مستوى جيد إلا إذا وصل المغرب في استقطاب 12 مليون سائح أجنبي. ويرى المتحدث أن تحقيق الهدف سالف الذكر يتطلب عملاً كبيراً لاستقطاب سياح كثر إلى المغرب واستثمار المؤهلات التي يتوفر عليها. ولا تزال نسبة ملء الأسِرَّة لا تتجاوز 50 في المائة، ما يعني أن الأمر يتطلب مجهوداً أكثر لوصول ضعف العدد المسجل حالياً من السياح لتحقيق نسبة ملء كاملة. وفي نظر زمراني، فإن القطاع يحتاج إلى استثمار ما توفره الرقمنة والأنترنيت من فرص لجذب سياح أكثر إلى المغرب وتنظيم تظاهرات كبيرة لاستقطاب الأجانب، للتعرف على ما هو متوفر للتخطيط مستقبلاً في العودة. وإلى جانب ذلك، يؤكد زمراني على عوامل أخرى تلعب أدواراً أساسية في الترويج، وهي الأمن المجتمعي وقلة الاحتجاجات والإضرابات، إضافة إلى الصورة الحقوقية للبلاد في نظر الأجانب.