يقال إن إكرام الميت دفنه، غير أن هذا الأمر ليس بالمهمة السهلة في بلاد المسلمين، فالموت أصبح سوقا يخضع لمنطق العرض والطلب، ومجالا جديدا للتنافس التجاري، واستنزاف جيوب الأقارب بعدما أضحت مراسيم الدفن والجنازة تكلف غاليا. شكلت المقابر على امتداد العصور جزءا من ثقافة الشعوب، فإن كانت مدن كثيرة تجتهد من أجل جعل عمرانها علامة مميزة تهدف إلى البصم على تألقها وتميزها، كما هو الحال بالنسبة إلى المقبرة الإسلامية بمدينة مارتيل، فإن مقابر بجهات عدة بالمملكة المغربية ما زالت تصر على المتاجرة بمآسي الغير، ووسيلة لمباشرة تجارة مربحة، والمثال هنا من مقابر "دار الضمانة الشامخة". لا يختلف اثنان حول الواقع الكارثي الذي تعيشه أغلب المقابر بمدينة وزان، بالرغم من العمل التطوعي والإحساني لعدد من الجمعويين، ذلك أن هذه التحركات تبقى غير كافية، فالمقابر تئن منذ زمن طويل تحت وطأة الإهمال والنسيان، وتصير من سيء إلى أسوء. جولة سريعة بمحيط هذه الفضاءات كافية لرصد حجم الإهمال الذي يعانيه الموتى في مستقرهم الأخير: قبور إسمنتية متناثرة هناك وهناك، وأخرى بالتراب تكاد تختفي وتستوي مع الأرض ينطبق عليها المثل العامي "ملي دفنوه ما زاروه"، روث الماشية فوق قبر، فضلات بشرية قرب قبر آخر، قاذورات في كل الأرجاء، أعشاب وطفيليات تغطي جنبات مساكن الموتى... مظاهر من بين أخرى تشهدها مقابر "دار الضمانة" شأنها شأن باقي مقابر المملكة التي تعاني الإهمال الذي حولها إلى فضاء مستباح لممارسة كل شيء. رشيد احميمن، فاعل جمعوي، استنكر، في تصريح لهسبريس، سلوكيات كثيرة تمس بحرمة المقابر ذكر منها ممارسة الجنس وتناول المخدرات بعدد من المقابر التي تفتقر إلى الإنارة والمسالك الطرقية، التي تجنب الزائر والوافد عليها إثم المشي على القبور، مشيرا إلى فظاعة بعض الأمور التي تقع بالمقابر وتدنس حرمتها وتسيء إلى أصحابها. "وإذا كان الدفن مجانيا في بعض مقابر وزان، خاصة تلك التي وهبها المحسنون لدفن الأموات، فإن القيمين على مقبرة ضريح مولاي التهامي بدار الضمانة مستمرون في بيع القبور بمبالغ تتراوح بين 4000 درهم و2000 درهم، غير أن التكاليف لا تتوقف هنا، فللحفار نصيب وللصفائح الحجرية ثمن ولحفظة القرآن الكريم مقابل وغيرها من المصاريف"، يقول احميمن. وأضاف أن الموت حدث أليم يجب أن يراعى فيه البعد الإنساني، لإعطاء التعاون الاجتماعي مدلولا ماديا يلامس الواقع اليومي للمواطن، ومشاطرة أقارب الهالك حزنهم، والتخفيف من مصاريف الدفن الذي يجب أن يكون مجانيا، مشيرا إلى مبادرة سكان حي القشريين لتكريس هذا المبدأ من خلال التطوع للحفر وتوفير الصفائح الحجرية وغير ذلك بدون مقابل. "حشومة المواطن ما يلقاش حتى شبر يتدفن فيه" يقول رشيد، قبل أن يطالب بضرورة رد الاعتبار إلى مقابر مدينة وزان، والمغرب عموما "بتكاثف جهود جميع المتدخلين، من جمعيات المجتمع المدني وساكنة الأحياء المجاورة وسلطات منتخبة، عبر توفير مراحيض عمومية بالمقابر حتى تتبوأ المكانة التي تستحقها وتسترجع هيبتها، ومسالك طرقية وإنارة... وداك الساعة إذا كان الخلاص على الأقل هناك خدمة تستحق".