وصف إدوي بلينيل، صحافي فرنسي مدير تحرير جريدة "لوموند" السابق ومؤسس موقع "Mediapart" المعروف بتحقيقاته الاستقصائية، سجن شباب "حراك الريف" بأحكام تصل مدتها إلى 20 سنة، بكونه "عمرا كاملا" من السجن، مؤكّدا في سياق حديثه عن كون "العنف الرمزي للهيمنة يخلق أنواعا أخرى من العنف مدمِّرَة أيضا"، أنه سيتخلّى عن واجبه الصحافي إذا لم يُثِر موضوع الحراك الاجتماعي في الريف خلال مداخلته. وتمنى بلينيل، في سياق مشاركته اليوم السبت في الدورة الثامنة لمنتدى الصويرة لحقوق الإنسان، أن تتدخّل "رحمة" ما بمعتقلي الريف ويُطلَقَ سراحهم، أمام جمهور من بين وجوهه المستشار الملكي أندري أزولاي، ورئيس مجلس جهة مراكشآسفي أحمد أخشيشن، ووزير السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي محمد ساجد، ووزير الداخلية ووزير التعليم السابق محمد حصاد، والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية الوزير السابق محمد نبيل بنعبد الله. ورأى بلينيل أن مهرجان الصويرة كناوة وموسيقى العالم، بمنتداه لحقوق الإنسان، ليس فقط متعة وجمالا وحُسْنا، بل يمارس سياسةً بأحسن معانيها، فيها لقاء وسياسةُ تبادلٍ واختلاط. ثم أضاف قائلا إن العنف، الذي هو موضوع الدورة الثامنة للمنتدى، ليس عنفا واحدا، وأن هناك ثقافة ديمقراطية تتطوّر كل يوم ويمكن أن "تسموَ بِنا". واستحضر إدوي بلينيل، في مداخلته، قول الأكاديمي الراحل إدوارد سعيد إن الغرب صناعة سياسية لا واقعا جغرافيا، ونفى أن تكون الثقافة "عاصمة من الهمجية"، لأن أوروبا باسم سموِّ ثقافتها استعبدت ودمرت مناطق عديدة في العالم على مدار خمسة قرون، لتعود نتائج ذلك إليها اليوم في ديارها، وأضاف أن هناك من كانوا في زمن الاستعمار يقرؤون أعمال جون جاك روسو ويقبلون استعباد السود الذي نمى القارة، ويقبلون إقصاء الثقافات والأديان الأخرى، وكان هناك من يقتُلُ اليهود في محرقة آوتشفيتز ويسمع أنغام بيتهوفن، ويقرأ مؤلفات غوته. وتحدّث الصحافي الفرنسي عن "استمرار هذا الرعب في أمريكا"، مع كذبة الدولة التي صارت كذبة إعلامية، في إشارة إلى ادعاء حيازة النظام العراقي السابق أسلحة دمار شامل للتدخل عسكريا فيه، وتقنينها التعذيب، وهو ما كان صناعة لما تدعي أمريكا مواجهته بعد الإرهاب الشمولي الذي مسها في 11 من شهر شتنبر في عام 2001؛ وهو ما أدى بعد ذلك إلى بناء داعش، ليتساءل مستنكرا: كيف نحارب النزعات الجهادية مع وجود صور ما حدث داخل "سجن أبو غريب" من إهانة؟. وعبّر بلينيل عن انتمائه داخل فرنسا إلى من يناضلون من أجل تجاوز "منطق القوة" ل"نكون متساوين حقيقة". واستنكر في هذا السياق الذوبان الذي يُنتظَر من الآخر عندما يكون في فرنسا لأنه إقصاء له، وميز بينه وبين الاندماج المطلوب في كل أنحاء العالم، نافيا أن تكون الديمقراطية ببساطة هي التصويت، والمؤسسات، واختيار الممثلين، بل هي: "مبدأ أننا أحرار ومتساوون في الحقوق والكرامة". واستشهد المتحدّث بالأديب والكاتب الفرنسي ألبير كامي، الذي شدّد على أن الديمقراطية هي احترام الأقليات لا احترام رأي الأغلبية فقط؛ لأن الأقليات، على الرغم من بعض ما قد يعتري خطابها، تطلب أخذ تاريخها بعين الاعتبار والاعتراف بها. واستحضر في هذا السياق كتابه "من أجل المسلمين"، الذي كان يمكن أن يسمى "من أجل المساواة"، والذي كان مقصده القول إن جرح أي شخص لأنه مسلم أو مثلي أو أسود أو امرأة.. هو جرح للإنسانية. وشدّد الإعلامي نفسه على "مسؤولية الصحافة"، نافيا أن يكون مع الرقابة عليها، ثم استدرك قائلا: "لكن لا يعقل أن يكون إريك زمور خبيرا باسم السياسة الفرنسية"، ثم زاد متحدّثا عن الكاتب الفرنسي الذي نحت مفهوم "الاستبدال الكبير"، في إشارة إلى رونو كامي، ثم انتقد دعم الأكاديمي آلان فينكلكروت لأطروحته ناسيا أن هذا الكاتب كان معاديا للسامية قبل أن يصاب ب"الإسلاموفوبيا"، كما استحضر حمل ميشيل ويلبيك، الروائي الفرنسي الأكثر متابعة في العالم، أفكارَ صاحب "الاستبدال العظيم". ووصف إدوي بلينيل ما يعمل في سبيله اليمين المتطرف، بتحميله المهاجرين كل المشاكل قبل أن يتحول ذلك إلى كره للمسلمين والعرب.. بكونه "إيديولوجيا قاتلة" تبدأ بالكلمات والكتابات قبل أن تنتقل إلى الفعل، مضيفا أن اليمين المتطرف وريث التيارات التي تؤمن بأننا لسنا جميعا أحرارا ومتساوين. واستنكر الصحافي الفرنسي "عدم العدل العالمي" في ما يتعلق بفلسطين، وأضاف قائلا: ليس الفلسطينيون مسؤولين عن جريمة أوروبا في حق اليهود، ثم استرسل مستشهدا بترجمة فرنسية لقصيدة نظمها محمود درويش، بعنوان: فكر بغيرك، تدعو إلى عدم نسيان وجهات النظر الأخرى والمتضررين من الاختيارات أيا كانت، وتربط كل هذا التفكير بالآخرين البعيدين بالتفكير في النفس، بقول: ليتني شمعة في الظلام".