هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلينيل: تشويه سمعة المسلمين بسبب العقيدة جرح غائر في جبين الإنسانية
نشر في اليوم 24 يوم 15 - 05 - 2015

بنشره كتاب «رسالة إلى المسلمين»، يكون الكاتب والصحافي «إدوي بلينيل» قد رمى بحجر في مياه آسنة. إذ لا ترتبط أطروحاته، المبنية على حجج قوية، بالإجماع الفرنسي الذي يطبع النقاشات حول قضية الإسلام والمسلمين في فرنسا. ف«إدوي بلينيل» هو هذا الرجل الذي قرر أن يدق ناقوس الإنذار، وهو يرى الإسلاموفوبيا تنتشر في فرنسا وأوروبا بهدوء، لكن على نحو أكيد. إذ يتهم هذا الصحافي، الذي أسس موقع Mediapart، عبر كتابه «رسالة إلى المسلمين»، جزءا من الأنتلجنسيا الفرنسية بكونها باتت الديدن الفكري لخطاب اليمين المتطرف في فرنسا. كما يوبخ السياسات التي تصطف في صف أطروحات الجبهة الوطنية، بدل أن تنظر إليها من أعلى.
لماذا هذا العنوان: «رسالة إلى المسلمين»؟
أولا، إنه يتقاطع مع مقالة لإميل زولا نشرها سنة 1896، أي قبل 20 شهرا من مقالته الشهيرة «إني أتهم»، التي كتبها عن قضية «دريفوس». فهو إذ يكتب «رسالة إلى اليهود»، أطلق صرخة غضب ضد انتشار معاداة السامية الحديثة القائمة على أساس معاداة المسيحيين لليهود داخل الفضاء العمومي. في تقابل مع هذا العنوان، أكتب اليوم: «رسالة إلى المسلمين»، فهو كتاب ليس عن الإسلام، ولا تأملا فيما تعنيه الكينونة الإسلامية. كما أنه ليس كتابا يصف ساكنة معينة، طالما أتحدث دائما عن: مسلمي الأصل، أو الثقافة، أو العقيدة»، بل هو كتاب تضامني ضد تشويه سمعة ساكنة معينة وممارسة التمييز ضدها.
منذ الفصل الأول، تثير تدخل «آلان فينكلكروت» في البرنامج الصباحي على «فرانس أنتير»، حيث قال إن فرنسا تعاني مشكلة الإسلام. ما الذي يزعجك في تصريحه؟
يريد «آلان فينكلكروت» أن يقول إن خلف مشكلة الإسلام يكمن بعد حضاري غريب عنا، وخارج عن ذواتنا، حيث يمكن أن يكون هناك صدام بين الثقافات والحضارات. وهو إذ يقول ذلك، فإنه يضفي المصداقية على اليمين المتطرف الذي يُلبس، تحت غطاء الحرية، رهابه من الأجانب وعنصريته وتبكيته العرب والمغاربيين، بلبوس نقد ديانة معينة. ففي نظري، تحول «آلان فينكلكروت»، وهو يستعمل كلمة «الإسلام»، عن صف الذين يصفون بهذه الكلمة جمهورا من الناس في تعدد انتمائهم وأصولهم. فوصف «الإسلام» باعتباره مشكلة فرنسا، وبوصفه المشكلة التي قد تمثل اعتداء على ثقافتنا التي نزعم أنها متفوقة، هو الإسلاموفوبيا في رأيي.
في رأيك، ساهم بعض المثقفين ووسائل الإعلام في تحرير ونشر خطاب إسلاموفوبي يعادي الأجانب في فرنسا؟
لم تصبح العنصرية في أوروبا والغرب خطيرة إلا عندما امتلكت سدنة من المثقفين. ثمة دائما، في البشرية كلها، أحكام مسبقة وأفكار غير متعاطفة. إذ لا تخلو أية أمة، أو ثقافة، من هذه الانحرافات. وهذا الطرح يكمن في كون هذا الأمر يتحول إلى قوة سياسية راسخة في التفكير الثقافي. وهنا، نبتعد عن قاعدة القيم الديمقراطية، أي عن المساواة بين البشر. فالفكرة في نظر البعض تكمن، في نهاية المطاف، في وجود فرز وتراتبية واختلافات تترجم بالتفوق أو الدونية، كما قال «كلود غيون»، الذراع الأيمن لنيكولا ساركوزي، الذي أكد سنة 2012 أن هناك حضارات، ومن ثمة ديانات متفوقة على أخرى. في نظري، تطرح مسألة الإعلام والمثقفين حول الطريقة التي يعممون بها، عبر كلمتي «الإسلام» و»المسلمين»، ممثلة واقعا غامضا، بغض النظر إلى تنوعه وتعدده. بذلك، فهم يصفون الآخر باعتباره عدوا، وخصما، كأنه جسد غريب.
تحمل المسؤولية للسياسيين، حيث تقول إنهم «شرعنوا أحيانا خطاب الجبهة الوطنية». كيف فعلوا ذلك؟
منذ ثلاثين سنة، وهنا المشكلة في فرنسا، هناك إيديولوجيا التفاوت والهوية والشمولية، وهي إيديولوجيا يحملها اليمين المتطرف. للأسف، تخلى اليمين، في عهد نيكولا ساركوزي، عن مرجعياته الجمهورية. وأطلق العنان للحديث عن الهوية الوطنية، وهو يربط مسألة الهوية الوطنية بمسألة الهجرة، حيث ركز على معارك الحلال وبروز معالم الإسلام في المجتمع. فمن جانب اليسار، هناك في العمق الانحرافات نفسها، مع وجود هذه الفكرة التي تفيد أن اليمين المتطرف يطرح الأسئلة الجيدة، لكن في المقابل يقدم الأجوبة السيئة. يترجم كل هذا خصوصا بالطريقة التي يتواصل بها اليسار واليمين منذ سنة 2004، أي منذ التصويت على قانون منع الرموز الدينية في المدرسة، الذي سيقصي من الثانويات والإعداديات بنات يظهرن ما يرمز إلى عقيدتهن الإسلامية. في نظري، يتعلق الأمر بتراجع، حتى في تاريخنا الخاص. ذلك أن العلمانية لم تتوخَّ أبدا محو الدين، بل إنها تقول إن الدين لا يمكنه أن يملي شريعته على الجمهورية، وأن يأتي كل واحد إلى المدينة الجمهورية كما هو، سواء أكان ملحدا، لا دينيا، مؤمنا، أو غير مؤمن. هذه هي العلمانية في نظري.
هل يجب ترك موضوعات الهجرة والإسلام للجبهة الوطنية؟
هكذا ظللنا نفعل منذ ثلاثين سنة، حيث يفرض اليمين المتطرف مسألة الهجرة والإسلام على الأجندة السياسية. هل أدى هذا إلى حل مشكلة البطالة والمشكلات الاقتصادية في فرنسا؟ وهل أدى هذا إلى حل مشكلات الديمقراطية في فرنسا؟ وهل أدى هذا إلى حل الأزمة الأخلاقية في فرنسا؟ لا، بالطبع!
إنها حيل قديمة يمارسها المهيمنون، لأن الجبهة الوطنية لا تناصر المهمشين، بل الأقوياء والمهيمنين والمتسلطين. وهي طريقة ليقول للناس: شنوا الحرب بسبب أصولكم، وباسم ديانتكم، وباسم مظهركم، بدل الدفاع عن قضاياكم المشتركة حول المسائل الاجتماعية والديمقراطية، وحول السكن والعيش المشترك… إنها قاعدة قديمة تقتضي التفريق من أجل السيادة، ودسّ السم في التفريق باسم الأصل. للأسف، نعرف في أوروبا ما يعنيه هذا الأمر، لأن هذه الإيديولوجيات كانت وراء جرائم بشعة في أوروبا.
هل أصاب «مانويل فالس» في عبارة «الأبارتهايد الاجتماعي»؟
ليس هناك أي «أبارتهايد» مؤسساتي في فرنسا، لكني أقول ل»مانويل فالس» إنه لا يكفي أن يقول تلك العبارة. ذلك أن «فالس» ومن يتبنون وجهة نظر علمانوية طائفية يرفضون الإشارة إلى الإسلاموفوبيا، ويضعون معاداة السامية فوق باقي أشكال التمييز الأخرى. وهذا يغذي تنافسا مكروها على العموم بين الضحايا. في هذا الإطار، أذكّر «مانويل فالس» بما فعله نيلسون مانديلا حتى يتقدم بلده. لقد مدّ يده، بما في ذلك إلى الأقلية البيضاء القمعية، ولم يزعم أنه الناطق الرسمي باسم الأغلبية الأفريقية السوداء، بل قال: «نحن أمة قزحية».
في نظري، يجب على فرنسا أن تعلن، بصوتها السياسي، أنها أمة قزحية، وأنها بلاد متعددة الثقافات بشكل عميق، ما يعني أنها بلاد متعددة الديانات، وأن الإسلام ينتمي إلى فرنسا، مثل الكاثوليكية والبروتستانتية أو اليهودية. وهذا يمثل جزءا من تاريخنا، ونحن فخورون به. فإذا قلنا هذا، فإن بلدنا سيصبح مرجعية للعالم في عز أزمته وميله نحو شن الحرب بين الحضارات والديانات.
ما العمل، إذاً، مع الفرنسيين الذين يخلطون بين المسلمين والإرهابيين بسبب ما يحدث حاليا؟
لابد من استعمال البيداغوجيا. ولابد أولا من بسط اليد. ولابد من الحديث، وعدم ترك المجال أمام استحواذ الخوف أو العاطفة. كما لا أظن أنه يمكننا تطبيق الأخلاق على الناس الذين يخافون ويشعرون بالذعر، ويسقطون فجأة في منطق كبش الفداء. بل لابد أن نحرّكهم بفرض أجندة أخرى، هي أجندة التحرر، والقضايا المشتركة، والمساواة بدون تمييز بسبب المظهر، وبدون تمييز في مراقبات الشرطة التي تتم بحسب الانتماءات العرقية، وبدون تمييز في التوظيف. إذ تحيل المساواة على كل القضايا الاجتماعية والديمقراطية. وهي ليست معركة من أجل السكان الذين يمارس في حقهم التمييز. هناك الطابع المثالي للقضايا المشتركة، حيث أعتقد أنه يجب أن نسلك هذه الطريق. في الواقع، هذا الهوس، لدى اليسار واليمين على حد سواء، بالحديث كأن التمييز هو مشكلة المسلمين والإسلام، هو هوس يمنع الخوض في القضايا الديمقراطية والاجتماعية. والحال أنها قضايا ذات أسبقية.
هل تعتقد أن بعض الفرنسيين يخافون من المسلمين؟
«إنه إنسان خائف»، كما قال سارتر عن نفسه، خائف من إنسانيته ذاتها، ومن هشاشته. فرنسا خائفة، وليس الشعب. وأول الخائفين هم قادتنا. فهم يقذفون بخوفهم على الشعب. إنهم خائفون من المستقبل، طالما أنهم يعرفون أن هذا العالم آخذ في الانهيار. من قبل، كانت علاقتنا بالعالم علاقة قوة وهيمنة، وهي علاقة القوي بالضعيف. وما يحدث اليوم، في القرن الحادي والعشرين، مع هذه الاختلالات والتوترات، هو حركة تحرر، واستقلالات دشنتها شعوب أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا في الخمسينيات، وتشق طريقها تدريجيا، متقدمة تارة، ومتراجعة تارة أخرى، مع وجود ثورات وثورات مضادة. لكنها تشق طريقها بوضوح. ومثلما قال «إيمي سيزير»: «دقّت ساعتنا نحن».
يجب أن نقبل اليوم، نحن الأوروبيون، أننا دخلنا في علاقة لم تعد ترتبط بالتفوق. يجب أن نقبل بالتفاوض مع العالم. انتهى الزمان الذي كنا نفرض فيه ثقافتنا وعقائدنا على العالم. يجب أن نبتكر علاقة أخرى. لقد باتت فرنسا واهمة منذ سنة 1962، منذ النهاية الدموية والمأساوية المتأخرة للاستعمار. إذ تعطي مؤسساتها سلطة كبرى لشخص واحد. فهي واهمة بقوة آخذة في الأفول. إذ يتشنج المكلفون بهذه القوة، بدل أن يبتكروا متخيلا جديدا، فينشغلون بهذه الخصوصية الفرنسية، كأن فرنسا هي أمريكا أوروبا. غير أن فرنسا هي البلد الأوروبي الوحيد الذي يتكون من المهاجرين. ورفض الاعتراف بهذا الواقع يُشنج الذات. لذلك أقول على نحو واضح: لنوقف هذا الانفصام، ولا نخشى العالم! فالعالم كامن فينا، وهو قوتنا.
يجب أن تكون فرنسا صوت كل الذين يرفضون حرب الحضارات وحرب العوالم. يجب أن تكون المكان الذي نتحدث ونفكر فيه، وتلتقي فيه إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية. لا ينبغي أن تصطف فرنسا في صف منطق القوى المتحاربة. إذ لا نحمل الحرية إلى البلدان بغزوها والهيمنة على شعوبها. وكل الاختلالات المطروحة أمامنا هي نتاج عمى غربي، كما يقول أحد الساسة الفرنسيين النادرين العارفين بهذه الهشاشة وتعقد العالم، وهو «دومينيك دو فيلبان»، الذي ولد في المغرب.
لشرح «مسألة الإسلام» اليوم، تقارنون في الغالب مع القرن الماضي والطريقة التي عولجت بها «المسألة اليهودية». ما القاسم المشترك بين هاتين المسألتين؟
يقول الناس إن «بلينيل» يقارن المسلمين بمصير اليهود في الثلاثينيات». هذا خطأ! تروم مقارنتي شرح ظهور التمييز، الذي ولّد مآسي فظيعة في أوروبا. شرح أن تذكّر الجرائم يمثل أمرا جيدا، لكننا نحيد عن الطريق إذا تذكرناها بتقديسها، وفي غياب الوعي باللامبالاة التي جعلتها ممكنة الحدوث. «الأسوأ ليس هو طقطقة الأحذية، بل صمت الشباشب»، كما قال كاتب مسرحي. لابد، إذاً، من طرح هذه الأسئلة: كيف تتأسس اللامبالاة؟ كيف يعتاد الفضاء العام على الكلمات والكليشيهات والتسطيح والأحكام المسبقة؟ لابد، أيضا، من فهم كيفية انتشار وتشرب ثقافة بلد ما. لكن، بدل هذا، نحرر الكلمة، فنسمع البعض يقول إن الإسلام خطير في حد ذاته. لا، لا يشكل أي دين خطرا في حد ذاته! هناك إيديولوجيات شمولية تُشوه طبيعة الإسلام، لكنها ليست خاصة بالإسلام. يبقى أن كل واحد حرّ في الاعتقاد، لكن لا أحد يمكنه أن يفرض أفكاره أو يقتل باسم عقيدته.
تستشهد أيضا بإميل زولا وبمرافعته «رسالة إلى اليهود». هل تعتقد أن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه، بأن يكون المسلمون اليوم هم يهود البارحة، وأن يكونوا أكباش فداء المجتمعات الأوروبية خصوصا؟
المسلم هو كبش الفداء الأساسي في هذه الحقبة. أقول إن هناك دائما كبش فداء في كل فترة. ذلك الذي يجعلنا نعتاد على التفاوتات والتراتبيات. وما أن يكون هناك كبش فداء، فإننا نقبل به، ونراه يتطور وفق جميع أشكال التراتبيات. فوراء معاداة السامية، هناك تراتبية بين الرجل والمرأة، وهناك الإيقاع بالمثليين، والمجانين، والغجر. عموما، ثمة ازدراء لكل ما هو مختلف. والأمر ذاته ينطبق على ميلاد العنصرية في فرنسا ضد السود، مثل الاعتداء على «كريستيان توبيرا»، وعودة التمييز على أساس الجنس ضد امتلاك الحق في المساواة بالنسبة إلى المرأة. أريد القول للجميع: احذروا! إن لم تتضامنوا مع كبش فداء اليوم، فيوما ما سيحين دوركم، وستكونون هدفا للهجمات وأشكال التمييز. أنا أناصر القضايا المشتركة.
في كتابك، تصرح أنك ترغب في تجنب «مهزلة»، وفي تجنيب فرنسا تلطيخ شرفها. ما الذي يقلقك أكثر؟
أنا «دريفوسي» الروح، بل إني لست مؤمنا، وأظن أن ثمة قيما روحية. أومن بالوطن، بالمثل التي يجب أن تتجاوزه. فإذا قدمت فرنسا للعالم صورة بلد يستقبل اللاجئين، واستطاعت أن تستلهم المثل، فلأنها عرفت في لحظات من تاريخها كيف تدعم المهمشين، وأن تناصر المبادئ، بدل الأقوياء. فالخطر الحقيقي يكمن في تحول الإيديولوجيات الهوياتية والطبقية والشمولية إلى قوة سياسية تهيمن علينا فجأة. إذ باتت فرنسا تنسلخ من العالم وتبتعد عنه، حيث يكمن في فشلنا، مثلما حدث في لحظات أخرى من تاريخنا، في إنقاذ فرنسا رغما عنها.
كيف ترد على الذين يرون خطابك متشائما؟
ليس متشائما. إذ غالبا ما أقول إن شعار: «القلق هو غرفة انتظار الأمل». بهذا المعنى، أبقى وفيا لمهنتي كصحافي. نحن هنا لكي ندق ناقوس الخطر وندفع نحو أخذه بعين الاعتبار. لذا أرى أن من يقولون إن خطابي متشائم لا يفتحون أعينهم وآذانهم.
كيف تفسر تصلب العلمانية الفرنسية؟
مثلما كان الأمر دائما، تصبح الأغلبيات غير مبالية بالأقليات. إذ شهدت فرنسا خلال نصف القرن الأخير علمنة عميقة تقتضي أن يصبح عرف الأغلبية هو عرف عدم الإيمان، وعدم ممارسة الشعائر الدينية، واللامبالاة تجاه الشأن الديني. واليوم، أصبحت العقيدة الأغلبية الكاثوليكية أقلية، من حيث الممارسة. أما تحذيري، فهو يخص جميع الأديان. فإذا غضضنا الطرف عن تشويه سمعة الإسلام، وعن ازدرائه وشيطنته، فإن كل الأديان ستصبح مستهدفة. والقول إن بلدا علمانيا هو البلد الذي لم يعد يظهر فيه الدين هو قول خاطئ تماما. ثمة في العمق خيانة للعلمانية الأصلية. إذ يعترف قانون 1905 بحق إعلان الدين في الفضاء العام، وكذا القيام بالشعائر الدينية. في فرنسا، يمثل الدين رأيا كالآراء الأخرى. وبإبداء الرغبة في نفيه نهائيا من هذا الفضاء، نخرق حرياتنا. إذ تقتضي الحرية أن أدافع، أنا اللاديني، أنا الذي لا أملك أي عقيدة، عما يسمح للمؤمنين بالدفاع عن عقائدهم وتأكيدها وإظهارها. وهم لا يملكون الحق في فرضها، ولا في جعلها معيارا لحياتنا المشتركة، لأننا مطالبون بأن نكون متعددين، وأن نملك أشكالا لحياة مشتركة. لابد من ابتكار نمط حياة جماعي.
ترفض مبدأ الإدماج، وتقول إن فرنسا تحنّ إلى نموذج يمثل اليوم «عقدة تطوق عنق المجتمع». لماذا؟
يجب أن نندمج جميعا. فعندما جئت إلى فرنسا، كان عليّ أن أندمج. لم أكن أملك كل الشفرات. فالإدماج كلمة مرعبة وكولونيالية، كلمة لمحو الآخر، وكلمة عُرف مهيمن.
أذكر فقط، أن النساء في فرنسا حصلن على الحق في التصويت 25 سنة قبل النساء التركيات، ما يثبت أن أي عقيدة أو ثقافة أو دين أو بلد أو أمة تملك القيم الكونية. أذكر آنذاك أن الجمهوريين رفضوا تمتيع النساء بحق التصويت، على اعتبار أنهن يتأثرن جميعا بالكهنة. ومنذ ذلك الحين، رأينا أن النساء كنّ أكثر انفتاحا وقدرة من الرجال على ابتكار السبل الجديدة. ما أريد قوله هو إن قضايا المساواة لا تقبل الفصل. فإذا بدأنا بالاستسلام فيما يتعلق بالمساواة بذريعة الحرب الدينية، نخشى أن نستسلم فيما يتعلق بجميع أشكال المساواة. لنتوقف، ولنشق الطريق جميعا! قد تتعلم فرنسا، التي تعاني أزمة كبرى في الديمقراطية، من أوروبا أشياء كثيرة. فعندما نذهب إلى بريطانيا العظمى، قد نرى الجمركية ترتدي حجابا. وقد يكون المواطن المنحدر من أصول سيخية شرطيا. إنها مدن تتعايش وتتحرك، وهي تتكون من العالم كله.
تنتهي «رسالة إلى اليهود» لإميل زولا بنداء إلى «الوحدة الإنسانية»، وهو النداء الذي تكرره؟
أقتبس في نهاية كتابي هذه العبارة ل«إيمي سيزير»: «أيها الرجال والنساء، ماذا ننتظر؟» ماذا ننتظر لنقول: (كفى) لما يبدو لي جرحا ضد الإنسانية، بما في ذلك تشويه سمعة ساكنة بكاملها، بسبب عقيدتها. وهذا ما يقوم به الإرهابيون أيضا، لأنهم يقتلون الشيعة، حيث يعتبرونهم «مسلمين سيئين». فضلا عن ذلك، فالضحايا الأساسيون لهذه الإيديولوجيا الشمولية، التي تزعم أنها نابعة من الإسلام، هم المسلمون أنفسهم… أعتقد أننا يجب أن نقدم المثال الراقي الذي يصالحنا مع فكرة راقية عن فرنسا، هي فكرة بلد يتصالح مع العالم.
عن «لوبسيرفاتور دي ماروك إي دافريك»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.