أقوم بزيارة مقبرة بوعرفة في كل المناسبات. تختلف كل مناسبة عن أخرى، و نادرا ما أتخلف في تشييع الجنائز التي يكون معظمها من الأهل، أو الاصدقاء، و هذا ما جعلني أتتبع و ضعيتها، وما تعيشه من إهمال، وعدم الاهتمام بها بكل المقاييس. خلال زيارتي الأخيرة لها أثناء تشييعي لجنازة صديق لي عزيز، منكس الرأس، دامع العينين، الحزن يلم بي، والأسى يعصر قلبي من جلل المصاب، وبعد انتهاء مراسم الدفن، و انصراف الناس، وقفت بالمقبرة أتأملها، وأستطلع وضعيتها، فهالني ما رأيت بها من فوضى. عبث، وإهمال، وانتهاكات لحرمات الموتى، قبور عشوائية هنا وهناك... فراودتني عدة تساؤلات: إذا نحن لم نهتم بكرامة الميت، فمن سيهتم بكرامتنا إن توارى جثاميننا الثرى..؟ كيف أن مقبرة المسلمين تضج بالانتهاكات من تضييق للموتى بما نفعله في تلك المقابر..؟ كيف لا نترك للجثث الهامدة أن تنعم بالهدوء، وأن تنام قريرة العين نتيجة عبثنا..؟ ناسين أو متناسين أن إكرامهم يأخذ صورا أخرى، تتجسد في تكريم مدافنهم، والحفاظ على حرمات مقابرهم ( قالوا ابنوا عليهم بنيانا)، فالمقابر يجب العناية بها لأنها تراث إنساني، يجمع، ويضم رفات أجدادنا، وجثثنا نحن كذلك غدا. توجد مقبرتان ببوعرفة، الأولى: مقبرة موتى المسلمين ، أقيمت هذه المقبرة على مساحة 10 هكتارات تقريبا شرق المدينة، على جانب ضفة الوادي قرب الجبل بالحي المسمى حي الوادي، حيث دفن هناك أول ميت من مستخدمي شركة مناجم بوعرة، وذلك في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي(حسب إحدى الروايات). المقبرة الثانية : مقبرة موتى النصارى، مقامة على مساحة 300 متر مربع تقريبا بجوار مقبرة موتى المسلمين، وأقيمت في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، كما يظهر ذلك من خلال الكتابات المنقوشة على أحد قبورها، حيث استقبلت العديد من موتى النصارة كأية مقبرة أخرى، إلى نهاية السبعينيات. المقبرتان معا في حالة مزرية، يرثى لها، حيث تعانيان من انتهكات لحرماتها، فقد باتت مجمعا للحيوانات والكلاب الضالة، ومرتعا للماشية، ومأوى ليليا لبعض المتشريدين، ناهيك عن تهدم أسوارها التي لا يزيد علوها في أحسن الأحوال عن المتر والنصف، زيادة عاى انعدام الأبواب، وعدم وجود حارس تماما. يبدو أن المجلس البلدي في سبات عميق ، فهو لم يعر المقابر أي اهتمام، ولو على الأقل من باب احترام الموتى، ولو في حده الأدنى المتمثل في ترميم الأسوار، ورفعها، وو ضع الأبواب عليها، قد يمثل حماية ولو جزئية لها من الانتهاكات المتواصلة. في اجتماع سابق للجالية مع عامل الإقليم، ناشد هؤلاء رئيس البلدية على ضرورة الاعتناء بهذه المقابر، و لكن لم يتم التجاوب مع هذه المناشدة. فاحترام المقابر والعناية بها قائم على قاعدة" حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا"، وهذه القاعدة تجري على مقابر المسلمين، سواء كانت قديمة أو حديثة، فكلها يجب أن تحترم، واحترامها يتمثل في ألا يرمى فيها بالقاذورات، ولا يجلس أحد عليها، ولا يطأها بنعاله، وأن يكون هناك تنظيم في وضع هذه المقابر بحيث تكون بشكل صفوف، و يترك بين القبر والقبر ممر، وبين الصفوف طريق ليتمكن المار بالجنازة الجديدة، أوسيارة نقل الموتى من المرور بينها. كذلك شق طريق أو مسلك سهل للعبور نحو هذه المقابر، إضافة إلى توفية الماء وغيره من مستلزمات عملية الدفن. هذا بالإضافة إلى سور مرتفع وقائي بالأبواب، وحارس عليها. إن لسان حال أهل هذه المقبرة يبعث اليوم ومن بين هذه السطور بصرخة إلى أعضاء المجلس البلدي: أنتم مسؤولون أمام الله، وأمام المجتمع عن هذا الإهمال، وهذا العبث، فأيقظوا ضمائركم النائمة إن لم تكن ميتة، وتذكروا أن بعد الدنيا آخرة، وأنكم ستقبرون في هذه المقبرة، اليوم أو غدا، وستكونون كمثل أي ميت في المقبرة، وستُنسوْن كما نسيتم يومكم هذا. وأنا اختم مقالتي هذه، حضرني قول الشاعر الكبير أبي العلاء المعري، بعد الاعتذار له: صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد خفف الوطء فما أظن أديم الأرض إلا من هذه الاجساد