عدد وفيات مغاربة فالنسيا بسبب الفيضانات بلغ 5 ضحايا و10 مفقودين    بواسطة برلمانية.. وهبي يلتقي جمعية هيئات المحامين بالمغرب غدا السبت    أمن الدار البيضاء يوقف 7 أشخاص يشتبه تورطهم في الإيذاء العمدي وحادثة سير متعمدة    فعاليات الملتقى الجهوي الثالث للتحسيس بمرض الهيموفيليا المنعقد بتطوان    قيود الاتحاد الأوروبي على تحويلات الأموال.. هل تُعرقل تحويلات المغاربة في الخارج؟    أكديطال تتجه لتشييد مصحة حديثة بالحسيمة لتقريب الرعاية الصحية    مدافع الوداد جمال حركاس: تمثيل "أسود الأطلس" حلم تحقق        سانت لوسيا تشيد بالمبادرات الملكية بشأن الساحل والمحيط الأطلسي    منظمات أمازيغية تراسل رئيس الجمهورية الفرنسية حول استثناء تعليم اللغة الأمازيغية    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    الوسيط يعلن نجاح الوساطة في حل أزمة طلبة الطب والصيدلة    هكذا علق زياش على اشتباكات أمستردام عقب مباراة أياكس ومكابي تل أبيب    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    مواطنون يشتكون من "نقطة سوداء" أمام كلية العلوم بطنجة دون استجابة من السلطات    افتتاح الدورة 25 لمهرجان الأرز العالمي للفيلم القصير بإفران    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الحجوي: ارتفاع التمويلات الأجنبية للجمعيات بقيمة 800 مليون درهم في 2024    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر        الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين            تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلينيل: تشويه سمعة المسلمين بسبب العقيدة جرح غائر في جبين الإنسانية
نشر في اليوم 24 يوم 15 - 05 - 2015

بنشره كتاب «رسالة إلى المسلمين»، يكون الكاتب والصحافي «إدوي بلينيل» قد رمى بحجر في مياه آسنة. إذ لا ترتبط أطروحاته، المبنية على حجج قوية، بالإجماع الفرنسي الذي يطبع النقاشات حول قضية الإسلام والمسلمين في فرنسا. ف«إدوي بلينيل» هو هذا الرجل الذي قرر أن يدق ناقوس الإنذار، وهو يرى الإسلاموفوبيا تنتشر في فرنسا وأوروبا بهدوء، لكن على نحو أكيد. إذ يتهم هذا الصحافي، الذي أسس موقع Mediapart، عبر كتابه «رسالة إلى المسلمين»، جزءا من الأنتلجنسيا الفرنسية بكونها باتت الديدن الفكري لخطاب اليمين المتطرف في فرنسا. كما يوبخ السياسات التي تصطف في صف أطروحات الجبهة الوطنية، بدل أن تنظر إليها من أعلى.
لماذا هذا العنوان: «رسالة إلى المسلمين»؟
أولا، إنه يتقاطع مع مقالة لإميل زولا نشرها سنة 1896، أي قبل 20 شهرا من مقالته الشهيرة «إني أتهم»، التي كتبها عن قضية «دريفوس». فهو إذ يكتب «رسالة إلى اليهود»، أطلق صرخة غضب ضد انتشار معاداة السامية الحديثة القائمة على أساس معاداة المسيحيين لليهود داخل الفضاء العمومي. في تقابل مع هذا العنوان، أكتب اليوم: «رسالة إلى المسلمين»، فهو كتاب ليس عن الإسلام، ولا تأملا فيما تعنيه الكينونة الإسلامية. كما أنه ليس كتابا يصف ساكنة معينة، طالما أتحدث دائما عن: مسلمي الأصل، أو الثقافة، أو العقيدة»، بل هو كتاب تضامني ضد تشويه سمعة ساكنة معينة وممارسة التمييز ضدها.
منذ الفصل الأول، تثير تدخل «آلان فينكلكروت» في البرنامج الصباحي على «فرانس أنتير»، حيث قال إن فرنسا تعاني مشكلة الإسلام. ما الذي يزعجك في تصريحه؟
يريد «آلان فينكلكروت» أن يقول إن خلف مشكلة الإسلام يكمن بعد حضاري غريب عنا، وخارج عن ذواتنا، حيث يمكن أن يكون هناك صدام بين الثقافات والحضارات. وهو إذ يقول ذلك، فإنه يضفي المصداقية على اليمين المتطرف الذي يُلبس، تحت غطاء الحرية، رهابه من الأجانب وعنصريته وتبكيته العرب والمغاربيين، بلبوس نقد ديانة معينة. ففي نظري، تحول «آلان فينكلكروت»، وهو يستعمل كلمة «الإسلام»، عن صف الذين يصفون بهذه الكلمة جمهورا من الناس في تعدد انتمائهم وأصولهم. فوصف «الإسلام» باعتباره مشكلة فرنسا، وبوصفه المشكلة التي قد تمثل اعتداء على ثقافتنا التي نزعم أنها متفوقة، هو الإسلاموفوبيا في رأيي.
في رأيك، ساهم بعض المثقفين ووسائل الإعلام في تحرير ونشر خطاب إسلاموفوبي يعادي الأجانب في فرنسا؟
لم تصبح العنصرية في أوروبا والغرب خطيرة إلا عندما امتلكت سدنة من المثقفين. ثمة دائما، في البشرية كلها، أحكام مسبقة وأفكار غير متعاطفة. إذ لا تخلو أية أمة، أو ثقافة، من هذه الانحرافات. وهذا الطرح يكمن في كون هذا الأمر يتحول إلى قوة سياسية راسخة في التفكير الثقافي. وهنا، نبتعد عن قاعدة القيم الديمقراطية، أي عن المساواة بين البشر. فالفكرة في نظر البعض تكمن، في نهاية المطاف، في وجود فرز وتراتبية واختلافات تترجم بالتفوق أو الدونية، كما قال «كلود غيون»، الذراع الأيمن لنيكولا ساركوزي، الذي أكد سنة 2012 أن هناك حضارات، ومن ثمة ديانات متفوقة على أخرى. في نظري، تطرح مسألة الإعلام والمثقفين حول الطريقة التي يعممون بها، عبر كلمتي «الإسلام» و»المسلمين»، ممثلة واقعا غامضا، بغض النظر إلى تنوعه وتعدده. بذلك، فهم يصفون الآخر باعتباره عدوا، وخصما، كأنه جسد غريب.
تحمل المسؤولية للسياسيين، حيث تقول إنهم «شرعنوا أحيانا خطاب الجبهة الوطنية». كيف فعلوا ذلك؟
منذ ثلاثين سنة، وهنا المشكلة في فرنسا، هناك إيديولوجيا التفاوت والهوية والشمولية، وهي إيديولوجيا يحملها اليمين المتطرف. للأسف، تخلى اليمين، في عهد نيكولا ساركوزي، عن مرجعياته الجمهورية. وأطلق العنان للحديث عن الهوية الوطنية، وهو يربط مسألة الهوية الوطنية بمسألة الهجرة، حيث ركز على معارك الحلال وبروز معالم الإسلام في المجتمع. فمن جانب اليسار، هناك في العمق الانحرافات نفسها، مع وجود هذه الفكرة التي تفيد أن اليمين المتطرف يطرح الأسئلة الجيدة، لكن في المقابل يقدم الأجوبة السيئة. يترجم كل هذا خصوصا بالطريقة التي يتواصل بها اليسار واليمين منذ سنة 2004، أي منذ التصويت على قانون منع الرموز الدينية في المدرسة، الذي سيقصي من الثانويات والإعداديات بنات يظهرن ما يرمز إلى عقيدتهن الإسلامية. في نظري، يتعلق الأمر بتراجع، حتى في تاريخنا الخاص. ذلك أن العلمانية لم تتوخَّ أبدا محو الدين، بل إنها تقول إن الدين لا يمكنه أن يملي شريعته على الجمهورية، وأن يأتي كل واحد إلى المدينة الجمهورية كما هو، سواء أكان ملحدا، لا دينيا، مؤمنا، أو غير مؤمن. هذه هي العلمانية في نظري.
هل يجب ترك موضوعات الهجرة والإسلام للجبهة الوطنية؟
هكذا ظللنا نفعل منذ ثلاثين سنة، حيث يفرض اليمين المتطرف مسألة الهجرة والإسلام على الأجندة السياسية. هل أدى هذا إلى حل مشكلة البطالة والمشكلات الاقتصادية في فرنسا؟ وهل أدى هذا إلى حل مشكلات الديمقراطية في فرنسا؟ وهل أدى هذا إلى حل الأزمة الأخلاقية في فرنسا؟ لا، بالطبع!
إنها حيل قديمة يمارسها المهيمنون، لأن الجبهة الوطنية لا تناصر المهمشين، بل الأقوياء والمهيمنين والمتسلطين. وهي طريقة ليقول للناس: شنوا الحرب بسبب أصولكم، وباسم ديانتكم، وباسم مظهركم، بدل الدفاع عن قضاياكم المشتركة حول المسائل الاجتماعية والديمقراطية، وحول السكن والعيش المشترك… إنها قاعدة قديمة تقتضي التفريق من أجل السيادة، ودسّ السم في التفريق باسم الأصل. للأسف، نعرف في أوروبا ما يعنيه هذا الأمر، لأن هذه الإيديولوجيات كانت وراء جرائم بشعة في أوروبا.
هل أصاب «مانويل فالس» في عبارة «الأبارتهايد الاجتماعي»؟
ليس هناك أي «أبارتهايد» مؤسساتي في فرنسا، لكني أقول ل»مانويل فالس» إنه لا يكفي أن يقول تلك العبارة. ذلك أن «فالس» ومن يتبنون وجهة نظر علمانوية طائفية يرفضون الإشارة إلى الإسلاموفوبيا، ويضعون معاداة السامية فوق باقي أشكال التمييز الأخرى. وهذا يغذي تنافسا مكروها على العموم بين الضحايا. في هذا الإطار، أذكّر «مانويل فالس» بما فعله نيلسون مانديلا حتى يتقدم بلده. لقد مدّ يده، بما في ذلك إلى الأقلية البيضاء القمعية، ولم يزعم أنه الناطق الرسمي باسم الأغلبية الأفريقية السوداء، بل قال: «نحن أمة قزحية».
في نظري، يجب على فرنسا أن تعلن، بصوتها السياسي، أنها أمة قزحية، وأنها بلاد متعددة الثقافات بشكل عميق، ما يعني أنها بلاد متعددة الديانات، وأن الإسلام ينتمي إلى فرنسا، مثل الكاثوليكية والبروتستانتية أو اليهودية. وهذا يمثل جزءا من تاريخنا، ونحن فخورون به. فإذا قلنا هذا، فإن بلدنا سيصبح مرجعية للعالم في عز أزمته وميله نحو شن الحرب بين الحضارات والديانات.
ما العمل، إذاً، مع الفرنسيين الذين يخلطون بين المسلمين والإرهابيين بسبب ما يحدث حاليا؟
لابد من استعمال البيداغوجيا. ولابد أولا من بسط اليد. ولابد من الحديث، وعدم ترك المجال أمام استحواذ الخوف أو العاطفة. كما لا أظن أنه يمكننا تطبيق الأخلاق على الناس الذين يخافون ويشعرون بالذعر، ويسقطون فجأة في منطق كبش الفداء. بل لابد أن نحرّكهم بفرض أجندة أخرى، هي أجندة التحرر، والقضايا المشتركة، والمساواة بدون تمييز بسبب المظهر، وبدون تمييز في مراقبات الشرطة التي تتم بحسب الانتماءات العرقية، وبدون تمييز في التوظيف. إذ تحيل المساواة على كل القضايا الاجتماعية والديمقراطية. وهي ليست معركة من أجل السكان الذين يمارس في حقهم التمييز. هناك الطابع المثالي للقضايا المشتركة، حيث أعتقد أنه يجب أن نسلك هذه الطريق. في الواقع، هذا الهوس، لدى اليسار واليمين على حد سواء، بالحديث كأن التمييز هو مشكلة المسلمين والإسلام، هو هوس يمنع الخوض في القضايا الديمقراطية والاجتماعية. والحال أنها قضايا ذات أسبقية.
هل تعتقد أن بعض الفرنسيين يخافون من المسلمين؟
«إنه إنسان خائف»، كما قال سارتر عن نفسه، خائف من إنسانيته ذاتها، ومن هشاشته. فرنسا خائفة، وليس الشعب. وأول الخائفين هم قادتنا. فهم يقذفون بخوفهم على الشعب. إنهم خائفون من المستقبل، طالما أنهم يعرفون أن هذا العالم آخذ في الانهيار. من قبل، كانت علاقتنا بالعالم علاقة قوة وهيمنة، وهي علاقة القوي بالضعيف. وما يحدث اليوم، في القرن الحادي والعشرين، مع هذه الاختلالات والتوترات، هو حركة تحرر، واستقلالات دشنتها شعوب أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا في الخمسينيات، وتشق طريقها تدريجيا، متقدمة تارة، ومتراجعة تارة أخرى، مع وجود ثورات وثورات مضادة. لكنها تشق طريقها بوضوح. ومثلما قال «إيمي سيزير»: «دقّت ساعتنا نحن».
يجب أن نقبل اليوم، نحن الأوروبيون، أننا دخلنا في علاقة لم تعد ترتبط بالتفوق. يجب أن نقبل بالتفاوض مع العالم. انتهى الزمان الذي كنا نفرض فيه ثقافتنا وعقائدنا على العالم. يجب أن نبتكر علاقة أخرى. لقد باتت فرنسا واهمة منذ سنة 1962، منذ النهاية الدموية والمأساوية المتأخرة للاستعمار. إذ تعطي مؤسساتها سلطة كبرى لشخص واحد. فهي واهمة بقوة آخذة في الأفول. إذ يتشنج المكلفون بهذه القوة، بدل أن يبتكروا متخيلا جديدا، فينشغلون بهذه الخصوصية الفرنسية، كأن فرنسا هي أمريكا أوروبا. غير أن فرنسا هي البلد الأوروبي الوحيد الذي يتكون من المهاجرين. ورفض الاعتراف بهذا الواقع يُشنج الذات. لذلك أقول على نحو واضح: لنوقف هذا الانفصام، ولا نخشى العالم! فالعالم كامن فينا، وهو قوتنا.
يجب أن تكون فرنسا صوت كل الذين يرفضون حرب الحضارات وحرب العوالم. يجب أن تكون المكان الذي نتحدث ونفكر فيه، وتلتقي فيه إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية. لا ينبغي أن تصطف فرنسا في صف منطق القوى المتحاربة. إذ لا نحمل الحرية إلى البلدان بغزوها والهيمنة على شعوبها. وكل الاختلالات المطروحة أمامنا هي نتاج عمى غربي، كما يقول أحد الساسة الفرنسيين النادرين العارفين بهذه الهشاشة وتعقد العالم، وهو «دومينيك دو فيلبان»، الذي ولد في المغرب.
لشرح «مسألة الإسلام» اليوم، تقارنون في الغالب مع القرن الماضي والطريقة التي عولجت بها «المسألة اليهودية». ما القاسم المشترك بين هاتين المسألتين؟
يقول الناس إن «بلينيل» يقارن المسلمين بمصير اليهود في الثلاثينيات». هذا خطأ! تروم مقارنتي شرح ظهور التمييز، الذي ولّد مآسي فظيعة في أوروبا. شرح أن تذكّر الجرائم يمثل أمرا جيدا، لكننا نحيد عن الطريق إذا تذكرناها بتقديسها، وفي غياب الوعي باللامبالاة التي جعلتها ممكنة الحدوث. «الأسوأ ليس هو طقطقة الأحذية، بل صمت الشباشب»، كما قال كاتب مسرحي. لابد، إذاً، من طرح هذه الأسئلة: كيف تتأسس اللامبالاة؟ كيف يعتاد الفضاء العام على الكلمات والكليشيهات والتسطيح والأحكام المسبقة؟ لابد، أيضا، من فهم كيفية انتشار وتشرب ثقافة بلد ما. لكن، بدل هذا، نحرر الكلمة، فنسمع البعض يقول إن الإسلام خطير في حد ذاته. لا، لا يشكل أي دين خطرا في حد ذاته! هناك إيديولوجيات شمولية تُشوه طبيعة الإسلام، لكنها ليست خاصة بالإسلام. يبقى أن كل واحد حرّ في الاعتقاد، لكن لا أحد يمكنه أن يفرض أفكاره أو يقتل باسم عقيدته.
تستشهد أيضا بإميل زولا وبمرافعته «رسالة إلى اليهود». هل تعتقد أن التاريخ يمكن أن يعيد نفسه، بأن يكون المسلمون اليوم هم يهود البارحة، وأن يكونوا أكباش فداء المجتمعات الأوروبية خصوصا؟
المسلم هو كبش الفداء الأساسي في هذه الحقبة. أقول إن هناك دائما كبش فداء في كل فترة. ذلك الذي يجعلنا نعتاد على التفاوتات والتراتبيات. وما أن يكون هناك كبش فداء، فإننا نقبل به، ونراه يتطور وفق جميع أشكال التراتبيات. فوراء معاداة السامية، هناك تراتبية بين الرجل والمرأة، وهناك الإيقاع بالمثليين، والمجانين، والغجر. عموما، ثمة ازدراء لكل ما هو مختلف. والأمر ذاته ينطبق على ميلاد العنصرية في فرنسا ضد السود، مثل الاعتداء على «كريستيان توبيرا»، وعودة التمييز على أساس الجنس ضد امتلاك الحق في المساواة بالنسبة إلى المرأة. أريد القول للجميع: احذروا! إن لم تتضامنوا مع كبش فداء اليوم، فيوما ما سيحين دوركم، وستكونون هدفا للهجمات وأشكال التمييز. أنا أناصر القضايا المشتركة.
في كتابك، تصرح أنك ترغب في تجنب «مهزلة»، وفي تجنيب فرنسا تلطيخ شرفها. ما الذي يقلقك أكثر؟
أنا «دريفوسي» الروح، بل إني لست مؤمنا، وأظن أن ثمة قيما روحية. أومن بالوطن، بالمثل التي يجب أن تتجاوزه. فإذا قدمت فرنسا للعالم صورة بلد يستقبل اللاجئين، واستطاعت أن تستلهم المثل، فلأنها عرفت في لحظات من تاريخها كيف تدعم المهمشين، وأن تناصر المبادئ، بدل الأقوياء. فالخطر الحقيقي يكمن في تحول الإيديولوجيات الهوياتية والطبقية والشمولية إلى قوة سياسية تهيمن علينا فجأة. إذ باتت فرنسا تنسلخ من العالم وتبتعد عنه، حيث يكمن في فشلنا، مثلما حدث في لحظات أخرى من تاريخنا، في إنقاذ فرنسا رغما عنها.
كيف ترد على الذين يرون خطابك متشائما؟
ليس متشائما. إذ غالبا ما أقول إن شعار: «القلق هو غرفة انتظار الأمل». بهذا المعنى، أبقى وفيا لمهنتي كصحافي. نحن هنا لكي ندق ناقوس الخطر وندفع نحو أخذه بعين الاعتبار. لذا أرى أن من يقولون إن خطابي متشائم لا يفتحون أعينهم وآذانهم.
كيف تفسر تصلب العلمانية الفرنسية؟
مثلما كان الأمر دائما، تصبح الأغلبيات غير مبالية بالأقليات. إذ شهدت فرنسا خلال نصف القرن الأخير علمنة عميقة تقتضي أن يصبح عرف الأغلبية هو عرف عدم الإيمان، وعدم ممارسة الشعائر الدينية، واللامبالاة تجاه الشأن الديني. واليوم، أصبحت العقيدة الأغلبية الكاثوليكية أقلية، من حيث الممارسة. أما تحذيري، فهو يخص جميع الأديان. فإذا غضضنا الطرف عن تشويه سمعة الإسلام، وعن ازدرائه وشيطنته، فإن كل الأديان ستصبح مستهدفة. والقول إن بلدا علمانيا هو البلد الذي لم يعد يظهر فيه الدين هو قول خاطئ تماما. ثمة في العمق خيانة للعلمانية الأصلية. إذ يعترف قانون 1905 بحق إعلان الدين في الفضاء العام، وكذا القيام بالشعائر الدينية. في فرنسا، يمثل الدين رأيا كالآراء الأخرى. وبإبداء الرغبة في نفيه نهائيا من هذا الفضاء، نخرق حرياتنا. إذ تقتضي الحرية أن أدافع، أنا اللاديني، أنا الذي لا أملك أي عقيدة، عما يسمح للمؤمنين بالدفاع عن عقائدهم وتأكيدها وإظهارها. وهم لا يملكون الحق في فرضها، ولا في جعلها معيارا لحياتنا المشتركة، لأننا مطالبون بأن نكون متعددين، وأن نملك أشكالا لحياة مشتركة. لابد من ابتكار نمط حياة جماعي.
ترفض مبدأ الإدماج، وتقول إن فرنسا تحنّ إلى نموذج يمثل اليوم «عقدة تطوق عنق المجتمع». لماذا؟
يجب أن نندمج جميعا. فعندما جئت إلى فرنسا، كان عليّ أن أندمج. لم أكن أملك كل الشفرات. فالإدماج كلمة مرعبة وكولونيالية، كلمة لمحو الآخر، وكلمة عُرف مهيمن.
أذكر فقط، أن النساء في فرنسا حصلن على الحق في التصويت 25 سنة قبل النساء التركيات، ما يثبت أن أي عقيدة أو ثقافة أو دين أو بلد أو أمة تملك القيم الكونية. أذكر آنذاك أن الجمهوريين رفضوا تمتيع النساء بحق التصويت، على اعتبار أنهن يتأثرن جميعا بالكهنة. ومنذ ذلك الحين، رأينا أن النساء كنّ أكثر انفتاحا وقدرة من الرجال على ابتكار السبل الجديدة. ما أريد قوله هو إن قضايا المساواة لا تقبل الفصل. فإذا بدأنا بالاستسلام فيما يتعلق بالمساواة بذريعة الحرب الدينية، نخشى أن نستسلم فيما يتعلق بجميع أشكال المساواة. لنتوقف، ولنشق الطريق جميعا! قد تتعلم فرنسا، التي تعاني أزمة كبرى في الديمقراطية، من أوروبا أشياء كثيرة. فعندما نذهب إلى بريطانيا العظمى، قد نرى الجمركية ترتدي حجابا. وقد يكون المواطن المنحدر من أصول سيخية شرطيا. إنها مدن تتعايش وتتحرك، وهي تتكون من العالم كله.
تنتهي «رسالة إلى اليهود» لإميل زولا بنداء إلى «الوحدة الإنسانية»، وهو النداء الذي تكرره؟
أقتبس في نهاية كتابي هذه العبارة ل«إيمي سيزير»: «أيها الرجال والنساء، ماذا ننتظر؟» ماذا ننتظر لنقول: (كفى) لما يبدو لي جرحا ضد الإنسانية، بما في ذلك تشويه سمعة ساكنة بكاملها، بسبب عقيدتها. وهذا ما يقوم به الإرهابيون أيضا، لأنهم يقتلون الشيعة، حيث يعتبرونهم «مسلمين سيئين». فضلا عن ذلك، فالضحايا الأساسيون لهذه الإيديولوجيا الشمولية، التي تزعم أنها نابعة من الإسلام، هم المسلمون أنفسهم… أعتقد أننا يجب أن نقدم المثال الراقي الذي يصالحنا مع فكرة راقية عن فرنسا، هي فكرة بلد يتصالح مع العالم.
عن «لوبسيرفاتور دي ماروك إي دافريك»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.