بعد ثلاثين سنة، سيُصبح عدد المسنين في المغرب أكثر من عشرة ملايين شخص، مقابل انخفاض الفئة العمرية ما بين 18 و25 سنة، وستكون فئة مهمة من كبار السن في البلاد بدون معاش تقاعدي، إضافة إلى مواجهتهم العزلة الاجتماعية. ويعني هذا الأمر أن المغرب مقبل على تحول كبير في تركيبته السكانية بفعل الشيخوخة، وهي ظاهرة تعرفها مختلف الدول، لكن بوتيرة بطيئة جداً كما حدث في البلدان المتقدمة، وهو ما سهل عليها الاستعداد باعتماد سياسات خاصة. ويلاحظ أن المُسنين في فرنسا ارتفع من 10 في المائة من نسبة الساكنة إلى 25 في المائة خلال 160 سنة، لكن المغرب سيمر من هذه المرحلتين في ظرف 32 سنة فقط، وهو ما يطرح تحديات كبيرة على الدولة على مستوى التغطية الاجتماعية. الأرقام الرسمية حول هذا الموضوع دفعت صندوق الإيداع والتدبير، الذي يدبر أموال الادخار الوطني، إلى فتح النقاش حوله، لكن بمنظور أنثروبولوجي واجتماعي يسعى إلى تحسيس الشباب للتخطيط مبكراً للتقاعد، لضمان أن يكونوا بعد 2050 في وضعية جيدة، وطرح السؤال حول العلاقات الاجتماعية بين الآباء والأبناء. وتلقي الشيخوخة بظلالها على استدامة صناديق التقاعد في المغرب، إذ تساهم في خفض المعامل الديموغرافي، وهو ما جعل الدراسات الإكتوارية التي أجريت في السنوات القليلة الماضية تكشف أن عجزاً مستقبلياً حتمياً سيواجه جميع الأنظمة. وتشير أرقام سنة 2017 إلى أن حوالي 2.8 ملايين مسن في المغرب حالياً بدون تغطية اجتماعية، من تغطية صحية وتقاعد، من أصل 3.5 ملايين نسمة في المجموع، وبما أن عددهم سيرتفع مستقبلاً إلى 10 ملايين فإن رفع نسبة تغطيهم سيكون رهاناً صعباً. وكانت الحكومة أقرت سنة 2018 القانون رقم 99.15 الخاص بإحداث نظام للمعاشات لفائدة فئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطاً خاصاً، لكن هذا الورش يعرف بطئاً كبيراً، نظراً لغياب تنظيمات قطاعية في أغلب المهن، وصعوبة تحديد نسبة الاشتراكات في ظل اختلاف مداخيل هذه الفئة. وحتى لو تم رفع التغطية الاجتماعية لضمان تقاعد لجميع المسنين مستقبلاً فإن الوضع يتطلب إجراءات أخرى لخفض آثار عزلة وتراجع استقلالية المسنين، ولعل أرقام سنة 2014، التي تكشف وجود 170 ألف مسن، 70 في المائة منهم نساء، يعشن لوحدهن، لدالة في هذا الصدد. وسيرتفع عدد المسنين الذين يعيشون لوحدهم مستقبلاً بسبب التحول الذي يعرفه المجتمع المغربي، حيث بدأت تتراجع الأسرة الممتدة التي تضم ثلاثة أجيال لفائدة الأسرة النووية التي يبحث فيها الزوجان عن استقلالية سكنية، وهو تحول يؤثر سلباً على السنوات الأخيرة من عمر الإنسان من الناحية النفسية على الخصوص. وحسب نتائج دراسة أعدتها الباحثة المغربية السعدية راضي، والباحث الفرنسي جون نويل فيري، فإنه رغم الدعم المالي والمادي واللوجستيكي الذي يقدمه الأبناء لآبائهم إلا أن نسبة منهم ينتهي بهم المطاف للعيش وحيدين، واعتبرا أن الدعم غير كاف، ولذلك اقترحا التعجيل بتنظيم الرعاية العمومية الخاصة بالأشخاص المُسنين في ظل التحول الديمغرافي التي سيحمل تغييراً مُهماً في تركيبة "النشيطين وغير النشيطين" من السكان. وفي دراستهما التي نُشرت في مارس الماضي في مجلة علم الشيخوخة والمجتمع، التي يصدرها الصندوق الفرنسي لتأمين الشيخوخة، يُشير الباحثان إلى أنه "على الرغم من تعبير الأبناء عن تفانيهم وطاعتهم للوالدين إلا أن تجليات هذه الطاعة في الواقع تحدث تباعداً أكثر من التقارب". هذا الوضع يطرح تحديات كبيرة على الدولة وعلى المجتمع أيضاً، إذ يجب التفكير في كيفية مواكبة المسنين اجتماعياً وصحياً؛ كما يطرح تحديات بخصوص كيفية دعم التضامن بين الآباء والأبناء، ما يعني أن الإشكال لا يحتاج حلولاً تقنياً فقط، بل اجتماعية بالأساس. في إحدى المقولات الشهيرة للملك الراحل الحسن الثاني، كان قد نبه من وضع المسنين في دور خاصة في ظل "تخلي" الأبناء عنهم، إذ قال: "في اليوم الذي تُفتح فيه دار للمتقاعدين في المغرب سيصبح مجتمعنا في طريق الاندثار"..ومن خلال الإحصائيات يتجلى أن خطر الشيخوخة القادم سيفتح هذه الطريق.