نحن هنا يا أخي! في القطارات الآتية من أعماق الرحيل، ندخن كثيرا ونعلم أنك لا تحب التدخين، فقط نريد أن نذكرك قبل أن ترحل أننا لا ندخن سوى أحلامنا وآنتظاراتنا مع رياح التغيير، وآمالنا ترقب عرائس الربيع في فصل شتاء طويل .. طويل جدا. بعدك يا أخي، لن نؤمن بشعاراتنا، كما لم نعد نؤمن بقصاصات الصباح والمساء التي تلبسنا ثوب العيد المزيف، قصاصات لا تحمل سوى أحضان وقبل لأكبر أعدائنا، وأكبر لصوصنا، فهل بهذه القبل والأحضان سنعيد أموالنا، ورزقنا، هل ستأتي القبل بالعيد الذي حلمنا به سويا، وقرأنا من أجله أوراد الصباح والمساء، وسهرنا من أجله الليالي، تلك التي كنا نقيمها تقربا لرب العزة من أجل النصر والسداد والتمكين .. حتى فاضت قلوبنا بأنوار لا خبر للساسة بها، وقد كان ما كان مما لسنا نذكره .. وقديما قال شيخنا النفري : كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة . فأي رؤية كونتها الأحضان لحرية رشيد .. وأي عبارة ضاقت بها أسوار الحقيقة حتى رضينا بما لا يرضيها .. بعدك، زمن اليأس يا أخي !. نحن هنا .. في الأرض التي يوجد بها خبز يحزن على اختفاء لونه، وزيتون يتساقط ورقه قبل جنيه، ووردة تبحث في كتب التاريخ عن أصلها خلف جدران مدرسة باردة . كالجليد أصبحت دماء الورق في عيوننا، و بيتنا الصغير، يا أخي، لم تعد عصافيره تقوى على الغناء تحت مطر الشتاء.. وحزن الشتاء .. و وحدة الشتاء .. وكم هو قاس يا أخي ألا تنشد عصافيرنا في الشتاء، كما لو أنها ودعت ألحانها واستعارت لصوتها لحنا آخر يشبه إلى حد ما لحن الطيور المهاجرة إلى الشمال. نحن هنا، قلة قليلة، لن نرحل .. من المواويل الحزينة التي نسجتها المرأة البدوية الواقفة ضد الجوع في الميدان الثالث من شارع المقاومة. ألازلت تذكر جغرافيا الوطن جيدا يا أخي .. أم تراك نسيت حتى ملامح وجهي ! عد يا أخي .. أرجوك، فمن يذكر حزن الكلمات في ملامح الفقراء، أو يوصل رسائل طفل يتيم من الصحراء، عد يا أخي .. فما عاد النضال هو النضال بعدك، وما عادت كوفية العروبة تصدح بوحدتها، لقد أصبحت الميادين تفوح منها رائحة الفودكا وأحمر الشفاه .. وترفع فيها أعلام الإنفصال، ونخاف قريبا أن يعلو صوت التكفير على صوت الآذان . عد يا أخي .. ولا تصدق أحدا منهم عندما يقول : أن وجودك كان نسبيا، ووقوفك كان مائلا منذ البداية، وحركتك لم تكن مع حركة الربيع في رباط الصمود، وبيضاء تسر الناظرين، وطنجة العالية، وتطاون الحمامة، وفاس العالمة، والحسيمة أخت الناظور، ومراكش الحمراء، وآسفي النبيلة، وكل مدينة حضرت فيها بكل نبل وشهامة . كذابون ... وكلماتهم تفوح منها رائحة الهزيمة، لا أقل .. ولا أكثر ! تائهون .. حائرون .. ولأني أحترمك لن أصف بعضهم إلا بالعابرون . فعد إلينا، وسلام منك .. عليك ! https://www.facebook.com/bad.badrh